عقوبة إفشاء الأسرار الخاصة في القانون    الحكومة تتلقي 147 ألف شكوى خلال شهر في جميع القطاعات    مراسم استقبال رسمية لرئيس أذربيجان بالاتحادية.. السيسي وعلييف يصافحان حرس الشرف    انخفاض ملحوظ في أسعار الذهب صباح اليوم السبت 8 يونيو 2024    أسعار الخضراوات اليوم، البطاطس تبدأ من 9 جنيهات بسوق العبور    أسعار الدواجن اليوم 8 يونيو 2024    خطة الحكومة لوقف تخفيف الأحمال وتحريك أسعار الكهرباء في 2024    اليوم.. مطارا الغردقة ومرسي علم يستقبلان 27 ألف سائح    حزب الله يشن هجمات على مواقع لقوات الاحتلال الإسرائيلي    استشهاد 6 فلسطينيين في قصف إسرائيلي لمخيم البريج بغزة    الدفاع الروسية: تدمير معدات وأليات عسكرية أمريكية على محور أفدييفكا    حاكم دونيتسك الروسية: القوات الأوكرانية تكثف قصف المقاطعة بأسلحة بعيدة المدى    بعد حادث وفاته..7 معلومات عن رائد الفضاء الأمريكي ويليام أندرس    وزيرة خارجية إندونيسيا تبحث مع سفير مصر بجاكرتا تعزيز التعاون    الأهلى يخوض مباراة وديه اليوم استعدادا لمباريات الدوري    مصطفى شلبي: "بتكسف أشوف ترتيب الزمالك في الدوري المصري"    أبو مسلم: حسام حسن أدار مباراة بوركينا فاسو بذكاء    استمرار الموجة شديدة الحرارة بالأقصر والعظمى 46 درجة    شاومينج يزعم نشر أجزاء لامتحان اللغة الأجنبية لطلاب العلمي بالشهادة الثانوية الأزهرية    اليوم.. نظر محاكمة 111 متهما فى قضية "طلائع حسم"    الصحة: خطة للتأمين الطبي تزامنا مع عيد الأضحى والعطلات الصيفية    بدءًا من اليوم.. تغيير مواعيد القطارات علي هذه الخطوط| إجراء عاجل للسكة الحديد    الجيش الأمريكي يدمر خمس مسيرات حوثية وصاروخين وزورق في اليمن    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال استهدفت مدرسة للأونروا الليلة الماضية غرب غزة    مواعيد مباريات اليوم السبت 8 يونيو 2024 والقنوات الناقلة    ضارة جدا، سحب 28 مشروبا شهيرا من الأسواق، أبرزها الشاي وعصير التفاح ومياه فيجي    طريقة عمل الفايش الصعيدي، هش ومقرمش وبأقل التكاليف    من جديد.. نيللي كريم تثير الجدل بإطلالة جريئة بعد إنفصالها (صور)    للحجاج.. تعرف على سعر الريال السعودي اليوم    مصافحة شيرين لعمرو دياب وغناء أحمد عز ويسرا.. لقطات من زفاف ابنة محمد السعدي    سوق السيارات المصرية: ارتفاع متوقع في الأسعار لهذا السبب    «اهدى علينا شوية».. رسالة خاصة من تركي آل الشيخ ل رضا عبد العال    مواعيد مباريات يورو 2024.. مواجهات نارية منتظرة في بطولة أمم أوروبا    الفرق بين التكبير المطلق والمقيد.. أيهما يسن في عشر ذي الحجة؟    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع    "المهن الموسيقية" تهدد مسلم بالشطب والتجميد.. تفاصيل    دعاء ثاني أيام العشر من ذي الحجة.. «اللهم ارزقني حسن الإيمان»    كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره صورة من محور يحمل اسم والده الراحل    حاول قتلها، زوجة "سفاح التجمع" تنهار على الهواء وتروي تفاصيل صادمة عن تصرفاته معها (فيديو)    رئيس البعثة الطبية للحج: الكشف على 5000 حاج.. ولا حالات خطرة    نجيب ساويرس ل ياسمين عز بعد حديثها عن محمد صلاح: «إنتي جايه اشتغلي إيه؟»    مفاجأة.. مكملات زيت السمك تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    بعد الزيادة الأخيرة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من المنزل    الإفتاء: الحج غير واجب لغير المستطيع ولا يوجب عليه الاستدانة من أجله    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف هبة راشد.. طريقة عمل الجلاش باللحم والجبنة    فريد زهران: ثورة 25 يناير كشفت حجم الفراغ السياسي المروع ولم تكن هناك قيادة واضحة للثورة    ربة منزل تنهي حياتها شنقًا بعد تركها منزل زوجها في الهرم    نيجيريا تتعادل مع جنوب أفريقيا 1 - 1 فى تصفيات كأس العالم    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كوت ديفوار بهدف ميسي    كيف توزع الأضحية؟.. «الإفتاء» توضح ماذا تفعل بالأحشاء والرأس    موعد أذان الفجر بمدن ومحافظات مصر في ثاني أيام ذى الحجة    بولندا تهزم أوكرانيا وديا    فريد زهران ل«الشاهد»: ثورة 1952 مستمدة من الفكر السوفيتي وبناءً عليه تم حل الأحزاب ودمج الاتحاد القومي والاشتراكي معًا    أطول إجازة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي على طريق جمصة بالدقهلية    حظك اليوم برج الأسد السبت 8-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    أخبار مصر: 4 قرارات جمهورية هامة وتكليفات رئاسية حاسمة لرئيس الحكومة الجديدة، زيادة أسعار الأدوية، أحدث قائمة بالأصناف المرتفعة في السوق    أوقفوا الانتساب الموجه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عادل عامر يكتب عن : جرائم العنف في مصر بعد ثورة 25 يناير
نشر في الزمان المصري يوم 06 - 06 - 2013

لم يكن العنف حاضراً فى مشهد البداية لثورات الربيع العربى، حيث تدفقت الجماهير، برغم تناقضاتها الداخلية العديدة لتؤسس الحدث الثوري. ومن الطبيعى أن تحافظ على مساحات الالتقاء بين مختلف الفئات المشاركة فى الثورة، وهى مساحة الإيثارية التى يتطلبها الحدث الثوري.
فى لحظة أسقطت الجماهير حسابات المصالح الأنانية، لتبقى على مصلحة واحدة أثيرة تتمثل فى ضرورة نجاح الفعل الثوري. فى أثناء ذلك تساقطت حواجز النوع والدين والمذهب والأيديولوجية، وكل الحواجز الأخرى، بحيث شكلت الجماهير نتيجة لذلك كتلة صلبة، أصبح لها صوتها المدوى الصاخب، الذى عبر عن مخزون القوة الغاضبة، التى فرضت بسلامية رائعة – أذهلت العالم المتحضر – أن يسقط نظام سياسي، سامها سوء القهر والعذاب. ولتؤسس نظاما جديدا، توسمت فيه تجسيد شعارات الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة.
وإذا كان نجاح الثورات حالة يعمل فيها الإنسان كل إرادته التي تحدد اتجاه حركة التاريخ، فإنه فى أعقاب لحظات الثورة يبدأ التأمل، حيث تتراجع الإيثارية التى نجح بها الفعل الثورى لتبدأ لحظة حساب المصالح ذات الطبيعة الأنانية. فى هذه اللحظة تبدأ الكتلة الثورية فى التشقق، وتأخذ حسابات المصالح فى التباين، وتتسع التشققات لتصبح اختلافات وتناقضات، وذلك ارتباطا برصيد القهر الذى فرض من قبل النظام السابق، والأمل فى تحقيق الطموحات على ساحة نظام اجتماعي وسياسي جديد، يعبر بنا إلى المستقبل، وعلى هذه الأسس تتحدد المواقف، ويبدأ العنف فى الوجود والانتشار على ساحة الفعل الثورى.
أسباب العنف الثوري
يرجع انتشار العنف على ساحة الحدث الثورى، بسبب تفاعلات عديدة تؤسس مناخه او سياقه، منها أن أداء القوى الثورية لم يكن متناغماً، الأمر الذى أسس كثيراً من المشكلات وتخوم الاحتكاك، الذى دفع البعض أحيانا إلى الاحتكاك بالبعض الآخر ولو من خلال العنف. كما يرجع وجود العنف إلى مشاعر الإحباط، التى بدأت فى التكثف فى أعقاب الحدث الثورى، ذلك لأن الطموحات التى ازدهرت أثناء الحدث الثورى تبدأ فى التساقط. حينما تكاثرت المشكلات وأصبحت لها وطأتها على البشر، وتأكد البعض أن الجميع لم يكن على نفس القدر من المسئولية والاستجابة لنداء الحدث الثوري.
فالبعض ناضل واستشهد، بينما البعض الآخر لازال يناضل، حاملا في صدره قابلية الاستشهاد. بينما البعض الثالث تسلل بين الصفوف والشقوق واستولى على مضامين الحدث الثوري. وقد دفع ذلك بالكتلة الجماهيرية الصلبة، إلى التشطى، وبرز نوع من التشرذم الأيديولوجي، الذي تقوى أحيانا ببعض مشاعر التعصب. وإذا كان الجميع قد توقع أن تجسد الثورة شعاراتها بعد سقوط النظام القديم، فإذا بالنظام الجديد يبدد الطاقة دون أن يجسد هذه الشعارات. بالإضافة إلى ذلك، فقد تفاقمت المشكلات وتكاثرت الهموم، ووجدت الأغلبية نفسها في مأزق، في هذا السياق انتشرت سلوكيات التحالف والاستبعاد والإقصاء. الإسلاميون رأوا أن الفرصة التاريخية جاءت، وتجسيد أحلام الخلافة أروع من شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. وأدرك الليبراليون، أن اللحظة أصبحت مواتية حتى يشق التحول الديموقراطى طريقه، وليتمتع الجميع بحرية التعبير وصون الكرامة، وتأكيد العدل الاجتماعي، بحثا عن بناء المجتمع الحديث، تستعيد مصر من خلاله قوتها المادية والناعمة، بينما رأى الشباب أنهم هم الذين قدموا الشهداء، وكبار السن – مع كل الاحترام لهم – ما زالت خطواتهم ثقيلة، وأن الأحداث تسقهم. وعلى الشباب الذين فجروا الثورة، واستشهد رفاقهم من أجلها أن يتحملوا قدرها، حتى تستقر سفنها على خير مرفأ. فى هذا المناخ تفجر العنف على ساحة المجتمع، بين قوى الثورة وبعضها بعضا من ناحية، وبينها وبين النظام السياسي وليد الثورة من ناحية ثانية، وبين الجميع فى مواجهة أجهزة الدولة العميقة من ناحية أخيرة، فى هذا الإطار برزت ظروف عديدة ساعدت فى انتشار العنف.
من هذه الظروف أن الثورات الإنسانية تعقبها عادة حالة من الفوضى، حيث يسعى رفاق الثورة إلى اقتسام كعكة الثورة، ومن الطبيعي فى هذا الإطار أن تكون هناك أحداث عنف. بالإضافة إلى ذلك فإن الطموحات والآمال التى دفعت الجماهير للمشاركة فى الثورة، قد تشكل طاقة العنف، إذا لم يسفر الحدث الثوري عن إشباع حاجات الجماهير التي عانت من الحرمان. يساعد على ذلك ظرف ثالث، يتمثل فى تدفق السلاح الغربى على ساحة الثورات العربية، بقصد أو بدون قصد، حتى يجد الفرقاء ما يتقاتلون به من الظروف التى ساعدت على انتشار العنف فى أعقاب الثورات العربية، أن الدولة لا تزال رخوة لم تترسخ أعمدتها بعد، إضافة إلى أن الثورة ظلت مهدده بعودة النظام السابق للقضاء عليها، واستعادة النظام القديم لموقعة ، إلى جانب وجود المهمشين وفقراء المدن الذين يشكلون ضغطا على الحدث الثورى ويهددون بتحويله إلى فوضى ومن الطبيعى أن تلعب هذه الظروف مجتمعه دورها فى تأسيس مواجهات العنف، وترسم خرائطه على ساحات الثورات العربية.
الشباب ودورهم في الحدث الثوري
يعتبر الشباب هم الكتلة الفاعلة منذ بداية ثورة 25 يناير 2011، حيث توافرت لهم مجموعة من الخصائص التى أهلتهم لأن يلعبوا الدور المحورى فى تفاعلات الحدث الثورى. وترجع الفعالية الشبابية فى الثورة لعدة عوامل أساسية، منها أن التكوين الديموجرافى للمجتمع المصري
أن الكتلة الشبابية تصل إلى 44% من حجم السكان. ومن الطبيعي أن يكونوا هم أصحاب المصلحة الغالبة فى المجتمع الحاضر والمستقبل ، يضاف إلى ذلك أن الشباب هم الذين عانوا من مجتمع ما قبل الثورة، حيث ارتفعت معدلات البطالة، وتردت الأوضاع المعيشية، وتضاءلت مختلف فرص الحياة أمامهم، إضافة إلى تردى أوضاع التعليم، وضعف المؤسسات الأسرية، وعجز مؤسسات المجتمع المدني عن استيعابهم، وهو الأمر الذي رسخ فى وعيهم أن إشباع حاجاتهم ليس فى المجتمع الحاضر، ومن ثم ينبغي تغييره، وقد ساعد على ذلك أن الشباب، بسبب تكوينهم النفسي والاجتماعي، يميلون دائماً إلى المستقبل، وأنهم - خاصة شباب الشريحة العليا للطبقة المتوسطة - بحكم قدرتهم على التواصل من خلال تكنولوجيا المعلومات، هم الأكثر إدراكا لمدى التردي الذي أصاب مجتمعهم، إذا قورن بمجتمعات العالم المحيط.
دور المدونات في الحدث الثوري
لذلك شكل الشباب المفرزة الأولى لحركة التغيير، التى تحولت إلى ثورة شاملة، وقد استندت ريادتهم للثورة، إلى أنهم كانوا الأكثر دراية بما يحدث فى العالم من حولنا، وبالتفاعل فى نطاق المجتمع الافتراضى. وقد ساعد انتشار المدونين والمدونات بين الشباب إلى إبرازهم باعتبارهم يشكلون كتلة متماسكة تعبر عن رأيها بصورة سلمية دون خوف أو قلق. يضاف إلى ذلك امتلاكهم لثقافة ومهارات العمل الجماعى، من خلال تشكيلهم اللجان الشعبية التى تولت حماية الثورة، إضافة إلى تنظيم المليونيات المتتابعة للحفاظ على الثورة حية فى الضمير والوعي المصري الجماهيري ، وهى الممارسات الشبابية التي دفعت السفير الألمانى فى القاهرة إلى القول «نشارك الشعب المصرى ذلك الشعور، وننظر إلى الشعب المصرى بإكبار، ونود فى هذا السياق أيضا تقديم دعمنا، حتى تتوج هذه الثورة الديموقراطية بالنجاح الحقيقى الذى تكون نتائجه لصالح كل أفراد شعب مصر». كما أشارت بعض المصادر الأمريكية المنشورة على شبكة المعلومات إلى أن ثورة الشباب المصرى جعلت 70% من الأمريكيين ينظرون بإيجابية للشعب المصرى، إضافة إلى إعجاب القارة الأفريقية بالثورة ومحاولة تقليدها. يؤكد ذلك إشارة نائب الرئيس الغانى إلى «الدرس المصرى للحكام الأفارقة». وبرغم إبهار الشباب المصرى العالم بثورته السلمية، إلا أنه وقعت مجموعة من الظروف التى شوهت ثوبها الأبيض.
الأنظمة السياسية وتبيدها للحدث الثوري
من هذه الظروف، أن الأنظمة السياسية التى ظهرت فى أعقاب ثورة 2011 بددت طاقة الحدث الثورى للشباب، سواء عن عدم دراية أو سوء قصد. وحينما طالب الشباب بتصحيح المسار، وقعت أحداث عنف وصدامات، كان الشباب ضحيتها إما استشهادا أو زجا فى المعتقلات. من هذه الظروف كذلك أن الفصائل التى تولت بناء الحدث الثورى، اختلفت عن الفصائل التى استولت عليه واستمتعت بالسكنى فيه.
من هذه الظروف أيضا أن التنظيمات والقوى السياسية المختلفة، لم تستطع استيعاب الكتلة الشبابية، أو تطوير الحركة الثورية فى إتجاه مسارات محددة. إضافة إلى المطالب الفئوية التى بدأت تزدهر، وبدلاً من مواصلة القوى الثورية دفع الحدث الثورى انصرفت تبحث عن الغنائم، بحيث أسلم حصار الحدث الثوري ومحاولة اختزاله إلى تفكيك الكتلة الشبابية، وبروز ائتلافات شبابية طورت رؤى مختلفة للمجرى الذي ينبغي أن ينطلق فيه الحدث الثورى. بحيث أصبحت نتيجة لهذا التشرذم هدفا لعنف تدفق من مصادر عديدة.
وقد شكل التيار الإسلامى أحد مصادر العنف الموجه للشباب الثائر، وذلك باعتبار أن المؤسسة الرسمية أصبحت تنتمى لهذا التيار، حيث نظر هذا التيار إلى احتجاج الشباب وتظاهراتهم السلمية احتجاجاً على التيار الإسلامى والنظام السياسى الذى ينتمى إليه. لذلك تكررت كثيرا وبصورة كثيفة مظاهر المواجهات بين شباب التيار الإسلامى بفصائله المختلفة وشباب الثوار ذى الأيديولوجيات المدنية أو العلمانية، حيث تكرر ذلك فى الإسكندرية، كما تكرر فى محافظة البحيرة، وفى مدينة المحلة الكبرى، كما تكرر فى محافظة الغربية والدقهلية، إلى جانب بعض مناطق القاهرة. وأبرزها حرق خيام المعتصمين بجانب قصر الاتحادية، والقبض على بعضهم وتقييده وتعذيبه. حسبما أشارت تقارير صحفية وإعلامية عديدة. وقد تكرر هذا المشهد كثيراً، حيث يبدأ شباب الثورة بتظاهرة سلمية، ثم ما تلبث أن تتحول إلى ساحة للعنف. حينما تصبح هدفا للعنف معها سواء من قبل أفراد التيار الإسلامى، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، أو من البلطجية وأطفال الشوارع، أو حتى من جماعات «الفلول». وتتمثل الظاهرة الثانية فى ظهور جماعات «البلاك بلوك»، التى تعتبر امتدادا لجماعات عالمية، ظهرت فى بعض الدول الغربية بسبب قضايا محددة، حيث ظهرت هذه الجماعات نتيجة للعنف المفرط الذى مارسته الشرطة الألمانية، فى محاولتها إخلاء سكان بعض المناطق لإنشاء محطة للطاقة النووية. وامتدت الحركة إلى الولايات المتحدة أثناء تظاهرات حرب الخليج، وكان من عناصرها نشطاء الأناركية «الفوضية» واللاسلطوية التى «ترفض الدولة»، حيث بدت البلاك بلوك أكثر عنفا فى عام 2011 ، حينما إحتجت على ارتفاع الأسعار، إذ قامت حينئذ بتخريب كثير من المحلات التجارية فى لندن. ومن خصائص جماعة البلاك بلوك تبنى العنف واستخدام أدواته كقنابل المولوتوف، والحجارة. كما تميل إلى الدخول فى حرب شوارع مع الأمن، وهى تنصرف سريعا بعد تحقيق هدفها. من خصائصها كذلك أنها قد تلجأ إلى العنف النوعي مثل قطع الطرق أو السكك الحديدية ، إضافة إلى التخفى خلف قناع أسود، واستخدامها لغة مشفرة على غرار حركات العنف السرية، إلى جانب أنها تضم الفئة العمرية من 16-25 سنة، ولديهم قدرة عالية على التعامل مع الفضاء الألكترونى، إضافة إلى عدم امتلاكها لأى توجه أيديولوجى أو فكرى وتوجد مجموعة من العوامل التى دفعت إلى ظهور جماعة «البلاك بلوك»، حيث يتمثل العامل الأول فى فشل القوى السياسية، فى الحكم أو المعارضة، فى استيعاب القوى الشبابية بعد الثورة. يضاف إلى ذلك أن الاستقطاب الدينى – المدنى لعب دوراً أساسياً فى ظهور الجماعة التى برزت لحماية شباب الثورة السلميين من شباب القوى الاسلامية، ومن أجهزة الأمن. تأكيداً لذلك أنه حينما أصدر النائب العام قرارا بضبط المنتمين لهذه الحركة طالبت القوى السياسية بفتح كافة ملفات العنف، ومنها أحداث قصر الاتحادية، دون الاقتصار على التعامل مع هذه المجموعة بشكل إنتقائى. يضاف إلى ذلك إتهام بعض عناصر التيار الاسلامى الكنيسة، بدعم شباب البلاك بلوك، ذلك إلى جانب رخاوة الدولة المصرية على صعيد فضاءات الأمن والقضاء والتنمية، الأمر الذى رسخ جرأة على الدولة وتشكل البلطجة والتشبيح ، حيث تظهر هذه المجموعات فى كل التظاهرات الشبابية السلمية، لتؤسس تحولا نوعيا فى التظاهرات، إذ تبدأ المظاهرات عادة بالطبيعة السلمية غير أنها سرعان ما تنقلب إلى ارتكاب بعض سلوكيات العنف، حيث تستخدم الحجارة وقنابل المولوتوف والخرطوش، ليتدخل الأمن، ويضرب الحابل بالنابل. وإذا كانت ظاهرة البلطجة تشوه وجه التظاهر السلمى، ومن ثم شباب الثورة، فإنه باستطاعتنا أن نتعرف على العناصر التى يهمها نشر هذه الظاهرة فى فضاء التظاهر.
دور أطفال الشوارع في أحداث العنف الثوري
أن أطفال الشوارع يشكلون مكونا بارزا فى هذه الظاهرة، فهم يعانون من الحرمان، وتحتوى شخصايتهم روحاً انتقامية. تسعى لحرق هذا المجتمع. الذى لا ناقه لهم فيه ولا جمل، ولا بأس أن يوجه الانتقام إلى الشرطة، التى طالما سامتهم سوء العذاب، بينما يؤكد البعض الآخر بأن البلطجية هم أدوات النظام القديم، الذى يسعى أفراده من «الفلول» لنشر حالة من الفوضى، لتكون شاهداً على انحراف الثورة، وهم يتحملون عادة تمويل ما يؤجج الحريق وينشر حالة الفوضى. بينما يذهب البعض الثالث إلى أن بعض هذه العناصر تنتمى إلى قوى الاسلام السياسى التى ترغب فى إثبات أن التظاهر يقف عقبه فى طريق الاستقرار. وتوجد شواهد كثيرة على ذلك، نذكر منها الهجوم على مقر حزب الوفد، وجريدة الوطن، وعلى مدينة الإنتاج الاعلامى، وعلى الثوار فى قصر الاتحادية، وماخفى كان أعظم. وفى أحيان كثيرة قد ينضم إلى هذه الشريحة الباعة الجائلون وأبناء الأحياء الشعبية الفقيرة الذين يتوقعون أن تتيح لهم فوضى التظاهر الحصول على بعض الغنائم.
التحرش الجنسي بالإناث الثائرون
ويعد التحرش الجنسي بالإناث وربما اغتصابهم عنوة أحد المظاهر السلبية التي ظهرت على ساحة التظاهر الثورى. وقد برزت هذه الظاهرة حينما خرجت المرأة بكثافة لتشارك فى التظاهر السلمي الذى استهدف استمرار الثورة وفى التظاهر، فى مواجهة سيطرة الإسلاميين على مقدرات الثورة. ان انتشار ظاهرة التحرش الجنسى فى دول الربيع العربى، التى سيطر عليها إسلاميون، الذين من المفترض أن يعمل دعاتهم ورموزهم وبوليسهم باتجاه مراقبة السلوك فى محاولة لإعادة أسلمة المجتمع. وإذا كانت الأجهزة الأمنية قد عجزت عن معرفة المتحرشين إلى حد اغتصاب تسع عشرة فتاة فى ميدان التحرير وما حولها فإن المنطق يشير إلى أن التحرش الجماعى يصدر عمن عادة يرفض أن تشارك المرأة فى التظاهر، بل والذي يرفض التظاهر أصلاً، وهو عادة الطرف الذى ينظر إلى المرأة نظرة متدنية، خاصة المرأة السافرة، حيث يتعامل المتحرش معها غريزيا وعنوة، حتى يكسر كبرياءها ولا تعود إلى ساحة الثورة والتظاهر من جديد. غير أن المرأة المصرية برغم كل ذلك تشارك فى نسج ثورتها، شامخة ومجيدة، بغض النظر عن تدنى الآخرين إلى مستويات غريزية وحيوانية. نجح شباب الشريحة العليا للطبقة الوسطى فى تصميم الحدث الثوري في المجتمع الافتراضي، والنزول به إلى الواقع. حيث تحرك الحدث، وأثناء حركته يكبر وتتسع مساحته مثل كرة الثلج. وحينما هبط الحدث الثوري على أرض الواقع، التحقت به شرائح شباب الطبقة الوسطى، الذين يعانون من البطالة وتوقف حركة الحياة، ثم تداعت الطبقة الوسطى، التى كانت مهددة فى نظام ما قبل الثورة بالسقوط إلى أسفل، إضافة إلى القهر الذى فرض عليها بقانون الطوارئ.
انتشار الفساد المجتمعي
كما أنتشر حولها الفساد الذي حرمها من حقها في الحصول على فرص الحياة. في أعقاب ذلك تداعى فقراء الريف والحضر، يطلبون حياة جديدة، فقد جربوا أن الثورات تأتى دائماً بالخير، وآخرها ثورة ناصر فى 1952، حيث اندفع الجميع فى محاولة للإطاحة بالنظام السياسى القائم قبل الثورة، والذى فرض الحرمان فاستحق الكراهية من الجميع. وتشكل الأوضاع المجتمعية فى أعقاب الثورة ظرفا ملائما لتفريخ العنف، ففى أعقاب نجاح الثورات العربية وجدت الجماهير نفسها فى مواجهة أنظمة سياسية، فى غالبها ذات توجهات إسلامية. تسعى إلى دفع الثورة فى إتجاهات بعينها، وبحسن نية أو عن سوء طوية، تأرجحت هذه الأنظمة بين الشرعية الدستورية والشرعية الثورية.
أخطاء أدت إلي مزيدا من العنف
وفى إطار هذا التأرجح ارتكبت أخطاء غير متسقة مع المزاج الثوري للجماهير، واستيقظت الجماهير فى مصر، فإذا بجماعة الإخوان المسلمين، قد سيطرت بوضع اليد على الثورة. ، وأدركت الجماهير، خاصة شرائح الشباب، أن تدينها هو تدين معتدل، وسطى وبسيط، عملا بقول رسولنا الكريم «اللهم الهمنى إيمان البسطاء». ترفض هذه الجماهير القتل باسم الدين كما يفعل الجهاديون، كما ترفض هذه الجماهير، الهروب إلى الماضى كما يذهب السلفيون، لأن الإسلام دين التقدم وإلى الأمام. كما يستبعدون استخدام الدين لقداسته، فى إتجاه تحقيق مآرب سياسية، والقفز على السلطة كما يحاول الإخوان المسلمون. بينما رسولنا الكريم مارس السياسة بعد استكمال بناء المجتمع المتدين، لم يدفع للفقراء زيت ولا سكر، بل قال من غش أمتى فليس منى. ومن الطبيعي أن يقع العنف بين الذين يمارسون الدين بنقاء وطهارة، وبين الذين يتاجرون بالدين فى سوق نخاسة. وإذا كانت الجماهير التى قامت بالثورة قد تغيرت صورتها عن ذاتها، فهى التى صنعت الثورة، ومن الطبيعى أن يؤكد ذلك انتماءها لمجتمعها. فإذا تراجع أداء النظام السياسي فى أعقاب الثورة، وإذا أدركت الجماهير أن الآمال تتساقط من بين اصابعها، فإنها تدرك أن رأس النظام السياسى قد أخل بمضامين العقد الاجتماعى، الذى سطرته أصابع الناخبين وقت الاقتراع عليه. فى هذه اللحظة تدرك الجماهير أن الثورة هى التى أعادت إليها روحها، وإنتماءها وكبرياءها، وهى الآن فريسة سوء الأداء السياسي والاقتصادى على السواء، الأمر الذى يهدد بعودة الحالة السابقة على الثورة من جديد. فى هذه الحالة تحدث حالة من التوحش الشعبى، إذا لم يستجب النظام السياسي لمطالبها المشروعة، فإنها قد تنحدر إلى حالة من الفوضى، غير محمودة العواقب.
تأكيدا لذلك حالة الانتفاضات الجماهيرية التي انحدرت إلى العنف، وسقوط قتلى أو شهداء، فإذا عجز النظام السياسي عن إدارة الأزمة، فإن الجماهير تصبح قابلة لكل سلوكيات العنف المحتملة، حتى لا تضيع الثورة. وعلينا أن ننظر إلى استمرار العنف الجماهيري على ساحات الثورات العربية، باعتبارها خوفا على الثورة، التي أكدت الكبرياء والشموخ، ودعمت الانتماء والارتباط بالوطن. تغيرت أشياء كثيرة فى سيكولوجيا المجتمعات العربية ومنها مصر، فلم يعد الحاكم سليل الفراعنة، ولكنه أصبح أحد أبناء الكادحين فى هذا الشعب، ومن ثم فقد سقطت عنه هالة الفرعون. كما تآكلت قابلية الخضوع لدى الجماهير، وأصبحت المساءلة والتمرد والرفض مفاهيم دخلت فى قاموس حياتها اليومية. كما أنها أصبحت جماهير أكثر وعيا، تدرك ضرورة الحرب على الفساد، وتؤكد على أهمية التحول الديموقراطى. كما تدرك أهمية الاتجاه مباشرة إلى حل المشاكل الاقتصادية للجماهير التي صبرت كثيراً. فإذا لم يحقق النظام السياسي ذلك، فإن التظاهر كمظهر للاحتجاج يصبح واجبا، وهو مقدمة للعنف حينما تتصادم الإرادات.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أصبحت الدولة متناقضة، فهي أمام العالم الخارجي والقوى العالمية خاضعة ومطيعة، غير أنها مستأسدة على شعوبها، وإذا كانت الشعوب قد ثارت على التبعية، فإنها تثور وتعنف وتتظاهر، حينما تدرك أنه أصبح للتبعية موطئ قدم من جديد يضاف إلى ذلك أنها دولة تفتقد القدرة على الإبداع، سواء فى التعامل مع شعبها، أو فى مواجهة المشكلات الواقعية، التى تعانى منها الجماهير، أو فى إزالة حالة الاحتقان السياسي وحل تعقيداتها. سلوكها هروبى، تتسبب فى صنع المشاكل ثم تختفى وراء جدران القصور، الأمر الذى أسس حالة من الجرأة عليها، خاصة من قبل جماهير عانت من الحرمان طويلاً. كسرت حاجز الخوف، تأكيداً لذلك الهجوم المتتابع على قصر الاتحادية فى مصر، وكل القصور فى ثورات الربيع العربى. يضاف إلى ذلك أن الدولة لم تعد وحدها تحتكر العنف، كما يؤكد تنظير الاجتماع السياسى، الذى يؤكد على ضرورة احتكار الدولة وحدها لحق ممارسة العنف، وفق القانون لفرض النظام. دون الخضوع لطائفة أو جماعة أو طبقة. غير أننا نلاحظ فى بعض دول الربيع العربى مثل تونس ومصر أن الدولة لم تعد تحتكر العنف، بل ثمة جماعات غامضة من البلطجية تارة، أو بعض فصائل التيار الاسلامى تارة أخرى، أو القناصة وقتلة الثوار تارة ثالثة، أصبحت هى الأخرى مؤسسات تمارس العنف ، وهو الأمر الذى يدفع الأطراف التى يوجه إليها العنف إلى ان تعنف هى الأخرى فى المقابل، ونتيجة لذلك تنتشر حالة من الفوضى.
الانسداد السياسي
يضاف إلى ذلك أن بعض دول الربيع العربي بعد القيام بثوراتها أصبحت تعانى من حالة من الانسداد السياسى، حيث تتجه غالبية الأنظمة السياسية بعد الثورة إلى تهميش غالب القوى السياسية. كما تتجاهل المطالب الثورية، التى تظل عالقة فى فضاء المجتمع، والتى تستنفر الجماهير لتطرق سلوكيات العنف. يضاف إلى ذلك محاولة اختزال بعض النظم السياسية، الدولة لصالح الجماعة أو الفئة التى ينتمى لها رأس النظام السياسى، أو محاولة اختزال الديموقراطية إلى ديموقراطية الصندوق المصاب بالعبث أحيانا. ذلك إلى جانب ميل الأنظمة السياسية التى تشكلت فى أعقاب الثورات، إلى الاحتكام للعصا الأمنية فى تعاملها مع الجماهير ، وكأن شيئا لم يتغير، وأن ثورة لم تتفجر.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.