تعيش أسبانيا هذه الأيام حالة من الترقب في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات مع الأميرة كريستينا، الإبنة الصغرى لملك أسبانيا خوان كارلوس، والتي ستدلي بشهادتها أمام القضاء في السابع والعشرين من أبريل الجاري بعد اتهامها رسميا بمساعدة زوجها اينياكي أوردانغارين، دوق بالما دي مايوركا، في جرائم اختلاس مالي واستغلال نفوذ. وكان أوردانغارين قد وجهت إليه اتهامات من قبل القضاء في فبراير الماضي بتزوير وثائق إدارية واختلاس أموال عمومية تقدر بأكثر من ستة ملايين يورو من أموال الدولة عبر منظمة نوس الخيرية. ورغم أن القاضي كان قد رفض فيما سبق استدعاء الأميرة كريستينا للتحقيق معها، بتهمة تسهيل صفقات تجارية لزوجها باعتبارها من العائلة الملكية، غير أن أمر استدعائها الذي صدر في الثالث من أبريل الجاري جاء بناء علي أدلة جديدة تفيد علمها بالجرائم التي قام بها زوجها، فالمحكمة لديها نحو ثلاثين مراسلة يبين بعضها كيف كان يقدم صهر الملك كارلوس لزوجته كريستينا تفاصيل عن الأعمال بمنظمة نوس الخيرية، التي كان يرأسها واستولي منها علي الملايين بدون وجه حق. وتعتبر هذه المرة الأولى في تاريخ أسبانيا الحديث التي يمثل فيها عضو بالأسرة الملكية للتحقيق في قضية جنائية. ويبدو أن الأمر لن يتوقف عند الأميرة كريستينا بل قد يمتد ليشمل الملك كارلوس شخصيا حيث نشرت بعض الصحف الأسبانية، منها صحيفة "بوبليكو"، مضمون رسالة بريد الكتروني تظهر تدخل الملك كارلوس لدى الرئيس السابق لحكومة الحكم الذاتي لفالنسيا "فرانسيس كامبس" لتسهيل منح منظمة "نوس" بعض الصفقات المالية. كما أظهرت عدد من الرسائل الإلكترونية أن الملك كان يعلم بهذه المخالفات التي يتهم فيها ابنته وزوجها وطلب منهما الذهاب إلى واشنطن لكبح الفضائح. ونتيجة لهذا الوضع المتأزم الذي تمر به البلاد وافقت الأسرة الملكية في أسبانيا على كشف شؤونها أمام الشعب بموجب قانون جديد للشفافية يهدف لاستعادة الثقة في النظام السياسي. ويتضمن هذا القانون تشديد قواعد الإقرارات الضريبية لموظفي الحكومة وأصولهم وأنشطتهم وفرض عقوبات أشد صرامة على الفساد إلى جانب تشديد عمليات المراقبة الحسابية لمجموعة من المؤسسات التي تتلقى أموالا عامة ومن بينها النقابات. في الوقت ذاته تقوم حكومة مدريد حاليا بإعداد قانون لتسهيل عملية تنحي الملك خوان كارلوس عن العرش واستبعاد مثوله أمام القضاء في حال ثبوت علمه بتورط ابنته وصهره، كما سيوفر هذا القانون الحصانة من الملاحقة القضائية ضد أعضاء العائلة الملكية أمام القضاء العالي باستثناء المحكمة العليا للبلاد. وتعالت مؤخرا الأصوات المطالبة بتنحي كارلوس وتولي ولي العهد الأمير فيليبي دي بوربون العرش لأنه الوحيد القادر على إنقاذ الملكية في الوقت الراهن ويعتبر ضمانة للاستقرار. ويأتي كل ذلك في الوقت الذي تتزايد فيه حالة الاستياء الشعبي إزاء النظام الملكي في أسبانيا بصورة غير مسبوقة وهو ما دفع بالملايين من الأسبان للتظاهر يوم الأحد الماضي في أكبر مظاهرات من نوعها منذ أربعة عقود لتجوب مختلف المدن وتطالب بإلغاء الملكية وإقامة الجمهورية الثالثة في البلاد. وخلال السنوات الأخيرة، تضاءلت شعبية خوان كارلوس بصورة ملحوظة. فإلى جانب قضايا الفساد التي طالت أفراد العائلة المالكة مؤخرا، تم الكشف عن امتلاك الملك حساب بنكي في سويسرا لم يعلن عنه لمصحلة الضرائب و زاد الأمر سوءا بعد رحلة الصيد المكلفة التي قام بها في بوتسوانا في أبريل الماضي وانكسر فيها ساقه في الوقت الذي كانت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وهو ما زاد من استياء الشعب الأسباني ودف الملك إلى تقديم اعتذار. فضلا عن وجود بعض الأقاويل عن تورطه في علاقة عاطفية مع الأميرة كورينا سايان فيتجنشتاين التي رافقته في رحلة بوتسوانا. ويعاني الشعب الأسباني من أزمة انعدام ثقة إزاء مؤسساته. فإضافة إلى تدهور صورة العائلة الملكية فقد اتهم رئيس الحكومة ماريانو راخوي ، ومعه عدد من زعماء الحزب الشعبي الحاكم، بتلقي أموال بصفة غير قانونية خلال الفترة من 1997 حتى عام 2008 من شركات تستثمر في مجال العقارات.. وهو ما ساهم في زيادة حالة السخط الشعبي لاسيما في ظل الأحوال الاقتصادية المتعثرة التي تعيشها البلاد منذ سنوات وتزداد حدتها عاما تلو الآخر، وارتفاع معدلات البطالة بمعدلات غير مسبوقة وفشل الإجراءات التقشفية في الخروج بالبلاد من الأزمة اوإحداث اي تحسن ملحوظ. ويجمع المراقبون على أنه إذا تبين أن العائلة الملكية كانت على علم أو متواطئة في التعاملات التجارية غير القانونية لأوردانغارين، فإن وضع الملك سيصبح غير محتمل وسيكون مجبرا حينذاك على التنازل عن العرش لابنه الأمير فيليبي. ويرجح المراقبون حدوث هذا السيناريو خلال المرحلة المقبلة خاصة وأن الأمير فيلبي يتمتع بشعبية تتجاوز62% داخل الشعب الأسباني، كما لم تلحق به أي من فضائح الأسرة الملكية كما يستطيع الاستفادة من سمعته بأنه صاحب دور فعال في النهوض بأسبانيا. من ناحية أخرى، فإن التأييد الشعبي للتحول من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري لا يزال غير كاف حيث أوضحت آخر استطلاعات للرأي أجريت في مطلع شهرابريل الجاري أن أقل من ثلث الشعب الأسباني يرجح الانتقال إلى النظام الجمهوري. وتمثل العائلة الملكية في أسبانيا قيمة اعتبارية، فرغم أن منصبها شرفيا غير أن الشعب كان ينظر إليها دائما باحترام شديد لدورها التاريخي في الانتقال الديمقراطي بعد وفاة فرانكو وصعود الملك كارلوس للعرش في نوفمبر 1975، والذي نجح بدوره في تحويل البلاد إلى دولة ملكية برلمانية تقوم على تعدد الأحزاب. وصدر دستور جديد للبلاد وافق عليه الشعب إثر استفتاء عام أجري في ديسمبر 1978 وأرسى هذا الدستور أسس الحياة الجديدة في البلاد ووفر ضمانات وحقوق للشعب، ونص على إقامة انتخابات عامة تتقدم لها مختلف الأحزاب كل 4 سنوات، وأحقية الفائز بأغلبية الأصوات في تشكيل حكومة تدير أمور البلاد وتشكيل برلمان من مجلسين الأول للنواب والثاني للشيوخ إضافة إلى تقسيم البلاد إلى 17 إقليما لكل منها حكومة تشكل إثر إقامة انتخابات عامة داخله وبعد موافقة البرلمان الخاص به وفقا ل أ ش أ