فهم الإسرائيليون مبكرا حقيقة أهمية مضيق باب المندب بالنسبة لهم، ذلك أنه المضيق الأهم لحركة سفنهم وتواصلهم مع العالم. لقد عبر اول رئيس لحكومة الكيان الصهيوني ديفيد بن جوريون عن تطلعات إسرائيل إلى السيطرة على البحر الأحمر في عام 1949 إذ قال «إننا محاصرون من البر.. والبحر هو طريق المرور الوحيد إلى العالم والاتصال بالقارات. وإن تطور إيلات سيكون هدفا رئيسيا نوجه إليه خطواتنا». أكدت المعطيات على أرض الواقع لإسرائيل أن سيطرة العرب على مضيق باب المندب يمثل شوكة قد تدمي إسرائيل وتضرب مصالحها وتهدد وجودها ذاته. ففي عام 1950 تعاونت مصر مع السعودية من أجل حماية البحر الأحمر من خلال منح العسكرية المصرية السيطرة على مدخل خليج العقبة وجزيرتي تيران وصنافير بهدف تقييد الملاحة الاسرائيلية، الأمر الذي كان أحد الدوافع التي أدت إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وفي حرب 6 أكتوبر عام 1973 تم استغلال سيطرة اليمن على هذا المضيق، وتم توجيه أكبر ضربة للكيان الصهيوني، بإغلاق المضيق بموجب تنسيق عربي لكسب أهم المواجهات بين العرب والكيان الإسرائيلي. لكن المكاسب السياسية التي حصلت عليها إسرائيل في معاهدة كامب ديفيد في 1979، من اعتراف بحرية اسرائيل في الملاحة في خليج العقبة ومضيقي تيران وقناة السويس، أسهمت في خلق حالة اختلال في التوازن الاقليمي واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وأصبحت اسرائيل تمارس دورا يفوق حجمها الفعلي ويتجاوز قدرتها المادية والمعنوية ووجدت مناخ موات لممارسة عدوانها على العرب وترسيخ وجودها في منطقة البحر الاحمر. حسب جنرال إسرائيلي، فإن سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط في البحر الاحمر أما المفتاح الثاني والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية فهو موجود في مضيق باب المندب. أكد على هذه الحقيقة أيضا الكاتب الإسرائيلي إلياهو سالبيتر الذي قال ان المتخصصين بشؤون الدفاع الاسرائيلي والمخططين له يدركون جيدا مدى خطورة التهديد العربي المحدق بالبحر الاحمر مما يعطي أهمية خاصة للعلاقات الاسرائيلية مع الدول غير العربية الواقعة شرق افريقيا. وبالفعل سعت إسرائيل لتوثيق علاقاتها مع تلك الدول، وعلى الأخص إريتريا، التي عملت على احتوائها وإقامة قاعدة لها في ميناء مصوع والاستفادة من الجزر الاريترية على امتداد ساحلها على البحر الأحمر البالغ أكثر من (1000) كيلومترا والذي يضم أكثر من (360) جزيرة ترتع فيها إسرائيل وتمرح بكل حرية ولعل أهم قواعدها هناك قاعدة رواجيات ومكهلاوي على حدود السودان. ليس هذا فحسب، بل إن تلك العلاقة تضمن لها إقامة قواعد جوية في كل من جزيرة حالب وجزيرة فاطمة أمام مضيق باب المندب، ناهيك عن استئجار بعض الجزر الاريترية الاستراتيجية التي تسيطر على مدخل البحر الأحمر من الجنوب ولعل أهم تلك الجزر جزيرة دهلك التي أقامت إسرائيل فيها قاعدة بحرية وتستخدم تلك الجزيرة مركزاً للرصد والمراقبة في البحر الأحمر على كل من السعودية واليمن والسودان والصومال وحركة ناقلات النفط. كما عمدت إسرائيل إلى اقامة مشاريع ومساعدات اقتصادية في عدد كبير من دول شرق افريقيا مثل تنزانيا واريتريا وأثيوبيا وكينيا وغيرها، مما يعطيها سيطرة قوية على البحر الأحمر ومضيق باب المندب من سواحل دول غير عربية. ولا يستبعد خبراء الملاحة الدولية أن تكون إسرائيل هي التي تقف وراء القراصنة الصوماليين ودعمهم بإمكانات تقنية عالية بهدف مزيد من السيطرة على حركة الملاحة في هذا البحر المهم. لكن رغم نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية التي تستهدف تأمين حركة سفنها في البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، إلا إن إسرائيل تشعر اليوم بقلق كبير بسبب سيطرة الحوثيين على أجزاء كبيرة من اليمن. يقول الصحفي الإسرائيلي «آفي يسسخروف» إن إسرائيل تتابع بقلق سقوط المدن اليمنية واحدة تلو الأخرى في أيدي الحوثيين، لاسيما مع اقتراب تلك الجماعة الزيدية التي تمولها إيران من السيطرة على المجري الملاحي الذي توليه إسرائيل أهمية خاصة، ممثلا في مضيق باب المندب، والذي يعد بوابة العبور من البحر الأحمر للمحيط الهندي. وأضاف محلل الشئون العربية في مقال بموقع»walla” أن وجود عناصر الحرس الثوري الإيراني في مجري ملاحي خطير بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، يمكن أن يتسبب في الكثير من المشكلات للسفن الإسرائيلية التي تمر من هناك، مشيرا إلى هجمات شنتها تنظيمات فلسطينية بداية السبعينيات من القرن الماضي على سفن إسرائيلية خلال مرورها في مضيق باب المندب، واحتمالات محاولة الإيرانيين اتباع نفس الأساليب بواسطة الحوثيين. من وجهة نظر «يسسخروف» فإن انشغال العالم بالمعارك الدائرة بين القوات الكردية وداعش في مدينة عين العرب، ساعد إيران في النجاح تدريجيا على ميناء الحديدية الاستراتيجي باليمن. وتساءل الصحفي»: إلى أين تتجه الأمور في اليمن؟» وأجاب قائلا «طالما كانت وسائل الإعلام الأمريكية وكذلك الإسرائيلية منشغلة بتوسعات داعش فإن إيران تنجح بضجة قليلة في السيطرة على مناطق أكبر، في لبنان وأجزاء من سوريا والكثير من المناطق العراقية وأخيرا اليمن.» حذرت أيضا صحيفة تايمز أوف إسرائيل من وصول الحوثيين، ومن خلفهم الإيرانيين، إلى مضيق باب المندب، الأمر الذي تعده إسرائيل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية. وتابعت الصحيفة العبرية أنه نظراً إلى ارتباط الحوثيين بالإيرانيين، فالسيطرة على هذا الممر تعني تهديداً مصيرياً لاقتصاد إسرائيل، إضافةً إلى منع إسرائيل من الوصول إلى إيران نفسها، في إشارة إلى الغواصات الاسرائيلية التي توفر لتل أبيب القدرة على تهديد الأراضي الإيرانية انطلاقاً من المحيط الهندي. ورأت الصحيفة أن الأحداث في اليمن، وفي الأسابيع الأخيرة تحديداً، وقبلها منذ بداية الربيع العربي، بمثابة مثال كلاسيكي على الرمال المتحركة في الشرق الأوسط.