غيرت موعد ذهابى للعمل منذ أسبوع , فأنا فى الواقع لا أحبذ الذهاب للعمل فى الصباح الباكر , فهى فكرة سيئة جدا , فعلى الأقل مدة ساعة و نصف أو ساعتين تضيع فى حكاوى الصباح , و أخبار الأولاد و البيت , و فى الواقع أيضا أفضل أن أنهى أهم أعمالى المنزلية صباحا و أدخل على النت و أكتب لأولاد أخى و أصحابى و قد أقوم ببعض المكالمات التليفونية الهامة و التى تتعلق بإدارة بعض شئون عيلتى و أدون أهم ملحوظات بما يجب إنجازه و متابعته فى نهاية اليوم ثم أذهب الى المكتب بعد ذلك و منذ ذلك الوقت أصبحت أقابل كل يوم سيدة فى الثمانين من عمرها أو يبدو عليها هذا ,,و هى مكتملة الزينة و ترتدى ترينينج سوت و كوتشى و كاسكيت و تحمل معها زمزامية تلفها بحزام حول وسطها و تستمع للووكمان و تسير بجدية , لا تجرى ولا تتباطأ و يبدو أنها تتريض ,, و لكن بالفول ميكاب ,,, يوميا لمدة أسبوع و أنا أقابلها فى الطريق حتى أنه ربما كيفما لفتت نظرى فأنا أيضا لفت نظرها أو ربما لأنها وجدتنى أنظر إليها بإعجاب , فقد حيتنى اليوم لأول مرة منذ أن تقابلنا صدفة فى الطريق الى المكتب ,,,,, فرحت جدا بتحيتها لى , لست أدرى لماذا ؟؟ و لكننى عندما ذهبت للمكتب أخبرتهم أنى أريد أن أعتزل مبكرا و أقضى باقى حياتى أتريض فى الصباح بالترينينج سوت و الووكمان و بالفول ميكاب مثل صديقتى الرياضية النشيطة تلك ..... فأخذتنى صديقة من يدى و أرتنى صورتى فى المرآة قائلة ,, تريدين الإعتزال كى تضعى فول ميكاب ,حضرتك نسيتى تضعى شوية روج او حتى روجوجوه أو كحل ,, إنت لا يوجد منك أمل ذكرتنى صديقتى الرياضية تلك بسيدة كانت تعمل معى فى شركة ديكور فى عمارة فينى بالدقى أثناء دراستى الجامعية , كانت تدعى مدام فيفىان وأنا أطلقت عليها مدام فستقة , لأنها بالرغم من كونها كانت كبيرة فى السن بالنسبة لى جدا , فقد كنت فى هذا الوقت لم أصل للعشرين بينما هى كانت شارفت على الخمسين ,, وبالرغم من كونى كنت رياضية , و كنت يوميا أصعد السلم للدور ال13 على قدمى , هذا بالطبع ليس لأنى رياضية فقط وإنما لأنه رغم أن العمارة بها 2 أسانسير إلا أنهما كانا دائما التعطل , فكنا نضطر للصعود على الأقدام ,, فقد كنت صغيرة و أيضا رياضية لأنى كنت بلعب جمباز الى وقت قريب من ذاك الوقت فقد كنت أصعد السلم جرى ,, فكانت تشيد بلياقتى و خفة حركتى و نشاطى ,,,, هى أيضا كانت نشيطة كالنحلة طوال يومها حركة وعمل وكلام و لا تكل و لا تمل ,, برغم أنه كان أحيانا يصل بنا الحال الى التعب و الشعور بالإرهاق فى نهاية اليوم أنا و فريق العمل طبعا فكانت تصيح بنا هيا يا عجزة , نعم أنتم أسن منى و أكبر , من فى مثل سنكم لا يجب أن ينطق بكلمة تعبت إطلاقا أتذكر الآن هذه السيدة مدام فستقة , و أضحك من كل قلبى ,, و تذكرت أنه كان يوما إنقطع التيار الكهربى و نحن نصمم ديكورشقة فى الدور ال 25 , وظللنا ننتظر الى الساعة الخامسة و أصبح من الخطر الإستمرار لأنه قد نضطر الى المبيت فى هذه العمارة التى لا يسكنها أحد و بداخل هذه الشقة الغير مأهولة و لا نملكها صحيح أننا لدينا مفتاحها و لكن صاحبها كذلك و من يدرى ؟؟؟ ماذا يمكن أن يحدث , هذا غير أننا أستغرقنا العمل و لم نتناول أى طعام طوال اليوم و بالطبع ليس معنا أكل ,, يعنى هلكانين و جوعى و 3 ستات فقد كانت معنا زميلة أخرى - مهندسة ديكور و أخيرا قررت مدام فستقة أن نترجل , ننزل السلم على أرجلنا ,,, فلم تكن لى مشكلة , و لكن لأن مدام فستقة كانت دائما تلبس كعب عالى , فقد أصرت أن تمسك بيدى أثناء النزول على السلالم ,,, كنت أفضل النزول جرى , و لكن طبعا لأنها عمارة جديدة تكاد تكون مهجورة يعنى , و لإحساسى بالمسئولية تجاه مدام فستقة , وافقت أن تمسك بيدى ,, و لكنها لم تكن فى الواقع تريد الإمساك بيدى , بل كانت تريد الإتكاء على ,,,,, لأول مرة أحسست بالسن الحقيقى لمدام فستقة ,, فقد رمت بثقل جسمها كله على ذراعى ,, عندما وصلنا الى الدور الأرضى بعد تقريبا نصف ساعة أو ما يزيد لأننا ننزل 25 دور بالكعب العالى تبع مدام فستقة و التى ترمى بكل حملها على ذراعى النحيف الضعيف ,,, فما كان من ذراعى المسكين إلا أن نمل و خمل حتى إننى لم أستطع أن أرفعه للإشارة الى التاكسى و ذلك طبعا بعد أن تخلصت من مدام فستقة بركوبها سيارتها ,,, و بصعوبة دخلت فى التاكسى مع إحساس بأن نصف جسمى اليمين مشلول تماما و عندما وصلت الى بيتى , تشتحت فى السرير لا أقدر على التنفس و جسمى كله يؤلمنى , و تولت رعايتى أمى رحمها الله و كانت مازالت على قيد الحياة ,,, و بعد أن إسترديت قوتى و عادت لى روحى , تذكرت مدام فستقة ,, و لطيبة قلبى رفعت سماعة التليفون للإطمئنان عليها , و كنت فى شدة القلق عليها إذ إننى و أنا فى ثلث عمرها تقريبا أكاد أنتهى من رحلة النزول اللعينة تلك فما بالى بها حبيبتى كبيرة فى السن و الكعب مشكلة برضه ,,,,, و لكن ما يضحكنى جدا الآن و ما أبكانى وقتها من شدة الغيظ ,, أنها ردت على بكل هدوء و إعتذرت بعد أن طمأنتنى على صحتها عن عدم القدرة فى التطويل فى المكالمة لأن أخصائى التجميل ( مساج و مانيكير و باديكير و ....... الخ ) لديها الآن ,, و هى تقوم بهذه اللقاءات بصفة دورية كل أسبوعين ..... أغلقت السماعة و تركتنى أبكى و أضحك و أصرخ من الغيظ طبعا أنا لم أذهب للعمل فى اليوم التالى , لأن جسمى كله كان فيه ألم غير عادى فقد إحتملت مدام فستقة طوال نصف ساعة نزولا عبر 25 دور ...... فإذا بها تتصل بى لا لتطمئن على صحتى ,, و لا لتخبرنى حتى بتعطل نصيبى من العمل ,,, و إنما لتخبرنى بأنها قد خصمت لى اليوم , و إعتبرته غياب بدون إذن لست أدرى لماذا تذكرتها الآن ؟؟؟ وما هو الرابط بينها و بين صديقتى الرياضية ,, ربما السن , ريما الإحساس الأنثوى الطاغى رغم الطعن فى السن , ربما الإحتفاظ باللياقة و المداومة على الأناقة و المظهر العام , ربما تذكرتها و تساءلت هل يا ترى عندما أكون فى مثل تلك السن , ماذا سيكون شكلى , حجمى , لياقتى , صحتى , ,,, و الأهم هل سأكون هنا؟؟؟؟؟؟؟؟