إذا عاد من ليله السرمدي ؟ أحداث الرواية تدور في العراق ولا تحدد الكاتبة مكاناً معيناً بل نستنتج أن أحد أحياء بغداد هو مكان أحداث الرواية، ولعل هذا ما فعلته هدية حسين في رواياتها السابقة بنت الخان و ما بعد الحب و في الطريق إليهم حيث مسرح الأحداث مكان مفترض في بغداد يتحرك الأبطال ضمن شوارعه وعوالمه التي تستمدها الكاتبة من الأجواء العراقية خلال وبعد الحرب• نجد هذا الأمر أيضاً في زجاج الوقت فالخط السردي يبدأ بالتوتر التصاعدي في الجزء الثاني من الرواية، إذ تفتح الكاتبة الحدث الرئيسي مع شخصية العمة التي تحملها اسما يقترب من اسم الكاتبة الحقيقي عندما يمر عابر سبيل ويسألها أنت السيدة (هداية) إنه أمر غريب ألا تتعرفي علي• المحور الأول في السرد هو حكاية العمة أو السيدة هداية مع عابر السبيل يونس حيث يظل وجوده الوهمي حقيقة بالنسبة إليها، فالعمة تتوهم وجود رجل أحبته في الماضي منذ أعوام غابرة وها هو يعود ليسأل عنها، هذه الحقيقة التي تؤكدها وحدها ولا يشاركها في تأكيدها أي حدث واقعي، بل تنطلق من فعل متخيل بافتراض أنه رجل من زمن غابر رجع من عالم الأرواح وها هو شخص أرضي يتحاور معها• ولكن علي الرغم من هذا الحدث الوهمي والمتخيل في آن واحد فإنه يبدو مبرراً عندما ننطلق إلي الخط السردي الثاني الذي تبدأ به حزام أو حنان ابنة أخ هداية، إذ تكشف حزام أن عمتها تمارس الكتابة وتحكي عن تفاصيل حياتها وعلاقتها بها، وكيف تولت رعايتها وهي طفلة، تلك العمة التي فشلت في الزواج ممن تحب بسبب وقوف أخيها عائقاً أمام زواجها ثم أجبرت علي الزواج من رجل آخر كانت حسنته الوحيدة أنه جعلها تكمل دراستها، لكن تلك العمة التي انكسرت أكثر من مرة تقوم باحتضان ابنة أخيها التي سقطت من رحم أمها إلي يديها بعد أن ماتت الأم في حمي النفاس، تقول حزام: لم أكن أفهم سر التوتر بين أبي وعمتي إلا بعد سنوات حيث كانت عمتي تزقني مثل طير صغير بجرعات مسمومة عن تجارة أبي المشبوهة، وعن تدخله غير المبرر في حياتها الخاصة" • تكشف حزام أن عمتها تقوم بكتابة رواية اسمها مكعبات الثلج وتتحدث عن هلوسات عمتها وتخيلاتها وإن كان هذا الكشف لا يتصاعد إلا بدءاً من النصف الثاني من الرواية بعد أن تختفي العمة، وبعد أن يتم العثور علي جثة رجل أمام البيت يتم استجواب العمة وحزام حول علاقتهما بالرجل المقتول والملقاة جثته أمام بيتهم فمن هذا الرجل؟ هل هو يونس الذي ادعت العمة أنها التقت به وأنه جاء إليها من عالم آخر؟ هذا التشويش في السرد والذاكرة الذي يبدأ من أول الرواية مع قصة العمة وحكاية يونس يستمر علي مدار النص، حزام مثلاً تستغرب أن يكون اسمها حزام لأن اسمها هو حنان وليس حزام والعمة تسأل حزام عن رجل تعرفه اسمه عدنان لكن حزام تنكر، وتقول إنها لا تعرف أحداً بهذا الاسم،ثم هناك التشوش عند حزام ذاتها التي تعيد كتابة سيرة عمتها بعد أن تجدها ملقاة علي باب البيت مريضة، متهالكة وحليقة الرأس لا نعرف من فعل ذلك بالعمة بعد أن كانت في مستشفي الأمراض العقلية، لينطوي هذا الحدث مع موتها ويظل غامضاً• تتيح رواية زجاج الوقت للقاريء تلمس الأوجاع العراقية بشكل غير مباشر، من دون الحديث عن سجون ومعتقلات وتعذيب لأن السرد كله يتم عبر شخصيات نسائية تقدم للقاريء رؤيتها الخاصة للواقع، من هنا حملت الرواية كثيرا من التأويل والعلامات والدلالات التي تمكنت الكاتبة هدية حسين من تضفيرها مع فعل السرد وتقديمها للقاريء بأسلوب بوليسي مشوّق بعيد عن الرتابة سواء علي مستوي السرد أو الشخوص •