سعر الدولار يرتفع في أول يوم عمل بالبنوك بعد 4 أيام إجازة    مسؤول إسرائيلى: سفر وفد إلى مصر لتقييم تنازل حماس عن مواقفها    الصحة تحذر من الأبخرة المتصاعدة من السيارات: تزيد نوبات الربو    محافظ بورسعيد يستعرض الإجراءات التنظيمية لبدء تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء    البورصة المصرية: طرح 6 شركات جديدة خلال الفترة المقبلة    سعر الأرز اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    واشنطن وسول تبحثان فرص تعزيز التعاون في مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيه للمشتري اعتبارًا من أغسطس المقبل    آمنة: 125 مليون جنيه إجمالي حجم الاستثمارات لتطوير منظومة المخلفات في بنى سويف    «تعليم القاهرة»: انتهاء طباعة امتحانات نهاية العام الدراسي لصفوف النقل.. وتبدأ غدًا    برلماني يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لمنع كارثة إنسانية جديدة في رفح    "على غرار الشحات".. جراحة عاجلة للاعب بيراميدز بعد إصابته أمام فيوتشر    كريم شحاتة: كثرة النجوم في البنك الأهلي قد تكون سبب سوء النتائج    تين هاج: الهزيمة الكبيرة أمام بالاس مستحقة.. ولا أفكر في مستقبلي    قبل امتحانات الترم الثاني.. غرق مدرسة منشاة بغدادي بمياه الصرف الصحي بالفيوم "صور"    الأرصاد الجوية: طقس اليوم مائل للحرارة نهارًا ومعتدل ليلًا    عاجل:- التعليم تعلن موعد تسليم أرقام جلوس امتحانات الثانوية العامة 2024    «تعليم الإسماعيلية» تنهي استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الثاني    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    مصرع سيدة دهسًا تحت عجلات قطار بسمالوط في المنيا    ضبط المتهم بالاستيلاء على أرصدة البنوك بانتحال صفة خدمة العملاء    الداخلية: سحب 1201 رخصة لعدم وجود ملصق إلكتروني خلال 24 ساعة    ياسمين عبدالعزيز: مش بحب أحمد العوضي أنا بعشقه | فيديو    15 صورة ترصد أسوأ إطلالات المشاهير على السجادة الحمراء في حفل Met Gala 2024    انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض المسرحية الطويلة بجامعة القاهرة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه.. وسبب لجوئه لطبيب نفسي    أبرز تصريحات عصام كاريكا مع عمرو الليثي.. "أنا في الأصل ملحن"    انطلاق امتحانات نهاية العام لطلاب صفوف النقل ..غدا    7 عادات غذائية خاطئة تسبب نحافة الأطفال    "تم عرضه".. ميدو يفجر مفاجأة بشأن رفض الزمالك التعاقد مع معلول    خارجية الاحتلال: اجتياح رفح يعزز أهداف الحرب الرئيسية    الرئيس الصيني يزور سلسلة جبال البرانس الفرنسية وصربيا    إعلام أمريكي: إدارة بايدن أجلت مبيعات الآلاف من الأسلحة الدقيقة إلى إسرائيل    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدًا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    بمشاركة 55 ألف طالب.. ماذا قدمت التعليم العالي خلال مبادرة حياة كريمة خلال عام؟    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية التجارة    رئيس خطة النواب: الحرب الروسية الأوكرانية والتغيرات الجيوسياسية تؤثر على الاقتصاد المصري    «الصحة» تحذر من أضرار تناول الفسيخ والرنجة.. ورسالة مهمة حال الشعور بأي أعراض    اليوم.. تنصيب بوتين رئيساً لروسيا للمرة الخامسة    لقاح سحري يقاوم 8 فيروسات تاجية خطيرة.. وإجراء التجارب السريرية بحلول 2025    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    لاعب نهضة بركان السابق: نريد تعويض خسارة لقب الكونفدرالية أمام الزمالك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    ياسمين عبدالعزيز عن محنتها الصحية: «كنت نفسي أبقى حامل»    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لنا عبد الرحمن في تجربة روائية صاخبة
نشر في صوت البلد يوم 30 - 01 - 2010

تدفق اللحن الروائي في حركات متتابعة يجعل القارئ ينتقل من صفحة لأخري ،وهو في حالة انجذاب للحدث الروائي الصاخب ، الذي يجري تسجيله من خلال سرد فتاة تتحدث عن نفسها وعائلتها ووطنها ،وتنسج لوحة كبيرة ممتلئة بالأحلام والهواجس والكوابيس ، تتراجع في نغماتها عاطفة الحب ،مع هيمنة القلق والشك وعدم القدرة علي تجاوز الحاجز المخيف ،الذي يمنع البشر من التفاعل مع السعادة والشعور بعاطفة اليقظة الوجدانية والتمرغ في حقولها البديعة • " ندي " بطلة رواية " تلامس " تضعنا منذ افتتاح الرواية علي حركة فنية شديدة الإثارة ، تترجم لغة التعبير الفني المتألق ،عندما يبدأ المشهد الأول بلحظة صدام وأزمة عارمة ومثيرة للغاية ، فنحن نتذكر عندما هبط عيسي الدباغ بطل رواية " السمان والخريف " إلي محطة السكك الحديدية بالقاهرة ، وكانت العاصمة المصرية تحترق ،في إشارة لإنهيار البنيان القديم كله وإزالته عن المشهد الحقيقي ،مما ترتب عليه الزلزال الصاخب ،الذي أطاح بمجد الدباغ ،إذ فقد وظيفته الحزبية ومكانته علي عرش حزب الوفد المصري قبل الثورة ،وسقوطه بالتالي في أزمة عارمة انتهت به إلي شواطئ الإسكندرية ، حيث يعاني الضياع والإفلاس والخواء وظل يبحث عن المعني دون جدوي •
لنا عبد الرحمن تفتح روايتها بمشهد عن جنون عمة بطلة الحدث ووجودها في مستشفي للأمراض العقلية .. وتصف اللقطة الجامحة مظاهر هذا التوتر بحيث تدفعنا إلي الشعور بالواقع والألم والثرثرة الوجودية البالغة الثراء ،إذ هناك حالة من الخروج علي العقل وغرق الإنسان الذي يندفع في دوامات هذا المرض العنيف ،الذي ينزع الهدوء ويحل بدلاً منه الهوس والاضطراب • و" ندي " تشعر بالخوف من تحولها إلي الطريق ذاته ،مع وجود نفس مرهفة تشعر بالقلق الشديد مع الخوف أيضاً ،الذي يلاحقها عبر كوابيس مفزعة وأحلام مخيفة ،بالإضافة إلي مناخ عام تنفجر فيه الخلافات والأوضاع الإنسانية المريرة • لقد نشأت الفتاة الرقيقة في ظل غياب أمها ،التي تركت أباها وانفصلت عنه ،وذهبت إلي " دبي " حيث المال والثراء والزواج الجديد • وأب الفتاة شبه غائب ،تأكله لحظات الروتين اليومية والشعور بالفشل والإنغلاق داخل ذاته ،حتي انه لا يري ابنته او يلتقيها مع أنهما يعيشان في منزل واحد • هاجس العمة المجنونة وغياب الأم والأب ،بالإضافة إلي تراكمات الحرب الأهلية اللبنانية علي الواقع ،مع عدوان إسرائيل المستمر ،ينزلق الواقع اللبناني إلي لحظات جنونية تنعكس علي سلوك الأفراد ،مما يعني تفتت العلاقات الداخلية مع انفصال الأزواج عن بعضهم ،ووجود حالات خيانة وهجر وقتل ،مع عدم القدرة علي التواصل والوقوف علي حدود التلامس فقط لغياب العزيمة وقدرتها علي اختراق الحاجز ،واختيار الوقوف عند الخطوط الفاصلة • تنمو" ندي " في هذه الأجواء وتنحصر داخل ذاتها ،في ظل التعامل مع " النت " والدردشة مع آخرين والتعرف علي القصص الرومانسية الحالمة لأفلام الأبيض والأسود ،والإهتمام بحياة شاعرة لبنانية كانت تعيش في المهجر ،وبقاء الذات محاصرة في أحلامها أو بالأحري كوابيسها ،مع عدم قدرة علي الهروب من هذا المصير الفاجع نتيجة الفشل في الانطلاق نحو الآخر والانغماس في تجربة حب ،تكون قادرة علي إلقاء طوق النجاة للغرقي في بحار العجز والضعف.. تلتقي " ندي " محمدو ،الذي يشكل النقيض لها بشبابه وحيويته وحبه للسفر والتنقل ،وعلي الرغم من اهتمامه بالتراث الشعبي الإفريقي ،لا يغرق في نهر الخرافات التي تحيط بعالم بطلة رواية " تلامس " ،إذ تراكم الحديث عن أسباب جنون عمتها بسلسلة من الحكايات الخرافية عن الجن الذي سيطر عليها وانجذب إلي جمالها وهي تقف أمام المرآة .. محمدو دعا " ندي " لمغامرة العشق الجامح ،القادر علي منح الشخصية فرصة الهروب من العجز والضعف ،لكنها لم تكن قادرة علي المغامرة ،والقفز خارج هذه الدائرة ،وظلت أسيرة لبيروت وأحزانها وخبرتها الطويلة بشأن حرب أهلية ،ثم أخري إسرائيلية ،وثالثة تشتعل وتحاصر الفتاة الحالمة الرقيقة التي تحب الموسيقي وأفلام السينما الرومانسية .. تتحدث " ندي " عبر مونولوج داخلي فتقول : أكثر ما كان يخيفني أن أصير مثلها ،وأن تكون نهايتي مثل نهايتها .. هذا الهاجس المقلق يطاردها منذ السطر الأول حتي النهاية التي تتطابق مع مشاعر الخوف ،حتي ينتهي المشهد الأخير في مستشفي الأمراض العقلية بعد وفاة العمة المجنونة وتدخل " ندي " المكان نفسه وتنتابها حالة من الفزع والهذيان مع انطلاق القنابل والمدافع في تكرار لمشهد الحرب الذي لم تعشه خلال اندلاع الصراع الأهلي ،لكنه يأتي إليها مع هجوم إسرائيل علي الضاحية الجنوبية في بيروت ذاتها . تنطلق الروائية من مشهد روائي إلي آخر ،من الكوابيس إلي أحلام الحب الوردية ،والرغبة في العمل والبحث عن وظيفة ،أو الاستغراق في سيرة حياة شاعرة لبنانية مهاجرة. لا تستطيع الذات الانغماس في مشروع يجذبها بعيداً عن الكوابيس والأحلام المرهقة ،لم تكن تملك قوة الدفع حت تخرج من هذه الدائرة الجهنمية ،إذ استسلمت للموت والأفول ،وتركت حياة العقل والوعي تنزلق منها لعدم وجود دافع التحدي أو الإصرار للسباحة ضد التيار . تذكرني بعض مقاطع الرواية بشريط سينمائي صنعه الإيطالي العبقري " فيسكونتي " في فيلمه الرائع " الموت في فينسيا " إذ يفشل الأديب والفنان في معانقة نموذج الجمال الذي يراه أمامه ،وعندما لا يتمكن من الوصول إلي لحظة السعادة المطلقة ،تنهمر الأمواج الصاخبة مع موسيقي " مالر " الحزينة والعنيفة في الوقت نفسه تعبر عن حب ضائع وأمل يتبدد. وعندما كنت أقرأ قصة " ندي" مع محمدو ،كنت أجد في تفاعلها الرغبة للخروج من داخل شرنقة العبث الوجودي ،لكن أمواج العجز هي التي أطاحت بالمشهد كله ،نتيجة الخوف والرعب من التداخل والتفاعل ،إذ اختارت ندي " التلامس عن بعد والإنذواء بعيداً عن ضجيج التجربة ،وفضلت الانسحاب والهرب بسرعة بعيداً عن طوق النجاة الذي جاء إليها عبر عاطفة رجل يحبها .تستعرض " ندي " في حالة سرد روائي باهر ،شخصيات تحيط بها ،تعيش لحظات القلق بدرجات متفاوتة ،تبحث عن نفسها في ظل خلافات الأديان والمذاهب وتلبد سماء الحياة بغيوم كثيفة ،نتيجة مباشرة لحرب أهلية انفجرت داخل شعب واحد ،وأحدثت هذه الفوضي ،التي لا تزال بصماتها واضحة علي نفوس البشر وعقولهم . غرقت النفس اللبنانية ،نتيجة صراع مروع ،فجر الحرب الأهلية التي وصلت إلي درجة عالية من البشاعة والتمزق والجنون. وعلي الرغم من إعادة بناء المكان في قلب " بيروت " بالمتاجر والمقاهي الجميلة ،فمازالت النفس تعاني من آثار هذه الحرب في ظل استمرار التوتر وانفجار القنابل الخلافات هنا وهناك . تنعكس حالة القلق بعد هذه الموجة العارمة ،علي أحوال البشر ،وعلي الرغم من أن " ندي " لم تعش هذه الأيام الحزينة ،غير أنها تسمع عنها وتلمح تفاصيل في قلب السلوك المضطرب الذي يدفع نحو التمزق وعندما يقتل رجل زوجته بدافع الغيرة أو الخيانة ،وتنتحر زوجته رداً علي فعل غير أخلاقي يهز القيم والعادات بشكل عنيف ،عندما تري زوجها في حضن شقيقتها علي سريرها .هذه المآسي تعكس درجة واضحة في عمق وعي الذات بنفسها واحوال مجتمعها ،وهي تهرب من كل هذا الإرث و ملاحقات الأشباح ،إلي صور الفنون والموسيقي وأفلام السينما لعلها تجد العلاج والخلاص . وهي تدرس علم النفس ،لكنها لا تعرف الطريق لمفتاح شخصيتها للعثور علي أداوت الممانعة لحماية الذات من السقوط في دائرة الخوف والقلق والعجز . تستخدم الروائية أسلوب السرد ،الذي يقترب من لغة الشعر ،إذ إن ندي مشبعة بقراءات وثقافة عريضة ،وهي محاطة بمثقفين في الجامعة التي تدرس بها ،كما تستمع إلي انتقادات من شخصيات مثقفة ،إذ يتحدث أحدهم عن أن الجيل السابق لها كان يقرأ ثقافة أوروبا أما جيلهم فهو ضحية لثقافة أمريكية استهلاكية تهيمن علي كل شيء تقريباً .
تعتمد الكاتبة علي حبكة روائية عالية الترابط في حذق فني يعبر عن قدرة تجميع هذه الجزئيات في رسم صورة ضخمة للبنان كله وبيروت من خلال قراءة ملامح هذه الذات الخائفة من شبح الجنون الذي يظل يطاردها حتي ينجح في القبض عليها في النهاية . تستخدم الكاتبة مفردات اللهجة المحكية اللبنانية في الحوار وتعليقات للشخصيات الموجودة في الدائرة الضيقة والمتسعة التي تمثل درجات العيش في هذا المجتمع والكيان المتحرك . عادت لنا عبد الرحمن إلي تجربة متكاملة تدور في لبنان وهي التي تعيش زحام القاهرة وضوضاء وحيوية الحياة فيها وتنغمس في نهرها الثقافي وجدلها الفكري • وعندما يخرج الكاتب من محيط مجتمعه إلي آخر ،يتبلور الأول بشكل كامل ويستطيع الإتصال معه عبر نماذجه الإنسانية بليغة الدلالة والثراء في لغة التعبير.
في مشهد أخير ،تفقد " ندي " هاتفها الجوال وحقيبة ملابسها ،وتحاول الهرب في سيارة أجرة للخروج من " بيروت " إلي الجبل ،أثناء هجوم الطائرات الإسرائيلية ،تجد نفسها ضائعة ووحيدة لا أم ولا أب ولا جدتها التي رعتها منذ طفولتها . في هذه اللحظة الوجودية الصارخة ،تنطلق قذائف الطائرات المغيرة علي سكان العاصمة ،وتحدث القنابل الفزع والهلع ،ولا تجد " ندي " أمامها سوي الذهاب بعد تعثر خروجها إلي الجبل ،سوي مستشفي الأمراض العقلية لزيارة عمتها ،لكنها تعرف بخبر موتها ،وتتداخل مناظر الوعي مع سقوط القنابل والشعور بالهلع ،وانتقال المشهد إلي محطة جنون أخري تعبر عن المنظر الخارجي المرتبط بجحيم الحرب .
رواية فيها الكثير من الشعر الفني الجميل ،الذي يتحدث عن نفوس قلقة ومجتمع ممزق وعواطف لا تعرف الطريق نحو الاستقرار .. كل هذا يتم في حذق فني شديد من خلال حركات سيمفونية تنتقل من موجة لأخري ،في اندفاع صاخب من المشهد الأول ثم المرور بتهدئة حزينة وعاطفية ،ثم تعود النغمات إلي التراكم للوصول إلي لحظة الذروة في مستشفي للأمراض العقلية .
رواية رائعة بهذا السرد الجميل المختصر ،والجمل الحوارية والمونولوج الممتد من أول سطر إلي نهاية حزينة ،نسجتها الروائية بتمعن شديد وبقدرة علي الإمساك بزمام لغة التعبير التي تحتضن قراءات واطلاعاً علي تصوف وأدب وشعر ،امتزج في نسيج البناء الفني ،وجاء في " تلامس " ليشير إلي روائية بهذه الحصافة والموهبة . لقد ظللت لمدة أتهيب الاقتراب من الرواية ،كنت أشعر بزخمها النفساني العميق ،وعندما انتهيت من القراءة ثارت في النفس عاطفة جامحة نتيجة ثراء شخصية " ندي " وصدقها وعدم الادعاء ولغتها البسيطة الفاضحة لذات غير قادرة علي التعايش مع واقع الجنون والإحباط ،وعدم إدارك المشاعر لحساسية وعظمة نهر الحب ،الذي أحاطها من كل جانب ،لكنها هربت منه ،لأنها لا تستطيع سوي ممارسة خبرة التلامس عن بعد ،وتخشي الاقتراب والانخراط في الآخر ،لأنها لم تعثر علي نفسها في ظل هذا الاضطراب العارم الذي يحوطها من كل جانب ،في دلالة علي فوضي كونية وأخري وجودية تسحب رياح الحب ،وتأتي بأخري مع هذيان القنابل وضجيج الموت والانفجارات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.