ستة وثلاثون عامًا على زيارة السادات إلى إسرائيل و التي تباينت ردود الأفعال تجاهها بشكل كبير ما بين مؤيد و معارض و مرحب و رافض و ذلك لوضع نقطة فصل لثلاثون عامًا من الحروب في دائرة الصراع العربي الإسرائيلي و التي بدأت في العام 1948 و لكن سياسيًا بدأت من مؤتمر بازل الذي دعا إليه تيودور هرتزل في العام 1897 و هنا كانت المبادرة التي أرادت أن تجعل من تلك التواريخ المخضبة بالدماء تتحول إلى تواريخ حالمة لأغصان السلام. أعلن الرئيس الراحل أنور السادات في أوائل نوفمبر من العام 1977 في خطاب افتتاح دورة برلمانية جديدة بمجلس الشعب عن إستعداده للذهاب إلى آخر العالم لإستعادة بقية سيناء وسط دهشة إسرائيل على مدى إستعداده لمناقشة هذا الأمر في عقر دارهم بالكنيست ذاته و عند إطلاق هذا التصريح عبر الأثير البرلماني صفق البعض بتحفظ و البعض الآخر بتعجب إلى أن جاءت الكاميرا لتكشف عن تصفيق حاد من زعيم المقاومة الفلسطينية ياسر عرفات و بجانبه النائب حسني مبارك دلالة على الإعجاب بجرأة السادات؟! مر أسبوعان على هذا الخطاب وسط حالة من الإستفهام و الإستهجان على هزلية حدوث هذا الموقف إلى أن جاءت أخبار التليفزيون المصري يعلن عن إستعداد السادات للذهاب إلى القدس وسط حالة من الذهول و الإعتراض و الإستفهام و جاء هذا القرار عقب إرسال السفير الأمريكي بالقاهرة رسالة للرئيس السادات بموافقة إسرائيل على تلك الزيارة لتستعد رسميًا و سياسيًا لمشاهدة تلك اللحظة!! جاء يوم التاسع عشر من نوفمبر لتقف إسرائيل على قدم و ساق مذهولين من إستحالة ما يحدث إلى أن تأتي الطائرة التي سينزل منها السادات و كانت هناك أقوال إسرائيلية تقول بأن السادات سينزل من الطائرة و معه جنود سيحتلون إسرائيل و ظل الهاجس قائمًا بمطار بن جوريون (اللد) و الرئيس الإسرائيلي إفرايم هاتسير و رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين يؤججهم القلق إلى أن ظهرت الطائرة المصرية تمشي الهوينى خطوة خطوة عند الوصول في لحظة ترقبية تحتبس لها الأنفاس. عند توقف الطائرة يتم فتح بابها في لحظة إنتظار السادات الذي صدم الجميع بصدمة كهربائية أختلفت فيها ردود الأفعال و يظهر السادات و على وجهه إبتسامة يتسر من خلفها القلق من المجهول لإنتحارية القرار و ينزل تدريجيًا خطوة خطوة في إنتظار لمس أقدامه إسرائيل لتأتي اللحظة وسط تصفيق حار و حاد و تزايد التصفيق عند مصافحته لجولدا مائير عدوة الأمس ليقول لها السادات: أهلاً بك أيتها العجوز. يصافح السادات شيمون بيريز و اسحق رابين و مناحيم بيجين و اسحق نافون لتتحول دانات المدافع إلى إبتسامات و مصافحات و تأتي لحظة خطاب السادات الذي صُنف في التاريخ من أهم خطابات القرن العشرين ليعلن عن أن قدومه هنا ليس من أجل القضية المصرية فحسب بل من أجل القضية الفلسطينية لإعادة أبناء فلسطين إلى أرضهم مع تكوين دولة عاصمتها القدس العربية ثم تحيته لأصوات إسرائيلية شجعت على تلك المبادرة مع دعوته لكل ضحايا الحروب و الثكالى و الأرامل على تشجيع قياداتهم بنشر السلام. دفع السادات ثمنًا كبيرًا بمقاطعة الدول العربية لمصر مع نية حافظ الأسد الرئيس السوري وقتها عند زيارة السادات لسوريا يخبره بقدومه على تلك الخطوة لدرجة أن حافظ الأسد أراد إعتقاله لإستحالة الموقف و لكن تراجع عن القرار ليستمر السادات في موقفه ليواجه مقاطعة شاملة من البلاد العربية و تأكد هذا في كامب ديفيد ليعلن صدام حسين في قمة بغداد العام 1978 عن توعده لكل من يؤيد السادات. هنا جاءت تلك الخطوة كحل للصراع العربي الإسرائيلي الذي لازال في تعرجه رغم إتفاقيات السلام التي تمت في العام 1978 و العام 1979 بكامب ديفيد و تلتها حزم من الإتفاقيات أقل قوة من كامب ديفيد من الأطرف العربية الأخرى ليكون الصراع شائكًا حتى في وجود زهور السلام!! (خطاب الساادات بالكنيست الإسرائيلي)