قبل بضعة أيام، فوجئ المنظمون اليابانيون لمؤتمر أكاديمى احتفالا بذكرى ثورة 1911 الصينية، بإلغاء الحدث فجأة، بعد أشهر من التحضير. إلا أنهم ليسوا الوحيدين الذين أخذوا على حين غرة. حيث توقف فجأة أيضا العرض العالمى الأول لأوبرا صينية تصور حياة «صن يات سن» أول رئيس للجمهورية الصينية، لأسباب لوجستية. وإن كان العديد من الفاعليات، استمرت كما هو مخطط لها، للاحتفال بذكرى الثورة التى قامت قبل مائة عام مضت. وعلى الرغم من نصب صورة عملاقة لصن فى ساحة تيانانمين فى أكتوبر، تم تقليص العديد من الاحتفالات الأخرى المرتبطة بثورة 1911 بطريقة غامضة. ولدى الحزب الشيوعى الصينى علاقة صعبة مع التاريخ. حيث يمثل الحزب علاقة حرجة بين التغيير والاستمرارية، بحيث يمكن القول إنه لا يمكن التوفيق بينهما. فهو من ناحية يريد أن ينظر إليه باعتباره الوصى على الثورة التى بدأت فى اكتوبر 1911 وانتهت مع تنازل «بويى»، آخر أباطرة الصين، فى فبراير 1912. من ناحية أخرى، يؤكد على كونه استمرارا لآلاف السنين من الحكم الإمبراطورى. ونظرا لأن الحزب وصل إلى السلطة بفضل ثورتين، الثورة الجمهورية فى 1911 والثورة الشيوعية عام 1949، فهو يريد الآن أن يلقى بفكرة إسقاط الحكومات إلى مزبلة التاريخ.
●●●
وفى أحسن الأحوال، تثير ظروف ثورة 1911 تساؤلات محرجة للزعماء. ولا شك أنها تتضخم مع بدء الحزب الشيوعى عملية دقيقة لنقل السلطة إلى مجموعة قيادات جديدة السنة المقبلة. فلم تكن ثورة 1911 ديمقراطية تماما. فقد رفض صن فكرة إنشاء برلمان، واستمرت فترة ولايته كرئيس بضعة أشهر قبل أن انتزاع السلطة منه، وأعقب ذلك فترة من التناحر.
ولكن الحديث عن الديمقراطية كان ملحوظا. وفى صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست، كتب تشانج بينج رئيس التحرير السابق لمجموعة ساذرن متروبوليس فى جوانجتشو: «امتلك الشعب الصينى أواخر عهد تشينج وأوائل العهد الجمهورى حرية تشكيل الأحزاب السياسية وإصدار الصحف والمشاركة فى المسيرات والإضرابات». أما الآن، فغير مسموح بهذه الأشكال من الاحتجاج الاجتماعى «مهما كان مدى ظلم النظام الاجتماعى، أو المدى الذى بلغته غطرسة الامتيازات والثروة». ومن ثم، فالحزب الشيوعى اليوم وريث تقاليد ثورية فى عهد صارت فيه الثورة محظورة.
وربطت بين صن والقوى الأجنبية علاقة معقدة مع قوى أجنبية لا تتفق بسهولة مع الوضع اليوم. وعندما بدأت الثورة فى أكتوبر، كان يجمع التبرعات فى الولاياتالمتحدة. وقد قضى وقتا طويلا فى اليابان، التى كانت آنذاك أكثر تحررا وأكثر حداثة من الصين والتى كانت قد دقت مسمارا فى نعش سلالة تشينج عندما هزمت الصين فى الحرب الصينية اليابانية 18941895. وكانت علاقته باليابان وراء فكرة مؤتمر طوكيو (الملغى).
وكان سلالة تشينج نفسها «أجنبية»، فقد جاءت من منشوريا للإطاحة بسلالة مينج. ثم توسعت أسرة مانشو توسعا كبيرا فى أراضى الصين واستولوا على التبت وشينجيانج. كما يشير جوناثان فينبى، مؤلف العديد من الكتب حول تاريخ الصين، إلى أن «طرد المانشو» كان شعار ثورة صن. ولكن المانشو هم الذين وضعوا الحدود التى يعتبرها الآن الحزب الشيوعى الصين التى لا رجعة فيها.
●●●
وفى مرآة عام 1911 تنعكس أيضا على نحو محرج، العلاقات بين البر الرئيسى للصين وتايوان، الجزيرة التى تتمتع بالحكم الذاتى وتطالب بها بكين باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الصين. فقد فر شيانج كاى شيك، خليفة سن فى رئاسة حزب الكومنتانج القومى إلى تايوان فى 1949 عندما تولى الشيوعيون. وبالتالى فإن تايوان، وليس البر الرئيسى الصينى، وهى التى يمكن أن تدعى الارتباط المباشر بثورة 1911. حيث تعتبر الديمقراطية التايوانية اليوم أكثر انسجاما أيضا مع المثل العليا للديمقراطية التى عبر عنها صن أحيانا.
وعلى النقيض من ذلك، يكافح الحزب الشيوعى من أجل ربط شرعيته بثورة 1911. فهو على أى حال، قد احتل الفراغ الناجم عن فشل صن فى تشكيل حكومة مستقرة وعجز شيانج عن هزيمة الغزاة اليابانيين. وكانت أحداث 1911 ثورية فى أنها أنهت الحكم الإمبراطورى. ولكن وفقما كتب السيد فينبى فى مقاله «التاريخ اليوم، فقد فشل الشيوعيون فى تحقيق التغييرات التى كان يأمل أنصارهم فيها. ويقول: «كان هذا التحول فى النظام وليس تغييرا اجتماعيا جذريا».
●●●
وهكذا يتبين أن الثوريين الحقيقيين، هم الشيوعيون الذين انتصروا فى 1949، والذين حكموا حتى يومنا هذا. غير أن تلك الثورة أنقذت الصين من أحد أنواع الفوضى لتغرقها فى نوع آخر على شكل قفزة ماوتسى تونج الكارثية العظمى إلى الأمام والثورة الثقافية. وبهذه المعايير اليائسة، شكلت الثلاثون عاما الأخيرة انتصارا، حتى لو تم التضحية ببذور ديمقراطيى 1911 على مذبح آلهة الاستقرار والتقدم الاقتصادى.
ولم يقدم التاريخ رواية واضحة ومقنعة لأولئك الذين هم فى السلطة الآن. ولهذا لم يسمح للسيدة البدينة بالغناء فى الأوبرا التى تحتفل بذكرى تأسيس الصين الحديثة.