من أبراج المكاتب في مانهاتن إلى الشقق السكنية في فلوريدا وعقارات التجزئة في واشنطن، تشهد قيم العقارات التجارية ارتفاعاً، متحدية توقعات انهيار من شأنه أن ينزلق بالاقتصاد الأمريكي مرة أخرى إلى مستنقع الركود. وأوضح مؤشر مركز «أم آي تي» للعقارات «أن أسعار العقارات التجارية التي باعها المستثمرون المؤسساتيون ارتفعت بنسبة 19 بالمئة في 2010، مسجلة ثاني أكبر مكاسب قياسية لها» ، وفقا لصحيفة الرؤية الاقتصادية . وأفادت شركة «ريال كابيتال أنالتيكس»، التي تتعقب مبيعات العقارات التجارية عالمياً، أن الاستثمارات في عقارات المكاتب، والتي تعتبر الجزء الأكبر من السوق، بلغت أكثر من ضعف العام الماضي، مسجلة 41.6 مليار دولار. وتجتذب أسعار الفائدة القريبة من أدنى مستوياتها القياسية المشترين، في ظل احتمالات التمويل الرخيص والعائدات المرتفعة. وتبدأ البنوك في بيع العقارات التي تراجعت أسعارها، وتقديم القروض، حيث منحهم ارتفاع الإيرادات تماسكاً لاستيعاب الخسائر. وفي غضون ذلك، دفع المستثمرون، الذين توجد لديهم قناعة بأن المرحلة الأسوأ قد ولت، السندات المدعومة بالرهون العقارية التجارية إلى أعلى مستوياتها في عامين. وأشار دان فاسولو، المدير المفوض لشركة «ريال كابيتال» في نيويورك، إلى «أن ما منح استراتيجية الحكومة بعض الثقة هو الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة، ومنح البنوك بعض المرونة، للإبقاء على هذه الأصول المتعثرة بعض الوقت في سجلاتها». وأضاف، «إن ارتفاع هذه القيم في الوقت الراهن يمنح أصحاب العقارات والبنوك فسحة للتعامل مع المواقف المضطربة». وقالت مؤسسة «جونز لانغ لاسال»، التي تعتبر ثاني أكبر شركة وساطة متداولة، «إن قيمة صفقات العقارات التجارية قد ترتفع 40 بالمئة إلى 135 مليار دولار خلال العام الجاري». ولفتت وكالة «موديز» لخدمات المستثمرين إلى «أن قيم العقارات التجارية في الولاياتالمتحدة، والتي تراجعت 45 بالمئة عن ذروتها في أكتوبر 2007 إلى أدنى مستوياتها في أغسطس 2010 ارتفعت للشهر الثالث على التوالي». صفقة «فورنادو» ومن بين المستفيدين من تحسن الظروف شركة «فورنادو العقارية»، التي دفعت في ديسمبر الماضي 115 مليون دولار مقابل قرض قيمته 171.5 مليون دولار، بضمان مركز التسوق التابع لها في ضواحي فيرجينيا في واشنطن. وتمكنت الشركة من حل أزمتها مع البنك. وتم تحويل البنك إلى مزود خدمات خاص قبل عام، بسبب تعرض شركة الاستثمار العقاري إلى خطر «العجز الوشيك عن سداد ديونها»، حسبما أفادت وكالة «فيتش» للتصنيفات الائتمانية. وفي وسط ولاية فلوريدا، حيث تأثرت السوق بتراجع قيمة المنازل، قامت شركة «يو إس إيه إيه ريال ستيت» بشراء مركز «لاس أولاس»، الذي يشمل مجمع مكاتب على مساحة 43.600 متر مربع، وكان قد تمت مصادرته من قبل «ويلز فارغو». وحسب «ريال كابيتال»، دفعت شركة «يو إس إيه إيه ريال ستيت»، في تكساس، 170 مليون دولار، بينما دفع المال السابق 231 مليون دولار في ذروة السوق في يوليو 2007. تباطؤ الديون وفي فبراير الماضي، قالت «هيئة المراقبة» في الكونغرس، «إن سوق العقارات التجارية المتراجعة كان من الممكن أن تغرق سفينة الاقتصاد الأمريكي». وفي هذه الأثناء، ذكر تقرير صادر عن لجنة الكونغرس المشرفة على برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، «أن ما يقرب من نصف قروض العقارات التجارية البالغة 1.4 تريليون دولار، والتي من المقرر أن تسدد بحلول 2014، تراجعت قيمتها، وهو ما يعني أن المقترضين يدينون بأموال أكثر من قيمة العقارات». وأشار التقرير إلى «أنه ما لم تتم إعادة التمويل، فإن الديون يمكن أن تهدد النظام الأمريكي الضعيف بالفعل». ورغم زيادة الدفعات المتأخرة على الرهون العقارية التجارية، التي تم تجميعها وبيعها كسندات، إلى 8.79 بالمئة في ديسمبر الماضي، مقارنة ب4.9 بالمئة في العام السابق، فإن معدلات نمو الديون المتأخرة تتباطأ، حسبما أفادت «موديز». وذكرت «موديز» في تقريرها، الشهر الماضي، «أن معدلات تأخر الديون في 2011 سترتفع بنسب أقل من العامين الماضيين». ومن جانبه، قال بريان ستوفرز، الرئيس المشارك في شركة «سي بي آر ئي كابيتال ماركتس»، في لوس أنجلوس، «إن تسونامي تراجع الأسعار الذي كان متوقعاً لم يتحقق بالفعل». وأضاف، «إن السوق أصبحت أقوى». التحسن الأساسي وقالت سوزان ووتشر، أستاذة التمويل بجامعة «بنسيلفانيا»، «مع إعادة تفاوض البنوك على بعض القروض، وبيع أخرى، انحسرت مخاطر أن يدفع التقصير في سداد الديون إلى موجة ركود أخرى». وأضافت ووتشر، «إن الموازنات العمومية تزداد قوة، بينما لاتزال أسعار الفائدة عن مستويات منخفضة تاريخية، وتتحسن معطيات سوق العقارات التجارية». ويساعد نمو الاقتصاد على تعزيز ثقة المستثمرين العقاريين، في الوقت الذي ارتفع فيه إجمالي الناتج المحلي بمعدل سنوي 3.2 بالمئة خلال الربع الرابع، حسب بيانات وزارة التجارة الأمريكية في 28 يناير الماضي. وقدرت مؤسسة «غروب آند إيليس» للوساطة العقارية في كاليفورنيا، «إن معدل شغور سوق المكاتب الأمريكية ستتراجع إلى 17 بالمئة في 2011، مقارنة ب17.8 بالمئة خلال الربع الرابع، في حين أضاف أصحاب الشركات وظائف جديدة، وتم إنجاز مبانٍ قليلة جديدة». ومن بين الأمور التي تدعم تعافي الاقتصاد «نهوض سوق توريق الديون»، إذ ارتفع إصدار الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية في الولاياتالمتحدة إلى 10.9 مليار دولار في 2010، مقارنة ب2.1 مليار دولار في 2009، حسبما أفاد تقرير «جونز لانغ». وأشار التقرير إلى «أن إصدارات الأوراق المالية من المقدر أن تكون أعلى من 40 مليار دولار في 2011»، وهو ما يضيف سيولة للمالكين لإعادة تمويل القروض المستحقة الدفع عليهم. مدن ساخنة وتقود أكبر المناطق العواصمية، مثل نيويورك، وواشنطن، وبوسطن، التعافي الاقتصادي، في الوقت الذي يجذب فيه نمو التوظيف، ومخزون العقارات الكبير المدر للدخل كثيراً من المستثمرين. ولفت «المجلس الوطني للاستثمارات العقارية» إلى أن أسعار العقارات التجارية في نيويورك ارتفعت 16 بالمئة خلال الربع الرابع، مقارنة ب20 بالمئة في واشنطن. وأوضحت مؤسسة «كوستار غروب» المزودة لبيانات العقارات في واشنطن «أن الأسعار في سوق المكاتب قفزت في أكبر 10 ولايات 30 بالمئة خلال الربع الثالث. بينما هبطت الأسعار المحلية 7 بالمئة». وأضافت، «إن الشرائح الأخرى في السوق بما في ذلك الفنادق والشقق وعقارات التجزئة تشهد أيضاً ارتفاعاً». وإلى ذلك، أشارت شركة «سميث ترافيل ريسيرش»، للأبحاث «إلى أن الفنادق تضررت بشكل كبير بسبب الركود، مع خفض الشركات والمستهلكين للرحلات». وأكدت «أنه في العام الماضي، بدأت الفنادق النهوض مرة أخرى، إذ ارتفع متوسط معدل شغل الفنادق في أكبر 25 سوقاً أمريكية إلى 64 بالمئة، مقارنة ب60 بالمئة في 2009». رؤية «بلاكستون» وذكرت وحدة خدمات الاستثمارات الفندقية التابعة ل«جونز لانغ لاسال»، «أن عودة الأسعار إلى الارتفاع تدعم مبيعات الفنادق في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي من المتوقع أن تقفز نحو 25 بالمئة خلال العام الجاري». وأضافت، «إنه في الوقت الذي ترتفع فيه قيم العقارات، تقدم البنوك القروض القائمة، وتعمل على تقديم قروض أخرى». وقال جونثان غراي، المدير المفوض والرئيس المشارك لمجموعة «بلاكستون» العقارية في نيويورك، «إن الفنادق تمثل فرصاً استثمارية جاذبة جداً، في ظل التراجع الحاد الذي شهدته». وأضاف، «لقد بدأنا استغلال كثير من رؤوس الأموال في هذا النطاق». ويرى مارك غوردون، رئيس مجموعة «مورغانز أوتيل»، «أن الفنادق لديها امتياز تفتقر إليه باقي أنواع العقارات التجارية الأخرى، إذ إن الفنادق يمكنها زيادة أسعار الغرف بشكل سريع، للاستفادة من النمو الاقتصادي، في حين يميل المستأجرون في عقارات التجزئة والمكاتب إلى توقيع عقود إيجار لعدد من السنوات». جاذبية التأجير وكشفت شركة «أكسيومتركس»، للأبحاث في ولاية دالاس، عن أن ارتفاع مبيعات الشقق خلال الربع الرابع، مع استمرار ملكية المنازل عند أدنى مستوياتها في 10 سنوات، والإقبال على التأجير، كل هذا دفع أسعار الإيجار إلى أعلى مستوياتها في 4 سنوات. وزادت إيجارات الشقق بنسبة 4.31 بالمئة خلال الربع الأخير من العام 2010، مسجلة أعلى مستوياتها منذ الربع الثالث من العام 2006. وتوقعت «أكسيومتركس» زيادة بنسبة 5.85 بالمئة في إيرادات الإيجارات الأمريكية خلال ال12 شهراً المقبلة. وتشير بيانات «ريال كابيتال» إلى «أن حجم مبيعات الشقق في أنحاء الدولة قفزت 96 بالمئة إلى 33.7 مليار دولار في 2010 خلال العام السابق». مبيعات التجزئة وتشهد شريحة التجزئة في السوق تحسناً ملموساً، وإن كان بمعدل أبطأ من المكاتب أو الشقق. وأوضحت «ريال كابيتال»، «أن صفقات التجزئة ارتفعت 51 بالمئة إلى 22.6 مليار دولار العام الماضي». وخلال الربع الأخير بلغ متوسط قيمة الصفقة 168 دولاراً للقدم المربعة، بزيادة 30 بالمئة، مقارنة بالعام السابق. وفي غضون ذلك، ارتفع الإنفاق الاستهلاكي أكثر من المتوقع في ديسمبر، فيما توقع جوزيف لا فورغنا، كبير الاقتصاديين لدى «دويتشه بنك سيكيورتيز» في الولاياتالمتحدة، «استمرار الإنفاق خلال العام الجاري، مستشهداً بتراجع مؤشرات التضخم». ومن المقدر أن يساعد التحسن المتواصل في السوق البنوك على شطب القروض المعدومة الإضافية. دون الذروة ورغم ذلك، لم يكتمل التعافي الاقتصادي بعد، إذ تراجع مؤشر «مركز إم آي تي» للعقارات بنسبة 28 بالمئة عن ذروته في يونيو 2007. وعلى أساس العائدات الإجمالية المتراكمة، التي تشمل صافي الدخل الناجم عن العقارات، تراجع المؤشر 16 بالمئة عن أعلى مستوياته، حسب بيان للمركز في 2 فبراير الجاري. وقالت شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز»، «إن الأسواق، التي تأثرت بشكل كبير بأزمة الإسكان تناضل، ولكن من المستبعد أن تتعافى بشكل سريع». وأوضحت «أن كثيراً من المدن الثانوية والأسواق من الدرجة الثالثة لا تظهر على شاشات رادار المستثمرين». وقال جيمس كورل، المدير المفوض لشركة «سيغولر غوف»، «إن المستثمرين يتزاحمون على أفضل المدن أداء، نتيجة نقص الثقة في السوق العامة». وأضاف، «إن ما يحدث الآن هو إحجام تقليدي عن المخاطر». وأشار كورل إلى «أن هذا الأسلوب المحافظ يعني أن المستثمرين يرفضون فرصة تحقيق إيرادات أكبر، وأن الأسعار تبدو جاذبة بالنظر إلى المخاطر». خفض الديون وقال ماثو أندرسون، المدير المفوض ل«فورسايت أنالتيكس»، «إن البنوك خفضت قيمة الديون العقارية المتعثرة العام الماضي بصورة مؤقتة، من خلال مبيعات القروض، بعد أن بلغت قيمة الرهون العقارية التجارية المعدومة وقروض الإنشاء في البنوك ذروتها في الربع الأول من العام 2010 عند 126.2 مليار دولار». وأضاف، «بحلول سبتمبر، بلغت القيمة 115.7 مليار دولار». وأكد أندرسون «أنه لاتزال هناك أحجام كبيرة من القروض المعدومة، ولا بد من التعامل معها». سياتل وشيكاغو وفي ظل تراجع العائدات على العقارات في هاتين السوقين، يتطلع المستثمرون إلى أسواق أخرى، من أجل الحصول على إيرادات أعلى. وتوقع لي مينيفي، مدير الاستراتيجية العالمية لدى «سي بي ريتشارد إليس» في لوس أنجلوس «أن أسواق سياتل وضواحي نيويوركوواشنطن وأجزاء من شيكاغو وأتلانتا ستكون من بين الأسواق الأخرى التالية، التي تشهد ارتفاعات في الأسعار». وألمح إلى «أنها تستفيد من كل من المقرضين والمستثمرين»، موضحاً «أن التقاء هذين الأمرين يشير إلى أنه سيحدث ارتفاع في أسعار الأصول عالية الجودة في تلك الأسواق».