( اضحك الصورة تطلع حلوة )لم تكن كلمة شهيرة أطلقها الفنان أحمد زكى في فيلم سينمائي فقط، بل هي كلمة عبرت عن قدرة المصور المحترف في إخراج جماليات الصورة، ومن المعروف أن فن التصوير له تاريخ، وله مبدعيه الأكثر شهرة في العالم ، ومن أهم صفات المصور المحترف احساس الصورة بالعين والقلب، وإذا نقص شئ ذهبت معالم وجماليات الصورة بدون استئذان . لكن حين نجد من يكسر القاعدة ليتخلى عن واحدة من الاثنين ويتحلى بلقب المحترف فى نفس الوقت ، لأنه أول مصور كفيف فى الوطن العربى "ماهر سعيد" الذى أبهر الجميع بفلاش الكامير الخاصة به القديمة الطراز،بالرغم أنه كفيف إلا أنه يستطيع الإحساس بالصورة ، ويختار الوقت المناسب ،فلا تتعجب اذا وجدتة ينتظر لساعات طويلة من أجل التقاط صورة فالتقاطها هواية لتكون عمرها الآن مايقرب من 35 عاما من التواصل. يقول ماهر سعيد أول مصور كفيف: تميزت حياتي بالغرائب حتى طفولتي فقد ولدت كفيفا، بين خمسة أبناء بينهم أربعة أبناء مكفوفين، ليكون عكس الواقع الغريب أن يكون بين الأبناء واحد كفيف، لكن يوجد بين الأبناء واحد فقط مبصر، ووالدتي ووالدي كانا لهما فضل كبير فى مساندتنا، وكانت من أهم الاشياء المحفورة فى قاموس الذاكرة شكل الغرفة في منزل والدي، وأماكن الدخول والخروج من المنزل بدون مساندة أحد حتى تعودنا لنكون أسوياء بطريقتنا دون أن نكون ثقل على أحد . وتابع ماهر:في البداية دخلت مدرسة للأسوياء أول عام، لكن العام التالي انتقلت إلى مدارس المكفوفين،وحصلت على الابتدائية عام 1963 وحصلت على الاعدادية في المركز النموذجى عام 1972 ثم الثانوية من مدرسة طة حسين عام 1975 ونلت الليسانس في كلية الأداب جامعة القاهرة عام 1979، ومن هنا كانت الهواية بعيدا عن التعليم، حيث كان والدي يهتم كثيرا بجمع الكاميرات القديمة ففكرت فى أن أحصل على واحدة منهم وأتميز بحبى لفن التصوير، وكنت أجد أنه شيئا صعبا ومستحيلا لكن كان يتحدث معي والدي دائماً عن هواية التصوير، وكنت أشعر أنها مهنة لها إحساس كبير من القلب، وكانت الكاميرا تعتمد على الإضاءة الطبيعية فى النهار فقط، أي أن هوايتى كانت في النهار فقط، وكان الأمر صعب جداً، لأننى كنت أواجه أخطاء كبيرة في صوري مثل رجل من دون رأس أو شجرة من الجنب أو تصوير غير المقصود، وأخذ مني التعلُم سنوات لكن الصبر كان وسيلتى للنجاح. وأشار ماهر: جاءت مرحلة الإبداع في حياتىي كمرحلة ثانية، حيث قررت الإرتباط بزوجة كفيفة وتحديت الحياة الزوجية أيضا ، ونجحت بالفعل وأصبحت لدي أسرة من ثلاثة أبناء وكنت أشعر بالاستقرار الداخلى ودفئ الأسرة، فأبدعت وكانت أول كامير أحملها فى يدى "كودك"وهذه الكاميرا مازلت استخدمها حتى الآن، ولم أستطع شراء الديجيتال لتعودي على هذه الكاميرا العادية لأنني أشعر بتفاصيلها أكثر، رغم امكانيتها المتواضعة مقارنة بالكاميرات الحديثة وأبدعت بها ،حيث أننى تخطيت مرحلة الأخطاء، وبدأت بالفعل أهدي أبنائى وأصدقائي الصور، وكانت جيدة جداً، ودائما أسأل ابنائى عن أخطائي في الصور، لكني أصبحت حالياً محترفا بعد خبرة طويلة . وأوضح ماهر، التحدى كان طريقي للوصول لما أتمنى، فكنت اعتمد في إلتقاطي للصور على الأذن، وأقرب حاستين سبحان الله أعطاهم الله للانسان هما البصر والسمع، فقد عوضت الإبصار بالاعتماد على السمع كحاستين مشتركتين، فعندما ألتقط صورة اطلب الشخص الموجود أمامى الحديث لي وأحدد منبع الصوت بشكل مركزي وألتقط الصورة، وكنت أتدرب على ذلك جيدا وتدربت على التليفزيون وهو منخفض الصوت تماما وأحاول أن أستمع له لتحديد مكانة وغليان الماء أعرفه من رائحته وشروق الشمس وغروبها فاعرفه من درجة الحرارة التى تختلف من وقت لأخر كي أحدد وقت التقاط الصور، كما أستعين بحفيف الشجر في تحديد المسافات وأبعاد المكان من خلال الهواء الذى يتخلل أغصان الشجر، وبالتركيز أستطيع سماع حفيف كل ورقة وأحدد المسافة الخاصة بها وبالقياس أستطيع التقاط أي صورة، فمثلا عندما ألتقط صورة لشخص أعتمد على صوته ولم أصل إلى هذه النتائج سريعا بل استغرقت سنوات ولا تزال هذة التمارين مستمرة حتى الآن . وفسر ماهر مفهوم التصوير بالحواس بأنه، بعد فقدان بصره اعتمد على حواسه جميعها، واسأل عن كل شئ حوله مثل الشكل واللون واخزن تلك الملامح في ذاكرته. وأضاف في حديثه: إلتقطت العديد من الصور الصعبة منها صورة ضمت أكثر من 30 شخص خلال مشاركتي في مهرجان العطاء للمكفوفين،ونالت الصورة إعجاب الجميع، وهناك صورة صعبة للقطار أثناء استقلال سيارة في الإتجاة المعاكس أثناء سفري لإحدى المحافظات المصرية،ونجحت في التقاط صورة رائعة للقطار بالرغم من السرعة العالية التي كان يسير بها .. وأيضا من أصعب الصور صورة طفل صغير يتحرك بسرعة، ولا أستطيع التحكم في حركته لأنه لن يستجيب إلى كلامي. واختتم ماهر سعيد كلماته، عدد الصور التي إلتقطها في حياتي تصل عددها إلى أكثر من خمسة آلاف صور ةجميعها جيدة،واستطعت من خلالها إقامة العديد من المعارض. وأغرب صورة قمت بتصويرها عندما وضعت حفيدتى على فرعين شجرة متشابكين دون مساندة أحد، وقمت بتصويرها وكان الجميع يقولوا لي كيف قمت بذلك لكني اعتمدت على حواسي كالعادة. وسبب وضع الكاميرا على عينى بالرغم من عدم رؤيتى ، لأن الله سبحانة وتعالى أعطاني الحاستين قريبتين من بعض وهى السمع والبصر فاضع الكامير مابين العين والأذن. ومن أحلامي إنشاء أستوديو خاص لتعليم الهواة المكفوفين في مصر والعالم العربي .