تحمل أيسلندا في طياتها ألغازًا متعددة لطبيعتها الجغرافية و الجيولوجية لتطرح أسئلة متنوعة تبحث عن أجوبة و إذ بتلك الأسئلة تُعرض بالأدب الأيسلندي الذي وجد كاتبًا استطاع الإجابة على العديد منها ليكون ماركة أيسلندا المسجلة بأدبه الذي يضاهي معلمًا جغرافيًا و سياحيًا بأيسلندا و هو الكاتب الكبير هارولد لاكسنس الفائز بجائزة نوبل للآداب في العام 1955. ولد هالدور لاكسنس يوم الثالث و العشرون من أبريل العام 1902 بالعاصمة ريكيافيك لأبويه جويون هيلجاسون و سيجريور هالدوريتور و في العام 1905 إنتقل لاكسنس مع أبويه في عامه الثالث إلى بلدة قريبة من العاصمة الأيسلندية تُدعى موفيلاسبير التي تبعُد عن العاصمة بخمسة عشر كيلومتر. بدأ لاكسنس الكتابة في العام 1916 و هو في الرابعة عشرة من عمره بنشر أول مقالة له بجريدة الصباح الأيسلندية التي تأسست العام 1913 و في العام 1919 صدر للاكسنس أول رواية له و هو في السابعة عشرة من عمره بعنوان (طفل الطبيعة) و هي عبارة عن سيرة ذاتية عن طفولته و مراهقته بأيسلندا لتكون تلك الرواية بدايته الأدبية و التي حفزته على الإستزادة علمًا و أدبًا. في العشرينات قرر لاكسنس عمل جولة سياحية فكرية بمجهوده الشخصي حول القارة الأوروبية ليكتشف بداخله قريحة أدب الرحلات و في تلك الرحلة بدأت عيونه تتفتح على الكثير و الكثير من خفايا الأرض و ثرائها الغزير متنقلاً بين البلاد الأوروبية ما بين لوكسمبورج و فرنسا و ألمانيا و يأتي العام 1923 ليتم تعميد لاكسنس بالمسيحية الكاثوليكية ليُضاف لقريحته الأدبية البعد الروحي في كتاباته مستقبلاً علاوة على تعلمه للاتينية و الفرنسية و اللاهوت ليأتي العام 1924 ببزوغ شمس روايته الثانية بعنوان (تحت الجبل المقدس). جاء العام 1927 كنقطة إنطلاق أدبية للاكسنس بعمل عظيم ساهم في عالمية اسمه من خلال رواية (النساج العظيم من كشمير) و التي أبرزت نضجه الأدبي و لتكون لأوروبا الفضل في بلورة اسمه عبر المرحلة الروحانية التي جعلت من أعماله الأدبية أسفارًا خالدة تقدم الحلول الهادئة للمشاكل المستعصية. لم تستمر المرحلة الروحانية في حياة لاكسنس و التي تحولت إلى الإشتراكية في العام 1929 أثناء رحلته للولايات المتحدةالأمريكية التي بدأت في العام 1927 وقت بحثها عن ريادتها للعالم في عهد الرئيس الأمريكي رقم 31 هربرت هوفر المنتمي للحزب الجمهوري و لتلك المرحلة دور في إفراز عصارة روايته الثالثة ذات التوجه الإشتراكي (سِفر الشعب) ليكون قريبًا في أسلوبه من الكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي. كانت للاكسنس محاولات متعددة في الولاياتالمتحدة لإيجاد مكان له في هوليوود لكتابة سيناريوهات الأفلام و ظلت تلك المحاولات مستمرة حتى العام 1930 ليجد لاكسنس الأفضلية في العودة لبلده أيسلندا لتكون المرحلة الثالثة في حياته و هي المرحلة الوطنية حيث الكتابة للوطن و التعبير عن ماضيه و حاضره و مستقبله و بدأت تلك المرحلة بملحمته الروائية (سالكا فالكا) أو (قصة حب سياسية) ما بين عامي 1931 و 1932 على جزئين و كانت تلك الملحمة تتحدث عن فتاة فقيرة تعمل بصيد السمك و عالم الصيادين بأيسلندا حيث المتعة و الثراء و الإستفهامات المستمرة. صدر للاكسنس في هذه المرحلة ملحمته التاريخية (الشعب الحر) على جزئين ما بين عامي 1934 و 1935 و كان الجزء الأول يحمل عنوان (الصفوة الأيسلندية) أما الثاني فكان يحمل اسم (أوقات عصيبة) ، صدر له ملحمة روائية عن الريف الأيسلندي بعنوان (عالم الأضواء) على أربعة أجزاء من العام 1937 حتى العام 1940 و كانت عناوين الأجزاء الأربعة: - الجزء الأول (عالم الأضواء) 1937. - الجزء الثاني (إستراحة الصيف) 1938. - الجزء الثالث (منزل الشاعر) 1939. - الجزء الرابع (جمال السماء) 1940. بعد نجاح تلك الملحمة الريفية الأيسلندية صدر للاكسنس ملحمة ثانية على ثلاثة أجزاء تعبر عن مرحلة من مراحل تاريخ أيسلندا: - الجزء الأول (أجراس أيسلندا) 1943. - الجزء الثاني (ظهور العذراء) 1944. - الجزء الثالث (نيران كوبنهاجن) 1946. كانت أيسلندا يومًا ما جزء من أحداث الحرب العالمية الثانية حينما كانت تحت الاحتلال البريطاني العام 1940 و إذ بهذا الاحتلال يتبدل من العسكرية البريطانية إلى العسكرية الأمريكية في العام 1941 حيث تواجد أمريكا بأيسلندا كقاعدة عسكرية حسب موافقة البرلمان الأيسلندي الذي أغضب التيار الشيوعي و التيار الإشتراكي بسماح الهيمنة الأمريكية لغزو أيسلندا و لو بموافقة سياسية و هذا ما تجسد في ملحمة لاكسنس الروائية بعنوان (المحطة الذرية) في العام 1948 و تحكي عن تأسيس محطة ذرية بأيسلندا للإعداد للقنبلة الذرية التي أُطلقت في العام 1945 على هيروشيما و ناكازاكي باليابان. في العام 1952 كتب لاكسنس رواية (المحاربون السعداء) و هي رواية ملحمية تاريخية تتحدث عن محاربي أيسلندا في القرن الحادي عشر و في العام 1953 حصل لاكسنس على جائزة الاتحاد السوفيتي للسلام في الأعمال الأدبية و في العام 1955 أعلنت الأكاديمية السويدية عن فوز هالدور لاكسنس بجائزة نوبل للآداب و ذلك: (عن رواياته الملحمية ذات الحيوية القصصية المعبرة عن الأجواء الأيسلندية). قام لاكسنس بكتابة الشعر حيث صدر له ديوانان عامي 1925 و 1930 علاوة على الكتابات النقدية و الأعمال المسرحية إلى جانب أعماله الروائية الخالدة التي تلت الجائزة السويدية مثل: - السمكة تغني 1957. - إسترداد الجنة 1960. - تحت النهر الجليدي 1968. - تاريخ الأبرشية أو الأسقفية 1970. - قريحة الرواية الإلهية 1972. حصل لاكسنس على جائزة سونينج الدانماركية العام 1969 و هي جائزة منحت لعدد كبير من الكتاب و المفكرين و الفنانين و العلماء معظمهم من الحاصلين على نوبل كونستون تشرشل و ألبرت شفايتزر و برتراند راسل و نيلس بوهر. في فترتي السبعينات و الثمانينات قل النشاط الأدبي و الفني للاكسنس بسبب إصابته بمرض الزهايمر الذي ظل يعاني منه حتى وفاته يوم 8 فبراير من العام 1998 عن عمر يناهز خمسة و تسعون عامًا و تم تحويل منزله القريب من العاصمة الأيسلندية إلى متحف يضم محتوياته و تراثه طبقًا لقرار رسمي صدر عن الحكومة الأيسلندية لتخليد اسم أيقونة الأدب الأيسلندي هالدور لاكسنس.