دار بغداد كرخا ورصافة باحثا عن عينين سوداوين التقاهمامرة في احدى ليالي الف ليلة وليلة ... فوق جسر شهير في بغداد يطلق عليه الجسر المعلق احد معالمها وجزء مهم من تاريخها ...الجسر يربط بين جهتي النهر اي بين الكرخ والرصافة . راح يمشي بخطوات متسارعة بعيدة عن الاتزان عيناه زائغتان لاتركزان على شيىء معين وكأنه ام اضاعت طفلها في زحمة العيد ...... حدق في وجوه القادمين والغادين بفضول اثار ريبتهم واستغرابهم وهو يردد قول علي بن الجهم : عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري كلت قدماه.... وسيحت الشمس جزء من دماغه العنيد........ العرق يتصبب من انحاء جسده النحيل المتعب بلل صدر وظهر قميصه الذي اختفت خطوطه خلف كمية من بقع الزيت والعصائر فبدا وكأنه فأر قد خرج للتو من غطسة في بالوعة............. صادفته قهوة عتيقة .... عتيق كل ما ومن فيها ...الصور المعلقة على حائطها المتعب لأشخاص بلت عظامهم مغطاةبطبقة كثيفة من الدخان الاسود القاتم المتراكم على مدى سنين طويلة... رائحة الحطب تملأ المكان وصبي القهوة والذي يجري هنا وهناك تبعا لطلبات الزبائن لا تنفك عيناه تدمعان لدخان الحطب وهو يحرك المروحة اليدوية يسارا ويمينا لتشتعل النار فقد استغل صاحب القهوة انقطاع الكهرباء المستمر وجعل كل شيء في القهوة بعيد عن الحاجة اليها حتى الراديو جعله يشتغل على بطارية مشحونة ... مرتادوا القهوة تشعر وانت تنظر اليهم كأنهم من عصور قديمة لاتمت الى عصرنا بصلة ملبسهم اشكالهم يطلقون لحاهم لتبتلع نصف وجوههم التي لوحتها الشمس............ البعض منهمك في لعب الطاولة والبعض في الدومينو والبعض لاهذا ولا ذاك فضلوا الحديث بصوت عال عن همومهم ... ومتاعبهم ...... بينهم من يدخن النارجيلة يسحب انفاسا عميقة من فم خرطومها المتدلي حتى يدخل خديه داخل فيه ويزفر مع الدخان الخارج معاناته ...وهناك من تترنح اعقاب السجائر بين اصابعم المصفرة وشفاههم الجافة المتشققة الحر شديد ومع ذلك لا يتوقفون عن احتساء الشاي الساخن والساخن جدا... الاصوات تتوالى على المسكين صبي القهوة ابني..اريد شاي حار مو عصير اخذة وجيبلي غيرة مو شلعت قلبي واخر يجره من ثيابه تعال يامعوّد وكعت ذبانة بالاستكان مالت الشاي اخذة وجيبلي غيرة قبل ما أكسر الأستكانة على راسك... مابقى بس نشرب جاي ابو الذبان كلشي شربنا وكلشي اكلنا الحصار ماخلى شي يعتب علينا .... اتحرك ابني انت شكد بارد .... لاتنسى تغسل الأستكانة زين بالصابون ويرد الصبي وهو يسحب ثيابه من يد الرجل عمي مشايفني وحدي كلشي براسي ويصيح رجل يجلس في الخلف عيني ابو علاوي يكولون اللي توكع باستكانته ذبانة تجيلة هدية فيرد ابوعلي اي والله بلكي تنكة دهن لو كيس تمن لوطحين أبيض كلنا صار عدنا التهاب بالقولون من ورة هذا الطحين اللي دناكلة اشكال والوان بي حتى خشب شنو فرقنا عن الحيوانات.... ابني علّي صوت الراديو خلي الغزالي يبدع دلف صاحبنا القهوة...واختار زاوية بعيدة عن الشارع يمعودين لحقوني بدولكة ماي دخيلكم راح اموت من العطش.... رحم الله والديكم سارع الصبي وناوله دولكة كبيرة تفضل عمي اشرب بالعافية تناوله بلهفة ساكبا نصفه فوق رأسه وجيب قميصه متجرعا الباقي الاكف تصفق والرؤوس تتمايل والغزالي يصدح يا ام العيون السود ماجوز انا ما ان سمع الاغنية حتى هب مسرعا وغادر وكأن عقربا لدغته الصبي يتبعه مسرعاويصيح ..... عمي الجاي ... ابو الهيل استاذي ....حار والله وعلى الحطب لم يأبه له وراح يركض على غير هدى عاد للجسر...هابطا اسفله قاصدا النهر ...... لوّح بيديه لصياد بقارب وسط النهر يهم برمي شباكه صاح بأعلى صوته نعيم...... شفتها مرّت منا ...... رد نعيم بأيماءة من رأسه واشارة من يديه بالنفي ارتقى الجسر مرة اخرى منتقيا نقطة في منتصف المسافة ...اسند مرفقيه على حافة الجسر ناظرا الى الكرخ مرة والرصافة اخرى علّه يجد ضالته يوما..... نشرت في الصحف البحرينية عام 2005 هناك بعض المفردات العراقية العامية ارجو ان لاتصعب قراءتها