ماذا لو خسرت مصر حصتها في مياه النيل ومواردها الملاحية من قناة السويس؟ لم يعد هذا السؤال ترفيا في ضوء استكمال أثيوبيا لبناء سد النهضة وإعلان إسرائيل والأردن توقيع اتفاقية لشق قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت، كمرحلة أولى، يتبعها ربط البحر الميت بالبحر المتوسط. والإجابة على السؤال تقود إلى التعرف على الخطورة التي يمثلها دور دولة "إريتريا" على موردين يمثلان أعمدة أساسية للأمن القومي المصري. إريتريا دولة إفريقية تقع على شكل مثلث بين إثيوبيا (1021 كم) والسودان (912 كم) وجيبوتي، ولها أطول ساحل على البحر الأحمر بطول1000 كم وتتبعها في مضيق باب المندب (مدخل البحر الأحمر) 126 جزيرة معظمها غير آهلة بالسكان، ويمر بها نهر "ستين تكيزي" (احد روافد النيل الأزرق) ويصب عند عطبرة. ويبلغ تعداد إريتريا نحو 4.5 مليون نسمة، وهى دولة علمانية، وأغلبية السكان بها مسلمون، حيث هاجر إليها المسلمون الأوائل وبنوا فيها أول مسجد في إفريقيا. عند اكتمال سد النهضة الإثيوبي ستخسر مصر 18 مليار متر مكعب بنسبة23٪ من حصتها المائية التي خصصت باتفاق مع السودان في خمسينيات القرن الماضي (عندما كان تعداد السكان في مصر 22 مليون نسمة فقط) أي أن الفرد سيخسر ثلاثة أرباع نصيبه من المياه النفوذ الإسرائيلي في دول حوض النيل صار حقيقة لا تقبل الجدال، وفقا لبحث للبروفيسور شلومو أهرونسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيب ، عن تصنيف علاقات إسرائيل بالدول الإفريقية البحث صنف دول إريتريا، إثيوبيا، أوغندا، الكونغو برازافيل، رواندا، بوروندي وكينيا ضمن المستوي الأول، بما يعني أن إسرائيل تركز جهودها فعليا على دول حوض النيل. في إريتريا أكبر قاعدة للوجود العسكري الإسرائيلي بأفريقيا منذ عام 1997، بحسب وثيقة صادرة عن إدارة التعاون الدولي بوزارة الدفاع الإسرائيلية الوثيقة كشفت أن ما بين 500 و700 مستشار عسكري من مختلف صنوف الأسلحة الإسرائيلية يتولون تدريب القوات الإريترية، بل وقيادة بعض الوحدات المهمة مثل بعض القطع البحرية وتشمل المنظومات الإلكترونية، ووسائل الدفاع الجوي والبحري، ومحطات الرادار. كما تمد إسرائيل إريتريا بمنظومات قتالية متطورة مثل الطائرات، وقطع البحرية كالزوارق الحاملة للصواريخ (سفر) و(دابورا) وصواريخ مضادة للأهداف البحرية من طراز (جريانيل) وصواريخ مضادة للدروع وكشفت الوثيقة أن إريتريا امتلكت قوة عسكرية فاعلة ومؤثرة وقادرة على منازلة الخصوم عام 2000 بفضل الدعم الإسرائيلي ولا يبدو أن طبيعة العلاقة المتأزمة بين أريتريا وإثيوبيا سيصب في صالح مصر، في ضوء توطيد تل أبيب لمصالحها الاستراتيجية مع أسمرة ففي الأشهر الأخيرة فقط، ومن خلال اتصالات مكثفة بين أسمرة وتل أبيب، أصبحت إسرائيل المصدر الأول لتسليح الجيش الإريتري، مستعينة في ذلك بالجنرال "موشي إسنيه" الذي شغل منصب وزير الدفاع سابقًا موشي تحول مؤخرًا إلى مبعوث الجيش الإسرائيلي لتزويد أفريقيا بالسلاح، وقد نجح بالفعل في تعزيز العلاقات بين تل أبيب وأسمرة في الفترة الأخيرة من خلال خدعة التحالف العسكري والتكفل بمستلزمات إريتريا العسكرية. وتشمل هذه المستلزمات محطات للاستطلاع والرصد تساهم في خدمة قيادة العمق الإسرائيلية في مياه البحر الأحمر، وهنا تكمن الأزمة الثانية لمصر، متمثلة في مضيق باب المندب يقع المضيق في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهو الطريق الحيوي الوحيد الذي يمر من خلاله أكثر من 30 % من نفط العالم ولليمن أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة للمضيق، فهي أسهل الدول التي تستطيع السيطرة عليه عن طريقة جزيرة بريم، ما أدى إلى قلق القوى العالمية بشأن هذا المضيق الذي يقع في قبضة دولة ضعيفة غير مستقرة كاليمن دفع ذلك أمريكا وفرنسا إلى إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، بجانب التواجد الإسرائيلي في إريتريا، إضافة إلى الدوريات البحرية للناتو ، والتي لا تنقطع من هذه المياه كل ذلك من أجل ضمان استمرار الملاحة في "باب المندب" وعدم التفكير في إغلاقه حتى لا يتسبب في كوارث بالنسبة للطاقة لدى الدول الغربية خصوصا. زاوية خطر أخرى تهدد مصر، وهي سيطرة الحوثيين الفعلية على المضيق بعد انقلابهم على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ما يعني أن مورد الملاحة إلى قناة السويس بات في يد إيران التي صعّدت الحوثيين في اليمن عن طريق إمدادهم بالسلاح لكن أين دربت إيران الحوثيين؟ الإجابة.. في معسكرات داخل "إريتريا"، الأمر الذي يفسر رفض أسمرة الانضمام إلى الجامعة العربية، حيث للعلاقات الوطيدة مع طهران وتل أبيب منافع اقتصادية وعسكرية كبيرة يعطي القانون الدولي لمصر حق الزيارة والتفتيش البحري لمنع دخول سفن (المدنية والحربية) تحمل أسلحة وأي مواد استراتيجية إلى الدول المعادية لها، وهذا الحق يطبق في المياه الإقليمية والدولية والاقتصادية، وقد استخدمت هذا الحق مراراً سواء في مضيق العقبة- عند جزر تيران وصنافير- أو خلال حرب أكتوبر 1973، كما استخدمته الكثير من الدول الغربية لوقف عمليات القرصنة قرب سواحل الصومال. ولكن بسبب بُعد المدخل الجنوبي لمضيق باب المندب عن أرض وسواحل مصر فإن الأمر يقتضي تعاوناً كاملاً بين مصر والدول المطلة علي منطقة باب المندب، وإذا نظرنا إلي خريطة موقع هذا المضيق نكتشف أن الدول المطلة على مدخل المضيق هي: إريتريا وجيبوتي والصومال. اتصالات هامة تمت بين إريتريا واليمن جرى خلالها تبادل وجهات النظر في مجمل التطورات الجارية في اليمن والبحر الأحمر، وقام مبعوث خاص من الحوثيين بزيارة سرية لأسمرة التقى خلالها بالمسؤولين هناك. ويعتقد مراقبون أن إريتريا تعتبر أكبر المستفيدين من تنامي نفوذ الحوثيين في اليمن، وكانت على خلاف دائم مع الجماعات الإسلامية، فيما ظلت علاقاتها مع الحوثيين والرئيس علي عبد الله صالح متميزة، وأن سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب يعزز الحلم الإيراني في إكمال الطوق على الحزام السني بعد تمددهم برا عبر العراق وسوريا وبذلك تكتمل حلقة الطوق عبر البحر الأحمر، وتسطير إيران على الملاحة عبر مضيقي "باب المندب" و"هرمز"، ما يعني سيطرتها الفعلية على سير أهم خطوط الملاحة العالمية وترى أوساط دبلوماسية أن أسمرة تسعى لإقامة تحالف جديد يجمع إيران وإسرائيل والحوثيين، وإضافة رقم جديد في أوراق اللعبة في البحر الأحمر التي تعج بالأساطيل الدولية