موجة من الصعود والهبوط، عاش فيها نجلا الرئيس الأسبق جمال وعلاء مبارك -الوريث السياسي لعرش مصر والمحرك الاقتصادي للبلاد- حيث أنهى قرار محكمة جنايات القاهرة اليوم الخميس، إقامة آل مبارك في طرة كما أغلقت ثورة شباب "25 يناير"، حقبة إقامتهم في قصور الرئاسة. بدأت موجة صعود النجل الأكبر للرئيس الأسبق علاء مبارك مع مطلع التسعينيات بدخوله بقوة في المجال الاقتصادي وتدشينه عددا من الشركات التجارية التي لعبت دورا في السوق الاقتصادي المصري مستغلا نفوذ والده بحسب تهم التربح واستغلال النفوذ التي وجهتها النيابة العامة لآل مبارك، والتي مازالت قيد المحاكمة حتى الآن وذلك وفقا لبوابة الأهرام . هذا فيما بدأت موجة صعود النجل الأصغر للرئيس الأسبق جمال مبارك بعد عودته من العاصمة الإنجليزية لندن لمعاونة والده على أعباء الحكم بحسب تصريح مبارك الأب نفسه في عام 2000، وتدشينه لجمعية جيل المستقبل والتي كانت بمثابة أول خطوة في الإعداد لمشروع التوريث. تربع الوريثان السياسي والاقتصادي على عرش جماعات المصالح المصرية، كان موضع انتقاد وسخط من عموم الشعب والذي عبروا عنه في "نكات"، سياسية عديدة من بينها على سبيل المثال لا الحصر "أنه على عهد رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد طلب علاء مبارك الحصول على أحد الشقق بمحافظة الإسكندرية، الأمر الذي دفع عبيد للاتصال بمبارك لشرح الأمر وكان رد مبارك عليه، أنه لا مانع من إسعاد الشاب بهذه الشقة وتكرر الأمر نفسه مع شقة في محافظة أسوان وتكرر حديث مبارك بدعوة عبيد لعدم إغضاب الشاب إلا أنه وبحسب النكتة فإن الأزمة كانت في طلب النجل الأكبر لمبارك فتح الشقتين على بعضهما من إسكندرية لأسوان". ومن بين "النكات" السياسية التي عبر بها المصريين عن سخطهم من مشروع التوريث أن مبارك الأب قال لنجله جمال عقب التعديلات الدستورية في 2007 "مبروك يا جمال عليك حكم مصر... البلد على أدك بالمقاس... وأوعاك تنسى تشكر رجالنا في الحزب الوطني". نجح أبناء الرئيس الأسبق علاء وجمال في تشكيل مراكز للقوى دفعت أصحاب المصالح ورجال الأعمال والباحثين عن الصعود للتهافت على نيل رضائهم وتقديم فروض الولاء والطاعة، إلا أن حالة الانقلاب التي قام بها النجل الأصغر جمال داخل الحزب الوطني الحاكم بإطاحته بالطبعة الأولى من عناصر حكم نظام مبارك والمعروفين "بالحرس القديم"، كانت بمثابة الحطب للنيران الشعبية المشتعلة بسبب تدهور الحياة السياسية والاجتماعية لعموم المصريين. فرغم الكراهية الشديدة للمصريين لعناصر الطبعة الأولى من نظام مبارك ومن بينهم كمال الشاذلي وصفوة الشريف وزكريا عزمي، إلا أن القدرات السياسية لهذه المجموعة مكنتهم من امتصاص العديد من الصدامات التي مرت بها البلاد ولاسيما أن المجموعة التي أحاطة الوريث السياسي لعرش مصر كانت عبارة عن عدد من رجال الأعمال الذين لم يتركوا الفرصة وراحوا ينهبون خيرات البلاد طولا وعرضا. حالة الغليان المتصاعدة في الشارع المصري بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تعامل معها رجال الطبعة الثانية من حكم نظام مبارك والمتمثلة في مجموعة رجال الأعمال، وعلى رأسهم أحمد عز ورشيد محمد رشيد وحاتم الجبلي ومحمد لطفي منصور وغيرهم والذين احتلوا مقاعد وزارية بفضل الوريث السياسي لعرش البلاد بتعالٍ وغطرسة غير مسبوقة الأمر الذي زاد الطين بلة. جاءت تصريحات عناصر الطبعة الثانية لحكم نظام مبارك حول مشروع التوريث مستفزة ليس فقط لعموم المواطنين، لكن لبعض مؤسسات الدولة حيث تركزت أحاديثهم الإعلامية في أن ترشح جمال مبارك لمنصب رئيس الجمهورية يعتبر إنهاء لحقبة الرؤساء العسكريين وأن ذلك سيفتح نوافذ البلاد على العالم الغربي المتحضر. تصاعدت استفزازات عناصر حكم الطبعة الثانية لعموم المواطنين، من خلال تصريحاتهم الإعلامية والتي قيموا فيها الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعب المصري بحجم القمامة على لسان أمين التنظيم للحزب الحاكم أحمد عز أو بعدد التكييفات التي تستوردها مصر على لسان رئيس الوزراء أحمد نظيف. وفي المقابل عاش الوريثان السياسي والاقتصادي ومجموعات المصالح التي تحيط بهم في رخاء بفضل سياسة الجباية الضريبية التي انتهجها أحد رجال الوريث السياسي يوسف بطرس غالي وزير المالية وسياسة زواج المال بالسلطة في البرلمان والحكومة التي بلغت فجاجتها في الانتخابات البرلمانية 2010 والتي رشح فيها الوطني رجل أعمال على الأقل في كل دائرة انتخابية. كانت انتخابات مجلس الشعب 2010 الخطوة النهائية لبروفة مشروع التوريث حيث قام الحزب الوطني بزعامة أحمد عز بتزوير الانتخابات على كل المستويات وفي مختلف الدوائر ليشكلوا مجلسا تجاوزت نسبة المنتمين للحزب الحاكم فيه 95 في المائة. وفي "25 يناير"، وقعت الواقعة الخافضة الرافعة وأطاحت الثورة بأحلام الوريث السياسي في العرش كما أنهت حقبة آل مبارك بالقصر وأحلام مجموعات المصالح في النصر على مؤسسات الدولة الوطنية المتمثلة في القوات المسلحة وجهاز المخابرات العامة التي انحازت لإرادة الشعب المصري في إنهاء حقبة تعد الأسوأ في تاريخ مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وعقب الثورة بدأت حقبة جديدة من حياة آل مبارك بشروع المائات والآلاف من المواطنين في تقديم آلاف البلاغات ضد آل مبارك ومجموعات المصالح التي أحاطت بهم والتي تبلورت في عدة قضايا أدينوا في بعضها في الدرجة الأولى من التقاضي مثل قضية القصور الرئاسية وحصلوا على إخلاء سبيل في أخرى بسبب التقادم ومازالت بعض القضايا قيد المحاكمة. إلا أن اليوم الخميس 22 يناير 2015 ومع حلول الذكرى الرابعة لثورة "25 يناير"، صدر قرار محكمة الجنايات بإخلاء سبيل جمال وعلاء مبارك ليبدأ بعده حقبة ثالثة من عمر آل مبارك يتابعها المصريون بين الدعاء بالانتقام منهم في الأغلب الأعم وبين تأييد محدود.