انعقد الملتقى الثاني للحوار المصرفي الفرنسي العربي في باريس برعاية رئيس الجمهورية الفرنسية ، والذي نظمه إتحاد المصارف العربية بالتعاون مع اتحاد المصارف الفرنسية ، وغرفة التجارة الفرنسية – العربية ، ومركز الدراسات العربي- الأوروبي وبمشاركة وزارة الخارجية الفرنسية ووزارة المالية الفرنسية والاتحاد الاوروبي وحضور حشد كبير من رجال الأعمال والمصرفيين العرب والدوليين. وافتتح الدكتور جوزف طربيه رئيس اللجنة التنفيذية لاتحاد المصارف العربية ورئيس مجلس إدارة الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب أعمال المؤتمر حيث تحدث في الافتتاح كل من عدنان القصار رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في البلاد العربية ثم وزير الخارجية الفرنسي السابق هيرفي دو شاريت رئيس غرفة التجارة العربية- الفرنسية و جان فرنسوا بونس عن اتحاد المصارف الفرنسية ثم ألقى كريستيان جيانيلا كلمة وزير المالية الفرنسي بيار موسكوفيتس نيابة عنه. أعتبر طربيه ان المنطقة العربية تمر بمرحلة توتر كبير تهزها أزمات كبرى تضرب جذورها في المشاكل الإقتصادية وسعي الشعوب الى المشاركة في صنع القرارات السياسية وتطبيق الحوكمة الرشيدة، اضافة الى تعقيدات دينية وثقافية، وتحدّيات اقتصادية ونقص في الموارد الطبيعية، وغيرها من الأزمات. وأكد أن التسونامي الذي ضرب العالم العربي شكل مركزَ زلزال عميق سيفرز تغيّرات كبرى على كافة الصعد، وينتج حالة من عدم استقرار وارباك، اضافة الي ان هذه التغيرات ستهزّ التوازن الإقليمي الهش، وسيزداد الوضع تعقيداً بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية التي تحط بثقلها على مجريات الأحداث. واضاف قائلاً "أمام تطورات من هذا النوع، لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي، بل على العكس، علينا دعمها لأنها تحدث تغييراً في مجرى التاريخ، ورغم عدم وضوح الرؤيا في الوقت الحاضر، نحن مدعوين لانتهاز الفرصة والعمل على إحداث تغييرات حقيقية في مجتمعاتنا واقتصاداتنا. وتابع "ان الخوف من الغد، على قول "جوزي مانويل باروزو" يجب الا يمنعنا من مجاراة الأحداث التي تحصل اليوم، انه موعد مع التاريخ علينا الا نفوّته"، داعياً، وبشكل طارىء، الى اعلان خطة مارشال عربية للنهوض باقتصاداتنا واعادة اعمار مجتمعاتنا التي دمرتها الحرب، والمشاركة بتحسين مستوى الحياة لشعوب منطقتنا ومساعدتهم على صنع التطور في بلادهم. وتحدث طربيه عن التغيرات ووجود المصارف العربية في عين المشكلات الكبرى التي تتخبط فيها المنطقة العربية، ومنها: ضعف النمو الاقتصادي والبطالة وعدم الاستقرار والفساد. وبهدف مواجهة تحديات المهنة المصرفية التي تشكل عجلة النمو، على مصارفنا ان تدير المخاطر وتسهر على تطبيق قوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، وتطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول، إضافة الى قوانين وتعاميم البنوك المركزية والهيئات الدولية. وطالب طربيه بضرورة التعاون الوثيق بين مصارفنا في المجال العربي-الفرنسي لدرء هذه الأخطار. وأضاف: "اننا نعوّل اذاً على القيم الكبرى التي تجمعنا وعلينا بذل الجهود الحثيثة لتحقيق تعاون وثيق في كل المجالات، وبهذا نعمل على طمأنة المستثمرين الأجانب والعرب لتشجيعهم على الاستثمار في مستقبل منطقتنا". أما بالنسبة للملتقى فقد أعتبره طربيه فرصة حقيقية للمصارف والمؤسسات المالية للافادة من الفرص ودعم النمو الاقتصادي الذي هو الشرط الرئيسي للسلم الأهلي والتقدّم الاجتماعي مؤكدا أنه "علينا أن نخلص الى رسم أهدافٍ تذهب أبعد من التضامن، وتؤدي الى تحفيز التعاون السياسي والاقتصادي. وفي هذا السياق، يأخذ عملنا كمصرفيين كل أبعاده بفعل الجهود التي نبذلها للمساهمة في النهوض باقتصاداتنا ومجتمعاتنا معتبرا انه بتوفير فرص عمل لشبابنا، نستطيع ان نكافح البطالة والفقر وأنواع التمييز ونساهم في تدعيم الاستقرار في عالمنا. واشار رئيس اتحاد الغرف العربية عدنان القصار خلال كلمته التي القاها الي دقة الظروف المالية والاقتصادية التي نعيشها اليوم وترخي بظلالها على دول الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو وعلى الدول العربية من جهة ثانية وخصوصا أزمة المديونية الأوروبية، باتت تهدد الوحدة النقدية الأوروبية ومعها التجربة النموذجية الحضارية المتمثلة بالإتحاد الأوروبي، بعد نحو 62 عاما على بداية تشكيل هذا الاتحاد والمؤسسات المنبثقة عنه. وقد انهى هذا الاتحاد قرونا من الحروب والاقتتال والمآسي الانسانية والاقتصادية في أوروبا، ونشهد الآن في أكثر من دولة عربية تحولات سياسية واقتصادية هيكلية، سترسم مستقبل المنطقة والشرق الأوسط بأكمله، املاً ان تؤدي هذه التحولات المصحوبة بأعباء ثقيلة على اقتصادات الدول المعنية، وموازناتها وأوضاعها الاجتماعية الهشة، الى اصلاحات جذرية في النظام السياسي العربي، مقترنة بإصلاحات اقتصادية ومالية، تضع التنمية والشفافية والحرية والعدالة الاجتماعية عناوين رئيسة لها. وأبدى القصار ارتياحه الى التقدم الذي تم احرازه على مستوى الاتحاد الأوروبي ودول منطقة اليورو لمعالجة أزمة المديونية، "لا سيما تحويل صندوق الدعم الأوروبي الى آلية دائمة للانقاذ وزيادة رأس مالها الى 500 مليار يورو، والاتفاق على تفعيل دور البنك المركزي الأوروبي في شراء السندات السيادية الأوروبية للدول المدينة، وإعادة الاعتبار الى تأمين شروط النمو في سياق خطط التقشف القاسية للإفادة من تلك الآلية. ونتطلع ايضا وبنفس المستوى من الاهتمام، الى الجهود المبذولة لقيام نظام مصرفي أوروبي موحد، يخفف الأعباء التي ما زالت تثقل على المؤسسات المصرفية الأوروبية وتحد من دورها الإئتماني والاقتصادي والتنموي. ولا بد في هذا المجال من التنويه بالدور الكبير الذي لعبه الرئيس فرنسوا هولاند في إعادة تصويت معالجة أزمة المديونية وخفض الإنفاق، في الاتجاه الذي يقيم وزنا أساسيا للاستثمار والنمو وخلق فرص العمل". وطالب القصارتشديد معايير الضبط والرقابة، وتوجيه المصارف نحو الاستثمار في الأدوات الاقتصادية المنتجة والحد من طغيان الأدوات المسمومة، إذا شئنا اقتباس دروس من الأمس القريب. وأكد القصار على ثلاث قضايا مهمة أولها، ان القطاع المصرفي العربي هو الرافعة المالية للاستثمار في الدول العربية، لتحقيق التنمية الإقتصادية والإجتماعية والهدف الأساسي الذي يعمل عليه إتحاد المصارف العربية. ثانيها، الحرص على زيادة التبادل الاستثماري المصرفي بين الدول العربية وفرنسا. وننظر الى أن تشكل هذه العلاقة جسرا لتطوير حجم الاعمال بين الدول العربية وبين فرنسا على مستوى التجارة والإستثمار في الاقتصاد الحقيقي في البلاد العربية، وفي الشراكة الإستراتيجية مع القطاع الخاص بتمويل مشروعات كبيرة وحيوية في القطاع العام العربي. وثالثها، الترحيب بإعلان البنك الأوروبي للإعمار والتنمية تخصيصه صندوقا بقيمة مليار يورو لدول الشرق الأوسط وشمال افريقيا لتمويل انشطة استثمارية، ولمساعدة دول الربيع العربي على إعادة الاعمار. ثم ألقى جان فرنسوا بونس كلمة جمعية المصارف الفرنسية بدأها بالتنويه بجهود إتحاد المصارف العربية بإنشاء إتحاد المصارف الفرنكوفونية. وحول وضع المصارف الفرنسية أوضح ان المصارف الأوروبية واجهت مشكلتين شديدتين أولها الأزمة المالية العالمية عام 2007 -2009 والتي جاءت من الولاياتالمتحدة الأميركية وصدمت أوروبا صدمة شديدة وبشكل غير متوازن كانت قوية في بعض البلدان ، وأعيد تأميم الكثير من المصارف خصوصا في المملكة المتحدة وإرلندا وألمانيا وبلجيكا واللوكسمبورغ وهولندا، ووصلت الى صندوق الائتمان الفرنسي. ثم تلتها أزمة أخرى يختلف مصدرها وجاءت من أوروبا لا سيما في اليونان 2009-2011 ولم نخرج منها حتى لو أحرزنا تقدما كبيرا، وأوضح بونس ان المستثمرين الأجانب يحترسون من الاستثمارات في اليورو مع العلم ان المصارف الفرنسية تعمل في المجال الدولي ولا سيما في الدولار فكانت هذه صدمة للمصارف الفرنسية. ولاحظ ان المصارف الفرنسية تجاوزت اليوم هاتين الأزمتين المتتاليتين بنجاح. وأوضح ان المصارف الفرنسية تتمتع بنوعية مالية لإدارة المخاطر وعملية مراقبة المصارف في فرنسا، وأنها عرفت كيف تتكيف مع الأزمة ولا سيما في صيف 2011 عندما قامت بإعادة تكيف أرصدتها بخفض أنشطتها على المستوى الدولي خاصة تلك التي تستهلك الكثير من السيولة والعمولات الأجنبية خصوصا الدولار وذلك للإمتثال بمعايير بازل 3. وأشار الى قمة بروكسل التي وافقت على مشروع الاتحاد المصرفي حيث سيكون هناك مشرف واحد على المصارف وهو جزء من البنك المركزي الأوروبي وسيكون له سلطة على كافة المصارف في المنطقة بدءا من 2014 وهو حل وسط بين ألمانياوفرنسا، وهذا تقدم يجب ان نشدد عليه. واضاف، بالنسبة لاتحاد المصارف الفرنكوفونية، ففي هذه القاعة بالذات كان الرئيس الدكتور طربيه هو المبادر الى تأسيس اتحاد المصارف الفرنكوفونية بحضور عدد كبير من الأشخاص ولا سيما الرئيس عبدو ضيوف أمين عام منظمة البلدان الناطقة باللغة الفرنسية وكريستيان لاغارد وزيرة المال الفرنسية حين ذاك. وتم اللقاء الأول لهذا الاتحاد في مراكش بدعوة من المغرب في 20 أيلول سبتمبر الماضي وكان عبارة عن مؤتمر بشأن تمويل الشركات المتوسطة والصغيرة. ثم تحدث وزير الخارجية الفرنسي السابق هيرفي دو شاريت رئيس غرفة التجارة العربية الفرنسية حيث ابدى جملة من الملاحظات خصوصا حول ما يحدث في جنوب المتوسط وما له من تأثير على شماله، والعكس صحيح وان جميع هذه التغيرات تؤثر على المنطقة. وأوضح ان هناك إتجاه لتقويم الوضع بشكل إيجابي، ومرتاحون للتقدم الذي تم احرازه خصوصا خلال السنوات الثلاث الماضية لا سيما في قمة الرؤساء التي عقدت في 29 حزيران الماضي بشأن إقامة اتحاد مصرفي وآلية أوروبية للاستقرار. ونوه بإجراءات رئيس البنك المركزي الأوروبي الذي اتخذها لحماية المصارف الأوروبية، مؤكدا ان الأزمة اليونانية ما زالت موجودة ولم تحل بعد، والوضع في إسبانيا مقلق وأن رئيسة صندوق النقد الدولي كريستيان لاغارد قد أعلنت ان أزمة اليورو تفاقمت ولم تقل انها تحسنت، مما يدل على تأخر في إتخاذ القرارات قياسا الى الواقع. وسأل ماذا يمكن لميزانية اوروبية ان تحقق ؟ والى اي حد يمكن ان توحد مسائل الميزانية ومراقبة كافة المصارف، وأوضح ان كل القرارات يجب ان تتخذ لكي تضمن عملية تهدئة الأزمة التي يمكن ان تنفجر في اي وقت. وأكد جانيلا ان هناك إمكانات اقتصادية متقدمة حيث ان معدل الادخار مرتفع جدا لصعوبة الحصول على السيولة بالدولار، مشيرا الي ان المنطقة تدر الكثير من الإدخارات وهذا ينطبق مع البلدان النفطية وعلى دول المغرب وتونس حيث تصل معدلات الإدخار 2% وهذا مستوى جيد جدا ويقارب مستوى فرنسا. وفي إطار مقارنته بين أداء المصارف في المنطقة ومناطق اخرى مثل روسيا لاحظ انه ليس هناك من فوارق بينهما خصوصا بما يتعلق بالنسبة للأصول والخصوم وان الإيداعات تفوق نسبة الإئتمانات. وأنهى جانيلا كلمته بالتشديد على أهمية النظام المصرفي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي شهد الكثير من التحولات الجذرية العميقة وإنفتاحه على العالم وله طموحات إقليمية ودولية واضحة كلبنان والبحرين والمكانة الدولية لهذين البلدين في المجال المصرفي. وقد اعتبر جانيلا في كلمته ان الإمكانات الاقتصادية للمنطقة مهمة جدا وان نسبة النمو في بعض الدول العربية جيدة بحيث بلغت في بعضها نسبة 4% أما البلدان المنتجة للنفط فبلغت 6%، وخصوصا في قطر حيث تتمتع بأداء فريد من نوعه. وأكد ان الأداء الاقتصادي لا يقتصر على بلدان دول مجلس التعاون الخليجي بل على بلدان منطقة الشرق الأوسط ككل خصوصا من الناحيتين المالية والمصرفية. ولاحظ ان الأداء المصرفي لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تعتبر من الأكثر تطورا في المنطقة إذا ما تمت المقارنة مع مناطق اخرى في العالم مثل اسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها. وقد صدر عن المنتدى عدة توصيات منها الحرص على زيادة تبادل الاستثمار المصرفي بين الدول العربية، الترحيب باعلان البنك الأوروبي للأعمار والتنمية لتخصيص صندوق بقيمة مليار يورو لدول الشرق الأوسط وشمال افريقيا