(1) تناثرت الأخبار على مدار الأسابيع القليلة الماضية حول خطوة عنترية سيقوم بها رئيس الوزراء هشام قنديل للإطاحة بعشرة وزراء ضربة واحدة، خاصة بعد إقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، من واقع أن هؤلاء الوزراء تم اختيارهم عن طريق المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وسرعان ما قيل أيضاً أن هؤلاء الوزراء هو الذين طلبوا إقالتهم للحاق بركب المشير والفريق، وأيضاً تبع تلك الأخبار العديد من التصريحات التي تكاثرت من كل حد وصوب تجاه الحكومة ؛ مرة بالإقالة ؛ ومرة بالتغيير الوشيك، والتي كان آخرها ما أدلى به أحد الإعلاميين من اجراء تعديل وزاري وخص حديثه بالقول: إن هناك ملفات قدمت للرئيس مرسي عن ثلاثة من الوزراء الحاليين، من المحتمل أن يضاف إليهم ملف آخر لوزير رابع، وأن الاتجاه لإقالة الوزراء الأربعة لتعيين وزراء جدد، وأن التعديل الوزاري بات وشيكاً، فالمائة يوم الأولى لحكم الرئيس مرسي قاربت على الانتهاء، في حين نفي مصدر مسئول بمجلس الوزراء وجود تعديلات وزارية مرتقبة بالحكومة خلال الأيام المقبلة، وأنه لا صحة لما تناولته وسائل الإعلام، مطالباً وسائل الإعلام تحرى الدقة فيما ينشر من أخبار عن مجلس الوزراء. ويبقى سؤال إقالة الحكومة أو إجراء تغييرات عليها .. متى ؟ ولماذا؟ (2) إن إقالة الحكومات تعتصر معها حقب زمنية بها العديد من المطالب الشعبوية المشروعة التي قد يعطلها غياب المسئول المباشر الذي يتابع الملف ويأتى آخر ؛ الذي يكون في حاجة إلى الوقت الكافي لمتابعة سير الأحداث والملفات المفتوحة والمشاريع العالقة التي لم تنجز، وبالتالي تعود الوزارة أو الجهة المسئولة إلى المربع صفر. ومن جانب آخر فإن الحكومة المصرية الحالية لم تستطع اتخاذ أي قرارات حيوية في أي من القضايا المثارة والتى دوت في مصر مؤخراً وأسمعت القاصي والداني، وكان آخرها أحداث السفارة الأمريكية وما جرى من سقوط العديد من الجرحى، وعدم اتخاذ أية قرارات أو اجراءات من شأنها الرد على الفيلم المسيئ للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.وانتهت الأحداث إلى قرار حبس عدد من المتهمين على ذمة التحقيقات بعد أن وجهت لهم النيابة تهم محاولة اقتحام السفارة الأمريكية وتكدير السلم العام، والتعدي على الشرطة،واستخدام القوة والعنف ومقاومة السلطات، وتعطيل الحركة المرورية إلا أن المتهمين أنكروا التهم الموجهة إليهم، معللين تصادف وجودهم هناك، بالإضافة إلى ممارستهم أنشطة البيع في الميدان. كذلك فإن الملف الأمنى مازال في حاجة إلى جهود كبيرة تتمثل في إعادة الهيبة لرجل الشرطة وبناء الثقة المفقودة بين الأمن والمواطنين .. كذلك استكمال احتياجات الشرطة من السيارات والمعدات والأفراد والتجهيزات لتعويض ما تم تدميره من معدات ومنشآت وإعادة تأهيل مبانى الشرطة وأقسامها للعمل بكامل طاقتها وكذلك مبانى السجون. (3) وأيضاً الاهمال والتسيب في العديد من المصالح الحكومية وارتفاع الأسعار الذى بات كابوسا يطارد المواطن أينما ذهب، فضلاً عن الفشل الذريع في معالجة المشكلات المتعلقة بمظاهر الاعتصامات والاحتجاجات التي حاصرت الشارع من كل الفئات بلا استثناء، والتى كان أشهرها إضراب المضيفيين الجويين وما لحق بوزارة الطيران من خسائر فادحة نتيجة تعطل حركة الطيران ، وكذلك إضراب المعلمين الذين امتنعوا عن الدراسة حتى تتم زيادة رواتبهم وتوفيق أوضاعهم، بالإضافة إلى حالات التعدي على مرافق الدولة من قطع خطوط السكك الحديدية، ومشكلة الكهرباء ما زالت تئن في العديد من المناطق المهمة في مصر، وأيضاُ الشلل المرورى الكامل، وقطع طرق والاضرابات الفئوية،وحوادث الطرق التى تكلف الدولة ملايين الجنيهات سنوياً. فقطاع المرور يحتاج إلى حلول حقيقية وخطط تطوير فاعلة. أيضاً الملف الاقتصادى الذي يعد من أهم المشكلات التي تمس المواطن بشكل مباشر، وأصبحت الحاجة ملحة إلى قرارات حكومية سريعة وفورية، لاحتواء غضب المواطنين وتقليل الاحتجاجات الفئوية، ومن الملفات المعلقة قرار رفع سعر رغيف العيش لتحسينه، والتصدي للسوق السوداء للدقيق والمخابز، وأزمة أسطوانات الغاز المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأزمة المخابز ورغيف الخبز، والتي علق عليها أحد الوزراء بقوله: " من الصعب جداً أن يعطى أى وزير أكثر مما أعطيت نتيجة لتعقد المشكلات وتشابكها.. وأيضاً ملف الدعم وكيفية وصوله لمستحقيه، وارتفاع أسعار السلع بشكل جنوني، في ظل انخفاض دخل الفرد، أليس هذا من أولويات الحكومة؟ إن المواطن لا يهتم بالخطط طويلة المدى بقدر ما يريد أن تكون الحلول مرتبطة بواقعه وحياته اليومية. جميعها مشكلات قديمة حديثة تخمد أحياناً بسبب الاعتياد عليها ؛ لكنها تظهر وتطفو فوق السطح بصورة أكبر وأضخم من سابقاتها. (4) ولكن من الضرورى القول: إن تشكيله أول حكومة مصرية بعد الثورة كانت تعكس بشكل واضح ميزان القوى بين الرئيس محمد مرسى والمجلس الأعلى للقوات المسلحه، وكذلك تكشف عن استراتيجيه جماعة الإخوان المسلمين في تغيير ذلك التوازن، حيث احتفظت الحكومه الجديدة بسبعه وزراء بما فيهم هشام قنديل من الحكومه السابقة التي عينها العسكر، بجانب خمس وزارات أعطيت للإخوان وعدد آخر للثوار، إلا أن الحقائب السيادية احتفظت بها شخصيات مرتبطه بالنظام القديم مثل الدفاع والداخلية، والملاحظ أن بها توليفة غريبة، حيث مازال عدد من شخصيات النظام القديم يحتفظون بمناصب مهمه فيها. إن اختيار الرئيس محمد مرسي ل "هشام قنديل" كرئيس للحكومة يماثل حالة الحكومة التكنوقراط التي مثلها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق مع الرئيس السابق، إذ من الضروري لرئيس الوزراء أن يكون صاحب رؤية سياسة خاصة، وعليه ألا يكتفي فقط بتنفيذ مشروع الرئيس، وتحقيق أهداف الثورة، فهناك العديد من الملفات الشائكة التي تحتاج إلى تدخل فورى وعاجل وحلها، ولا يكون المقصود من هذا كله التخديم على أفكار جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة ومكتب الارشاد، فتلك الحكومة التي تسببت في انقسام الإسلاميين عند الإعلان عنها لابد أن تكون مدنية بالدرجة الأولى، وأن تترك هوامش القضايا وتقوم بالنظر إلى العمق حتى تداوي جراح المصريين التي تنتظر العلاج.