رحبت القوى السياسية المصرية بمختلف تياراتها بالحكم التاريخي الذي أصدرته المحكمة الإدارية العليا يوم أمس بحل الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم سابقا وتصفية أمواله ومقاره لصالح الدولة. واعتبرت الفعاليات السياسية والحزبية المصرية أن هذا الحكم واجب النفاذ فور صدوره، وأنه يعني دخول البلاد مرحلة جديدة من العمل السياسي النظيف، بعيدا عن "حالة الإفساد السياسي التي أدخلها فيها الحزب الوطني". وكان رئيس تحرير صحيفة الأسبوع مصطفى بكري وآخرون قد أقاموا الدعوى مستندين فيها إلى أن الحزب الوطني الحاكم سابقا أفسد الحياة السياسية، مطالبين بحله وتصفية جميع أملاكه لصالح الدولة. كبد الحقيقة وفي تعليقه على الحكم أكد بكري أن هذا الحكم "أصاب كبد الحقيقة"، واعتبر أن الحزب الوطني المحل "أفسد الحياة السياسية واحتكر السلطة وخلق زواجا غير مشروع بين السلطة والثروة، واستطاع خلال السنوات السابقة أن ينشر الفساد متعمدا وأن يأتي بحكومات معادية للشعب". وأضاف بكري في تصريحات للجزيرة أن حكومات الحزب الوطني المتتالية "تسببت في تخريب الاقتصاد الوطني وتكبيل البلاد بالديون وتقزيم دور مصر القومي"، فضلا عن "تشكيل مليشيات عسكرية كان لها دورها التآمري على ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك. وأشار إلى أن أكبر دليل على فساد الحزب أن رموزه وقياداته تقبع الآن وراء السجون بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب المصري. وأوضح بكري أن قرار المحكمة الإدارية العليا "بهذا الحكم التاريخي قد أطاحت بالحزب الوطني الذي كان لزاما أن يكون موقعه التاريخي هو مزبلة التاريخ"، مشيرا إلى أن الحكم لا يطال الأشخاص المنتمين للحزب بقدر ما يطال هذا الكيان السياسي، كما أن من حق هؤلاء الاشخاص المنتمين للحزب السابق تشكيل أحزاب جديدة. حكم سياسي وكان رئيس الحزب الوطني طلعت السادات قد وصف الحكم بأنه "سياسي"، مؤكدا أن إجراءات رفع الدعوى لم تسر في طريقها الصحيح، حيث كان من المفروض أن ترفع إلى لجنة شؤون الأحزاب قبل أن يقدم إلى المحكمة الإدارية العليا مباشرة. وتحدى السادات الحكم بالإعلان عن تشكيل حزب جديد، وقال "إذا كان المطلوب توقيعات خمسة آلاف شخص لتأسيس حزب جديد، فسوف نأتي بتوقيعات لخمسين ألف شخص". وفي رده على هذه التصريحات أكد بكري أن الحكم تم تأسيسه على القانون، وأن حيثياته سبق أن أعلنتها هيئة مفوضي الدولة، مشيرا إلى أن مقدمي الدعوى ساروا في الطريق الطبيعي، حيث تم إخطار لجنة شؤون الأحزاب، كما أن حيثيات الحكم أكدت أن الإجراءات التي حددتها المادة 17 من قانون الأحزاب ليس من الضروري اتباعها حرفيا بعد التعديلات الدستورية الأخيرة والواقع الجديد الذي تعيشه البلاد. واستندت المحكمة في حكمها إلى أن ثورة الشعب المصري أزاحت النظام القائم وأسقطته وأجبرت رئيس الجمهورية السابق -الذي كان رئيس الحزب الوطني- على التنحي، ولذا لزم قانونا وواقعا أن يكون الحزب قد أزيل من الواقع السياسي رضوخا لإرادة الشعب، ومن ثم فلا يستقيم عقلا أن يسقط النظام الحاكم دون أن تسقط أدواته. استندت المحكمة في حكمها إلى أن ثورة الشعب أزاحت النظام القائم وأسقطته، ولذا لزم قانونا وواقعا أن يكون الحزب الحاكم قد أزيل من الواقع السياسي المصري رضوخا لإرادة الشعب حكم تاريخي بدورها رحبت الجبهة الحرة للتغيير السلمي بحكم حل الحزب الوطني واعتبرته حكما تاريخيا، وقال المتحدث الإعلامي باسم الجبهة عصام الشريف للجزيرة نت "إننا نطالب بسرعه تنفيذ الحكم لأن أحكام مجلس الدولة واجبة النفاذ فور صدورها، كما نناشد المجلس العسكري إصدار قانون يجرم مشاركة أعضاء الحزب الوطني في الانتخابات القادمة لعدم إفساد الحياة السياسية". وأضاف الشريف "نعتقد أن فلول الحزب الوطني يلعبون دورا سلبيا في الحياة السياسية الآن من خلال تغذية الثورة المضادة، ومن ثم نطالب المجلس العسكري باتخاذ قرار بتجميد اشتراك أعضاء هذا الحزب في الانتخابات المقبلة"، مؤكدا أن هذا المطلب لا يسعى إلى إقصاء هؤلاء الأعضاء بقدر ما يسعى إلى إبعاد تأثيراتهم السلبية على الحياة السياسية. ووفقا لحيثيات الحكم فقد أكدت المحكمة أنه من الضروري بعد كشفها عن سقوط الحزب وانحلاله أن تقضي بتصفية أمواله لصالح الدولة، لأنها -ابتداء وانتهاء– أموال الشعب، خاصة أنه ثبت للمحكمة أن أموال الدولة اختلطت بأموال الحزب. من جهته أكد رئيس اللجنة السياسية بنقابة المحامين الدكتور إبراهيم إلياس أن حل الحزب حكم "طال انتظاره وطالما طالب به الثوار"، مشددا على أن الحزب "تحول إلى بؤرة فساد وانقلب على أهدافه التي قام من أجلها، وتحول إلى حزب للمحتكرين واللصوص". وأضاف إلياس للجزيرة نت أنه "حتى لو لم تقم ثورة 25 يناير وما ولدته من شرعية ثورية، فإن القضاء كان سيحكم بحل الحزب لو قام أحد صغار المحامين برفع دعوى لحله، نظرا لما مثله هذا الحزب من إنهاك للحياة السياسية في مصر وإقصاء لكل القوى الأخرى".