جلست مع نفسي خِلسة من الوقت ، وجعلت أفكر كثيراً ، ثم أدرت عجلة التفكير داخل ذهني مرات عديدة ، وأنا في حالة تركيز جم ، محاولاً إيجاد تعريف واضح المعني لظاهرة التحرش التي باتت تضرب بكل جسد الوطن العزيز ، ووصل بي حدود تفكير ذهني في نهاية الأمر بأن التحرش هو ذلك الفعل الفظ الفاحش الفاضح لصاحبه ، المنافي للآداب والخارج عن جميع حدود الأدب ، سواء باللفظ الخادش أو بخائنة الأعين من نظرات تتجه صوب جسد المرأه ليست حلالاً لناظرها ، أو محاولة لمس جسد المرأة أو مجرد الاقتراب من هذا الجسد بغرض مضايقتها أو إشباع رغبة شهوانية من جانب شخص أجنبي عنها ، معدوم الخُلق ، لا يحِكِم عقله لبرهه ، فيما يفعله ، أهو عيب يجب إجتنابه أم وسوست له نفسه وزينت إقترابه من التحرش فرأي المتحرش خطئه ، وكأنه فعلاً حسناً لا يُلام عليه !! والتحرش هو ذلك الجُرم القاتل للحياء والعفه ، وهو العيب المخزي الذي يهدف للنيل من جسد النساء والفتيات والبنات الصغريات ، وهو تلك الظاهره الخبيثة التي انتشرت لتقلص الأخلاق في بلدنا ، وانتشار ظاهرة العُري والملابس الضيقة والشفافة ، والملابس التي وجودها كعدمها - أحياناً- علي جسد المرأه . ورغم هذا كله فكان لزاماً علي المجتمع بكل طوائفة ورجال دينه أن يحرِم التحرش بشدة وبقوة القانون ، ويجرِم تلك الظاهرة التي تحاربها الأعراف والعادات المجتمعية التي تربينا عليها ومن قبلنا استنكرها أجدادنا منذ زمن مضي وإنقضي . والتحرش ليست ظاهرة جديدة علي الشعب المصري ، وإنما تحمل تاريخ سيئ وماضي قاسي يطارد أصحابه كالشبح المرعب ، وتقذف بالحزن والحسرة والندم في نفوس ضحايا التحرش الذين كادوا أن يفقدوا - إن لم يكن فقد بعضهم - أعز ما لديهم من شرف ، وعِرض غالي ، وعزة نفس لأجل إرضاء شهوات شيطانية ونزوات جنسية بشعة تملكت من أنفس عدماء الباحثون عن اللذه الحرام من بني البشر. تجدد الميعاد لظهور التحرش بصورة سيئة مهينة ، لم يتعود المصريين علي مثلها من قبل ، وكان الميعاد مع تلك الواقعة التي كادت أن يلين لهولها الحجر، وأن ينشق لوصفها القمر ، وأن تنهمر الدموع بحوراً واسعة حزناً علي ما قام به مجموعة من الحيوانات في صورة آدمية وإقدامهم علي التحرش بسيدة متزوجة ، لا حيلة لها ولا قوة ، ولكي يسجل ميدان التحرير الثوري حادثة بشعة ، شهد عليها الملايين الذين حضروا للاحتفال بفوز الرئيس الجديد للبلاد . إزدادت الأمور بشاعة وتطورت حالة التحرش الجنسي بسيدة التحرير ، وأمتدت إليها أيدي المتحرشين بوحشية غير مسبوقة ، ونالوا من جسدها ما نالوا ، مما هدد مستقبلها النفسي والمعنوي والإجتماعي ، حتي قام بعض أرباب المروءة والشهامة ، بإنقاذها من أيدي المجرمين ، وأسرعوا بتحويلها للمستشفي لإسعافها ، حيث فوجئ بها الأطباء والذين قرروا تخييط عشرون غرزة كاملة حول الجهاز التناسلي لتلك الفتاه المسكينة .. الأمر الذي أدي لإشتعال الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، وغضب الشعب المصري علي قلب رجل واحد ، تلك الموجة الشديدة من الغضب الحارق المزلزل ، هذه الموجة التي لم يخمدها ، صدور عاجل لقوانين وقرارات لإنزال أشد العقوبة علي المتحرشين بالقول أو بالفعل حتي يعتبر ما تسول له نفسه مجرد الاقتراب نحو تلك الجريمة التي دخلت قانون الجنايات لتغليظ عقوبة التأديب لمرتكبيها . ليست جريمة التحرير بالقاهرة ، هي الأولي من نوعها ، التي يفاجئ بها المصريون من غير موعد ، ولعلها لن تكون الأخيرة ، لأننا نري ونراقب ونستنكر بألم نفسي شديد ، أفعال التحرش التي تحدث يومياً ووقتياً في وسائل المواصلات العامة التي باتت تشبة علب السردين من حجم ازدحامها وتكدسها بالركاب ، وكذلك تجد التحرش داخل ساحات الحرم الجامعي خاصةً مع انتشار موضة الملابس الضيقة والقصيرة والمجسمة لأجساد الطالبات الجامعيات المغرمات بهذا النوع المنبوذ من الملابس . وعلي الدوام تري ظاهرة التحرش موجودة بصورة ملفته للأنظار وسط التجمعات ومناطق الازدحام الكبري مثل الأفراح وخاصة التي تتم بالشوارع ويكون معظم مدعوها من أصحاب الكيف وشاربوا المخدرات ، وكذلك تري التحرش في الأماكن الحكومية التي يكثر فيها تعامل موظفو الحكومة مع المواطنين ، حتي الموالد الكبري التي تقام في القاهرة وبعض محافظات مصر ويحتشد فيها الألاف من الأشخاص لم تخلو من التحرش والمتحرشون . وكانت الصفعة بمثابة صفعتين عندما إمتد التحرش للأماكن التي يفترض أن نتجمع فيها كمصريين مخلصين علي شكل جموعاً وجماعات وفرق ومعسكرات لأجل التظاهر والمناداه بحرية الرأي والتعبير والمطالبة بحقوقنا كمواطنين ، نذكر ما لنا ، ونعترف بما علينا ، حيث تجد بنات مصر وسيداتها الشريفات العفيفات ، واللاتي يقفن ويشاركن بالرأي والشوري والفكر السليم ، وهن يتعرضن في وسط الزحام ، لحوادث تحرش متعمدة إما من جاهل أو فاجر أو فاقد للكرامة ، حينما تجرأه أحياناً ، سوءات نفسه أن يتطاول علي جسد الفتاة أو السيدة التي تقف أمامه أو جانبه أو بالقرب منه ، غير مبال أن لو كانت تلك الأنثي هي زوجته أو أمه أو أخته أو قريبته في مكان تلك الفتاة ، التي استحل جسدها المحرم عليه ولو باللمس ، ولكنه وقتها لا يري إلا شيطاناً زيَن له لذه جنسية ، وأراد المتحرش المجرم أن يشبع هذه اللذه ، مهما كان الثمن الذي سيدفعه ، ومهما كانت العواقب التي ستنزل عليه كالصاعقة !! ومع ذلك كله ، فنحن لا نرمي بالذنب كاملاً علي الشخص المتحرش فقط ، فأحياناً تكون الأنثي التي تتعرض للتحرش في وضع شبه عاري ، يدعو للتحرش الفوري ، بسبب ما ترتديه من ملابس شفافة أو ضيفة ، وبسبب بعض المكياج التي تضعه علي وجهها وجسدها بهدف إجتذاب الناقصين وأصحاب الشهوات ، وهو ما يستنكره كل منادي بالإحتشام والأدب ، فإذا ما تعرضت هذه الأنثي للتحرش علي حالتها تلك ، فلا تلومن إلا نفسها وشيطانها !! أما إن كان الشاب أو الفتي هو من يتعرض للتحرش ، فالمشكلة تكون أعظم وأفظع حالاً ، لأن هذا يدل علي حاجة الفتيات لإشباع إحتياجات جسمانية خاصة بالجنس الذي يعد علاقة أساسية ، وحتمية لا غني عنها بين الذكر والأنثي بسبب غريزه فطرية من عند الله . وكما تلاحظ بأن تلك الأنثي ترغب في الزواج ، وربما تأخر قطار زواجها لأي سبب كان ، فدخلت قوائم العوانس ، مما يصيبها بحالة نفسية سيئة تزيد مع تقدم العمر بها ، وهو مما يدفعها للجوء للتحرش أو الإقدام علي ما حرم الله لإشباع رغبة الجنس الدفينه داخلها وداخل كل سيدة وفتاة طبيعية خلقها الله علي وجة الأرض !! إذن ما الحل يا سادة يا كرام ، ومن المسئول ، وما كيفية الخروج من تلك المشكلة ، خصوصاً عندما نكتشف أن مشكلة تأخر الزواج أو عدم تيسير أموره لراغبيه ، من الأسباب التي تؤدي للجوء إلي الإنحراف والحبو نحو أول خطواته وهو التحرش . وعندما يعتقد المتحرش والمتحرشة - أيضاً - أن إقدام أياً منهما علي خطيئة التحرش ، ما هي إلا أفعال يفعلها ، بحجة عدم القدرة علي الزواج ، بينما لا يدري كلاهما أنهما يقعا في ذنب كبير ، هو من أشد المحرمات التي تغضب الذات الإلهية . المشكلة كبيرة ولا نستهون بها ، ولكي نجد حلولاً لها أمر ليس بالهين ، ويحتاح التكاتف ، وسؤال أهل العلم والدين والرأي وكذلك الشوري للوصول لمخرج كريم من تلك الأزمة ، وألا ندخر جهداً في الدفاع علي أعراضنا وأعراض كل مستغيث ومستنجد بالغير سواء كان قريب أو بعيد ، ولكي نحارب التحرش بكافة صورة القبيحة ، ما ظهر منها وما بطن ، ولا ينسي الإعلام دوره الهام في التوعية بمخاطر التحرش وكذلك توعية الغافلين ، وكيفية التعامل مع تلك المشكلة من تبليغ فوري للسلطات المختصة ، وتعقب كل متحرش أو متحرشة ، حتي ننقذ جسد الوطن من الداء القاتل الذي سكنه واستوطن فيه ، وحتي تظل مصر هي الحصن الآمن لأبنائها ولضيوفها المكرمين من كل مكروه وسوء .. وكل جبان متحرش !!