بعد الأمواج المتلاطمة المتلاحقة التي إرتطم بها الإخوان المسلمون خلال النصف الثاني من العام الحالي تتبادر التساؤلات حول مصير الجماعة التي واجهت صراع البقاء و الفناء خلال ثمان عقود من أجل إثبات البقاء رغم المحن مع السلطات المختلفة و ذلك مرة بالمهادنة و السياسة و مرة بالعنف و المرصاد عبر فوهة مسدس أو بندقية لكل من يحاول أن يقف في وجهها و تتوالى سلسلة الصراع في أيامنا الأخيرة بين تكهنات الجميع و إنقساماتهم ما بين إنتهاء الجماعة نهائيًا و بين من يرى أن الجماعة ستعود من جديد كما حدث في الماضي لنفند عبر هذه التكهنات مصير جماعة الإخوان المسلمين. كانت الجماعة دعوية منذ تأسيسها عبر حسن البنا المرشد الأول الذي أختار الإسماعيلية مصدرًا لدعوته لحاجة تلك المدينة المفرنسة إلى الروحانيات المفقودة في ظل هيمنة الغرب الشرسة على تلك الأمور مع ملاحظة هجر المساجد بالمدينة ليقوم البنا عبر إحدى المساجد بتأسيس دعوته الجديدة و تشبيهه تلك الخطوة بدار بن الأرقم وقت نشر رسالة الإسلام عبر جمعية سرية أسسها الصحابة لحماية دين الله الجديد من قوم قريش و هنا كان التشريع للجماعة عبر هذا التشبيه ليحموا الوليد الجديد من تسلط الحكومة الواقعة في أحضان الإستعمار البريطاني. ماذا يحدث لو تأسست الجماعة في القاهرة أو الأسكندرية أو إحدى محافظات الدلتا أو البحيرة مسقط رأس المرشد و المؤسس ؟ كان سيواجه الرفض و الإعتراض لوجود خلفية دينية و روحية في تلك الأماكن مع وفرة تنسمها مما حُرمت منه مدن القناة . عند توهج الجماعة في مدن القناة و نجاح المطلوب في تفعيله بدأت المحافظات الأخرى تشتاق لهذه الجماعة الدعوية لتنتقل من مكان للآخر ليتم نقل المبنى الخاص بهم من الإسماعيلية إلى القاهرة العام 1933 بعد خمس سنوات من ميلاد الجماعة. بدأت الجماعة تستغل شعبيتها المواجهة لشعبية الوفد في إختراق المجال السياسي خاصةً البرلماني و الذي لم يدخله الإخوان من أجل حفنة من الأموال للحفاظ على بقاء الجماعة عبر إتفاقات مع الأحزاب الأخرى رغم الأخطار المتواجدة وظلت الجماعة على هذا النهج ما بين الملكية و الناصرية و الساداتية و المباركية إلى أن وصلوا للحكم في العام 2012 ليظهر من خطاب الرئيس السابق محمد مرسي عبر كلمته النية المبيتة للثأر و الإنتقام خاصة من الفترة الناصرية الكاوية للإخوان عبر الخمسينات و الستينات حينما قال: (لقد غرست بذور الكفاح الوطني المصري في العشرينات و الثلاثينات و الأربعينات و الخمسينات و الستينات و ما أرداك ما الستينات و توالت العقود إلى أن وصلنا إلى ثمرة الكفاح في ثورة الخامس و العشرين من يناير). هنا أراد مرسي و هو يخطب وسط الأهل و العشيرة مرددًا عبارة (أهلي و عشيرتي) أكثر من مرة أن يعلن للماضي بشخصياته المختلفة الأحياء منهم و الأموات أن الجماعة رغم المحن وصلت للحلم المنتظر لأكثر من خمسة و ثمانون عامًا كناية على أن الجلد سمت الجماعة و أن المنتظر أصبح ممكنًا رغم نيران الأنظمة السابقة و أصبح سجناء الأمس هم حكام اليوم فحان وقت تصفية حسابات الماضي. أتضحت النية بشكل عملي بأخونة مؤسسات الدولة و إصطدام المؤسسات بتلك الأخونة ما بين التعليم و الثقافة و الصناعة و غيرها من الوزارات و المؤسسات مع إبراز دعاة فقه البداوة و ترك الجماعات التكفيرية ترمح و تصول و تجول بأمر الصمت الإخواني الحكومي لتهدد مصر بمصير قولبة خريطتها و تراثها عبر أفكار القرون الوسطى المظلمة. بدأ التكفير يظهر من أقوال أئمة الدولة الإخوانية عبر شاشات الفضائيات و عبر المؤتمرات خاصةً مؤتمر نصرة سوريا و الذي ظهر فيه الشيخ محمد عبد المقصود يدعو على معارضي الدكتور مرسي النازلين يوم 30 يونيه متهمهم بالكفر و يدعو بأن يكون يوم 30 يونيه نصرة للمسلمين و كسر لشوكة المنافقين!! جاء يوم 30 يونيه من العام 2013 ليحمل في جعبته مفاجآت مذهلة قلبت المنضدة رأسًا على عقب ليكون الرئيس و معاونيه قيد الحبس و الإقامة الجبرية و إسدال الستار الحائر ما بين المؤقت و الدائم على فصل من فصول الجماعة المتراقصة بين القانونية و المحظورة كباقي صراعاتها المختلفة. تحاول الجماعة لملمة أوراقها للعودة من جديد كما يحدث كل مرة خاصةً بعد الحظر العام 1954 و القبض على قياداتها ثم الصلح العام 1964 ثم القبض على الجماعة العام 1965 و إعدام سيد قطب مرشدهم الفكري و الذي أدخل الجانب التكفيري و الصدامي ضد الحكومة التي لا تطبق شرع الله عبر دستوره الخاص المتمثل في كتابه (معالم في الطريق) وثيقة الإنقلاب على فكر حسن البنا و دخول معترك الوقوف بالمرصاد لكل من يقف في وجه الجماعة و الذي برز بمقتل السادات و من قبله الشيخ الذهبي لنرى تلابيب الماضي تقترب من التكرار بأمر التاريخ. هل سيعود الإخوان عبر تقسيمهم لتنظيمات صغيرة كما حدث في العام 1954 ثم العودة لبوتقة الجماعة العام 1965 عبر تنظيم إخواني يرتدي عباءة الليبرالية و العلمانية للذوبان في المجتمع الجديد من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ثم إرساء القواعد للإعلان عن الهوية الحقيقية؟ أم ستلجأ الجماعة لنقل الجيتو المصغر إلى جيتو أكبر كما فعل الزنوج الذين فروا من الولاياتالمتحدةالأمريكية العام 1848 مختارين دولة أفريقية أطلقوا عليها ليبيريا (أرض الأحرار) لإرساء ما حرموا منه وقت العنصرية و ذلك بإختيار دولة تكون مقر خلافتهم المرجوة منذ العام 1928 و عند إرساء قواعد الدولة الخلافية سيتم هجرة إخوان العالم لها من أجل تعويض ما فات من الإضطهاد و محاولة الثأر من كل من نال منهم؟! الإجابة في مجهول الأقدار و أضابير التاريخ.