تمر اليوم الذكرى المائة سبعة و أربعون على ميلاد قائد من قواد الصين ساهم في إدخال الصين للحداثة و المعاصرة عبر ثورته التي قادها في العام 1911 مطيحًا بالإمباطورية الصينية ، هذا الزعيم هو صن ياتسن المعروف بأبو الصين الحديثة و الذي جعل للصين رونق خاص في تطبيق النظام الجمهوري على مستوى القارة الآسيوية. ولد صن ياتسن يوم 12 نوفمبر من العام 1866 بقرية شيانجشانج ببلدة جوانج دونج لعائلة ريفية تدينت بالمسيحية البروتستانتية و تلقى تعليمه الثانوي في المدارس التبشيرية الأجنبية و تخرج من كلية الطب بجامعة هونج كونج في العام 1892 و كانت أسرة كينغ الإمبراطورية تحكم الصين و كان ياتسن معترضًا على هذا النظام الذي جلب التأخر للصين مكتفيًا فقط بأن الصين هي مخترعة البارود قبل أوروبا و لم تطوره لتقع فريسة لأشكال مختلفة من الإستعمار بين البريطاني و الفرنسي و الأمريكي مع تسخير الإمبراطورة الصينية (هي تسو) القوات البحرية لحماية قصرها مما جعل القوات البحرية تصاب بالوهن لقلة التدريبات و قلة المناورات. (تكريم صن ياتسن بكانتون بالصين العام 1921) كان ياتسن متأثرًا تأثرًا شديدًا بالحضارة الأوروبية و بحداثة مناهجها فإذ به في العام 1894 يؤسس أول تنظيم ثوري بالصين عُرف باسم (جماعة إحياء الصين) مستطيعًا بضم لفيف من المثقفين الصينيين داخل و خارج الصين لإخراج الصين من بوتقة الإنغلاق لبوتقة الإنفتاح على العالم و قاد أربعة عشرة إنقلابًا ضد الإمبراطورية الصينية و كاد إنقلاب العام 1895 ينجح و لكن لم تكتمل رياح الرغبة في الثورة ليتم نفي ياتسن في هذا العام بلندن و يقطن بعاصمة الضباب حاملاً في جعبته أحزان الإخفاق و أمال التعويض ليقابل رجلاً من رجال روسيا يحلم بالقضاء على القيصرية الروسية و هو الزعيم الروسي فلاديمير ديميتريش لينين الذي تقابل بياتسن في لندن عبر الكتاب و الثقافة من خلال المتحف البريطاني قائلاً عنه: رأيت في ياتسن حلم أمة تطمح للتجديد و التغيير. (بروفايل عن صن ياتسن) تنقل ياتسن في منفاه ما بين إنجلترا و اليابان و كندا و الولاياتالمتحدةالأمريكية و أثناء تواجده في العام 1902 باليابان كانت الثورة الفلبينية أثناء حرب الفلبين مع أمريكا و في ظل منفى ياتسن باليابان لم يستطع المنفى في إخفاء إرادات الشعوب عن زعيم يحمل إرادة أمة من أجل التغيير ليقوم ياتسن بعمل مجهود كبير في دعم الثورة الفلبينية بالمال و السلاح و هو باليابان ليجمع أكبر كم من المعلومات عن ثورات الآخرين ليضفي على ثورته المنتظرة الخبرة و الحنكة و النضج مع الذكاء في دعم الآخرين ليجد دعمًا لثورته المستقبلية و تنجح الفلبين في إسترداد إستقلالها عبر جمهوريتها في العام 1902. (نبذة مبسطة عن أبو الصين الحديثة) ظل الصبر محصورًا في صدره متمعنًا في أحداث الآخرين و ثورات البلاد الأخرى خاصةً الثورة الروسية التي لم يكتب لها النجاح في العام 1905 و التي ذكرته بثورته الغير مكتملة في العام 1895 ليكون النقصان في إكتمال الحلم نقطة إلتقاء بين ياتسن الصين و لينين روسيا و من الممكن أن تفشل الثورة لكن لا يكتب لها الوفاة و يمكن للسلطة قتل الثائر لكنها لا تستطيع قتل الثورة لإمتلاكها أجنحتين تطير بهما من فرد لفرد و من عقل لعقل و من قلب لقلب. جاء العام 1911 يحمل في جعبته نسمات النجاح المتأخرة لأكثر من ستة عشر عامًا عن قريحة ياتسن الثورية و التي أعلنت عن نجاح ثورة العام 1911 و الإطاحة بأسرة كينغ الإمبراطورية ليقوم بإرساء قواعد الثورة الصينية مخرجًا الصين من إمبراطوريتها إلى ثوريتها الجديدة بإقامة حكومة جمهورية في المقاطعات الجنوبية ليعلن في يناير من العام 1912 الجمهورية الصينية الجديدة وسط إحتفالات صينية تخرج التنين الصيني من سباته العميق بثوب الجمهورية في الصين و خارج الصين. قام ياتسن بدمج كل القوى الثورية و المنظمات الصينية في منظمة واحدة تساهم في وحدة الثورة بعيدًا عن التشرذم و الإنفلات عن الأهداف المرجوة بجعل الثورة الصينية تقبع تحت لواء منظمة (تونغ مينغ يوي) المعروفة بالإسم المختصر (الكومنتانغ). لم يستمر ياتسن بالحكم سوى شهران من 1 يناير العام 1912 حتى 10 مارس من نفس العام و كانت نظريته في الحكم تقوم على إنتقال الصين من الإمبراطورية إلى الجمهورية من خلال: - القومية – الوطنية (الإستقلال الوطني للصين). - الديمقراطية (إقامة جمهورية). - رفاهية الصين (إشتراكية البورجوازية الصغيرة بالقضاء على اللامساواة الاجتماعية). حدد ياتسن ثلاثة مراحل فعلية تنفذ تلك النظرية و هي: المرحلة الأولى تستند للنظام العسكري و ديكتاتورية الزعامة القوية المستنيرة بهدف خلع الحكومة الفاسدة واستئصال جهازها الإداري. المرحلة الثانية القوامة (الرعاية) السياسية، ويعني بها تدريب الشعب على الممارسة الديمقراطية من خلال إعادة البناء القومي. المرحلة الثالثة تكون البلاد مهيأة لانتخاب حكومة وطنية ورئيس جمهورية. وقع صراعًا حاميًا بين صن ياتسن و يووان شيركاي الذي أنتخب رئيسًا للصين بعد ذلك و إتسم عهده بالفوضى بسبب الصراع القائم بينه و بين ياتسن و قيل أن شيركاي تسبب في الإطاحة بياتسن من الحكم و كان ياتسن قد إبتعد قليلاً عن السياسة و لكنه عاد لها مرة أخرى ليخدم الوطن عبر حزبه (الكومنتانغ) أو (حزب شعب البلاد). لم يكن ياتسن من أنصار الشيوعية لأنه نظامًا مستوردًا غريبًا عن الصين لذلك أخذ تعبيرًا صينيًا اسمه (معاش الشعب) كبديل للإشتراكية و رغم نقد لينين لهذا النظام إلا أنه أحترم برنامجه الثوري الديمقراطي و عند إندلاع ثورة أكتوبر الروسية التي حولت الثورة الشعبية الروسية إلى البلشيفية في أكتوبر 1917 بقيادة لينين أخذ ياتسن يتعاون معه و مع أفكاره لترتيب أوراق حزب الوكمنتانغ الوطني بتعاونه مع الاتحاد السوفيتي و تعاونه مع الحزب الشيوعي الصيني من أجل تأميم رأس المال الأجنبي و المحلي. كانت أراء ياتسن الفلسفية نحو الحكم تحمل نسمات وردية و التي وصفت بالمثالية وسط أنياب السياسة الشرسة في تضفير الثورة حسب متطلبات العصر و لكن يحسب لياتسن معرفته العميقة بالشرق خاصةً الصين صاحبة الثقافة و التراث الغزير المعروف بالحكمة المكتظة بحكماء يترنم العالم بحكمهم المختلفة كلاوتسي و منتشيوس و كنفوشيوس هؤلاء الذين أرادو المجد للصين عبر الحكمة ليخرج من جعبتهم حكيمًا في العصر الحديث مهد للثورة عبر الأمل و العمل و هو صن ياتسن الذي توفي بسرطان البروتستاتا يوم 12 نوفمبر من العام 1925 ليكون رقم 12 هو رقم المصير و التغير في حياته حيث ولد و مات و أعلن فيها جمهوريته الصينية الحديثة.