«البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    حسين هريدي ل«الشاهد»: الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حول رفح متعلق بطريقة الاجتياح    استشهاد فلسطينيين اثنين خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي بلدة دير الغصون شمال طولكرم    أسعار النفط تسجل أكبر تراجع أسبوعي في 3 أشهر    بالصور.. وزير الشباب والرياضة يتفقد معسكر "يلا كامب" بمدينة دهب    بعد «اتفاقية التكييف».. محافظ بني سويف: تحوّلنا إلى مدينة صناعية كبيرة    عيد العمال الليبرالي    رئيس «إسكان النواب»: توجد 2.5 مليون حالة مخالفة بناء قبل 2019    إدخال 349 شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة من معبري رفح وكرم أبو سالم    البيت الأبيض: بايدن يستقبل العاهل الأردني الأسبوع المقبل    موريتانيا.. أقدم معارض يدعم الرئيس الغزواني في الانتخابات المقبلة    بلباو ب9 لاعبين يهزم خيتافي على ملعبه في الدوري الإسباني    أخبار الأهلي : عاجل .. استبعاد 11 لاعبا من قائمة الأهلي أمام الجونة    بحضور 25 مدربًا.. اتحاد الكرة يُعلن موعد الدورات التدريبية للرخصة «A»    تير شتيجن على موعد مع رقم تاريخي أمام جيرونا    التحقيقات تكشف سبب مقتل شاب علي يد جزار ونجله في السلام    تحرير 12 محضرا تموينيا خلال حملة مكبرة في البحيرة    حدث بالفن| مايا دياب تدافع عن نيشان ضد ياسمين عز وخضوع فنان لجراحة وكواليس حفل آمال ماهر في جدة    أصالة تشيد بأداء آمال ماهر    حظك اليوم برج القوس السبت 4-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج الحوت السبت 4-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ريم أحمد تتعرض للإغماء في عزاء والدتها بالحامدية الشاذلية (صور)    آمال ماهر تتألق بأجمل أغانيها في جدة | صور    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    5 فئات ممنوعة من تناول الرنجة في شم النسيم    عمرو أديب ل مصطفى بكري: التعديل الوزاري إمتى؟.. والأخير يرد    لعنة تخطي الهلال مستمرة.. العين يخسر نهائي كأس الرابطة من الوحدة    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    علي ربيع لجمهوره: سعيد بكلامكم الجميل عن فيلم "عالماشي"    كيف يعاقب قانون العمل المنشآت الممنتعة عن توفير اشتراطات السلامة المهنية؟    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل جيفارا شهيدُ الإنسانيّةِ وقضايا الظّلم!
نشر في الواقع يوم 29 - 02 - 2012


بقلم : الكاتبة أمال عواد رضوان
تخرّجَ بشهادةِ طبٍّ عام 1953، جعلت ارتباطَهُ وطيدًا بطبقةِ الفقراءِ والمظلومينَ والمنبوذينَ والمرضى المحرومين بسببِ التّفاوتِ الاجتماعيّ، بعدما تأثّرَ بمشاهدِ بؤسِ الفلاّحينَ الهنود، واستغلالِ عمّالِ المناجمِ الأمريكيّةِ في تشيلي فكتبً:
"أؤمنُ بأنّ النّضالَ هو الحلُّ الوحيدُ لأولئكَ النّاسِ الّذينَ يُقاتلونَ لتحريرِ أنفسِهم، والثّورةُ قويّةٌ كالفولاذِ، حمراءُ كالجمرِ، باقيةٌ كالسّنديانِ، عميقةٌ كحُبِّنا الوحشيِّ للوطن"!
إنّهُ أرنستو تشي جيفارا الكوبي الثّوريّ ، الّذي تزوّجَ عام 1955 مِنَ المناضلةِ هيلدا أكوستا وأنجبَ طفلةً، وحينَ سافرَ للمكسيكِ التقى بفيدل كاسترو، وإيمانًا منهُ أنّ "الإمبرياليّةَ نظامٌ عالميٌّ ومرحلةٌ أخيرةٌ مِنَ الاستعمار، يجبُ أن تُهزَمَ بمواجهةٍ عالميّة"، انضمَّ للثّورةِ الكوبيّةِ كطبيبٍ في البعثةِ، الّتي ستحرّرُ كوبا مِن دكتاتوريّة باتيستا.
لماذا، وهو أرجنتينيُّ المولد؟
"لا يهمُّني متى وأين سأموتُ، ولا أعرفُ حدودًا، فالعالمُ بأسْرِهِ وطني، وإنّ الطريقَ مُظلمٌ وحالكٌ، فإذا لم تحترقْ أنتَ وأنا فمَن سينيرُ الطّريق؟ إمّا أن ينتصرَ أو يموت، وكثيرونَ سقطوا في طريقِ النّصرِ الطّويل، والثّوّارُ يملؤونَ العالمَ ضجيجًا كي لا ينامَ العالمُ بثِقلِهِ على أجسادِ الفقراء، ولن يكونَ لدينا ما نحيا مِن أجلِهِ، إنْ لم نكنْ على استعدادٍ أن نموتَ مِن أجلِهِ".
دخلَ جيفارا كوبا مع ثمانينَ ثوريًّا كوبيًّاعلى ظهر زورق، ومارسوا حربَ العصاباتِ مِن عام 1956- 1965، بقيَ منهم عشرةُ ثوّارٍ فقط، وبرزَ جيفارا كقائدٍ شرسٍ برتبةِ عقيدٍ وليسَ مجرّد طبيب، بسبب إقدامِهِ وسرعةِ بديهتِهِ في الأزمات، وفي عام 1959 طلّقَ زوجتَهُ الأولى، وتزوّجَ إليدا مارش وأنجب منها 4 أبناء، وصدرَ قانونٌ كوبيٌّ أعطاهُ حقَّ الجنسيّةِ والمواطنةِ الكاملة، ومِن ثمّ تولّى منصبَ رئيسَ المصرفِ الوطنيّ عام 1959، ووزارةِ الصّناعةِ عام 1965، ومناصبَ أخرى تصدّى مِن خلالِها لتدخّلاتِ الولاياتِ المتّحدة، وفي عام 1965 اختفى مِن كوبا، بعدما تركَ رسالةً لكاسترو مفادها:
"أشعرُ أنّي أتممتُ ما لديَّ مِن واجباتٍ تربطُني بالثّورةِ الكوبيّةِ على أرضِها، لهذا أستودعُكَ وأستودعُ الرّفاقَ، وأستودعُ شعبَكَ الّذي أصبحَ شعبي، وأتقدّمُ رسميًّا باستقالتي مِن قيادةِ الحزبِ ومِن منصبي كوزير، ومِن رتبةِ القائدِ ومِن جنسيّتي الكوبيّة، فلم يَعُدْ يربطُني شيءٌ قانونيٌّ بكوبا".
ما الّذي استدعى قرارَ جيفارا الفجائيّ؟
جاءَ ردُّهُ ناقدًا لاذعًا للحُكّام ولمسيرةِ الثّورةِ لاحقًا:
"إنَّ الثّورةَ تتجمّدُ، وإنّ الثّوّارَ ينتابُهم الصّقيعُ حينَ يجلسونَ فوقَ الكراسي، وأنا لا أستطيعُ أن أعيشَ ودماءُ الثّورةِ مُجمّدةٌ داخلي"!
هل يُطالبُ بمزيدٍ مِن الثّوريّةِ والدّمويّةِ؟
إنّما رفضَ فكرةَ مَن حاولَ التّسلّقَ على أكتافِ الآخرينَ والمُجاهدينَ في اتّحادِ الجمهوريّاتِ السّوفييتيّةِ وكوبا، أو الاعتمادَ المتزايدَ على الاتّحادِ السّوفيتيّ، لذا قرّرَ الانسحابَ!
ما الّذي يدفعُ جيفارا للبحثِ عن قضيّةٍ ثوريّةٍ عالميّةٍ أخرى؟
"إنّني أحسُّ على وجهي بألمِ كلِّ صفعةٍ تُوجَّهُ إلى مظلومٍ في هذهِ الدّنيا، فأينما وُجِدَ الظّلمُ فذاكَ هو وطني!"
لكن؛ وإنْ كنتَ أمميًّا، فمَن نصّبَكَ وصيًّا على المظلومين، ومُحرّرًا لهم بحربِ العصاباتِ؟
"أنا لستُ مُحرّرًا، والمُحرِّرونَ لا وجودَ لهم، فالشّعوبُ وحدَها هي مَن تُحرّرُ نفسَها".
الثّائرُ جيفارا توخّى حربَ العصاباتِ عاملاً مساعِدًا للثّورةِ مِن أجلِ حياةٍ تستحقُّ العيش، لذا توجّهَ إلى الكونغو، وواجهتْ فكرتُهُ ومساعيهِ لحربِ العصاباتِ مصاعبَ كثيرةً لدى بعضِ القادة، ومنها إلى إفريقيا قادَ 125 كوبيًّا لمساندةِ الثّوراتِ التّحرّريّة، وانتهى في مستشفى للنّقاهةِ في براغ!
كاسترو الّذي احتفظَ بجميعِ رسائلِ جيفارا التّوثيقيّةِ عن نشاطِهِ العسكريّ، زارَهُ لينهاهُ عن حُلمِهِ الثّوريّ ويرجوهُ بالعودة، لكنّهُ رفضَ العرْضَ وبقيَ في زائير مُحارِبًا بجانبِ قائدِ ثورةِ الكونغو، ثمّ في بوفيليا لثورةٍ جديدة!
كتبَ جيفارا يوميّاتِ المعركة، وتعرّضَ لمطاردةٍ شرسةٍ كونه قائد الثّوّار، فقسّمَ جنودَهُ الأربعين المُتبقّين في الأدغال بينَ الهزالِ والجوعِ والعزلةِ والمطاردة، وإذا بوحدةٍ مكوّنةٍ مِن 1500 مِن قوّاتِ الجيش البوليفي تباغتُهُ في هجومِها على مجموعتِهِ في وادٍ صخريٍّ وعر، واستمرّ القتالُ ستَّ ساعاتِ إلى أن وقعَ في الأسرِ حيًّا، بعدما ماتَ جميعُ أفرادِ مجموعتِه ال 16 فردًا!
بتاريخ 9-11-1967 ، نُفّذَ فيه حكمُ الإعدامِ في ساحةِ المدرسة، مِن قِبلِ الجيشِ البوليفيّ ووكالةِ المخابراتِ الأمريكيّة، بإطلاقِ النّارِ عليهِ في منطقةِ الخصر وما دون بعيدًا عن منطقةِ القلبِ والرّأس، كي تطولَ فترةُ احتضارِهِ ومعاناتِهِ، ثمّ بُترتْ يداهُ للتّعرّفِ على بصماتِهِ، ودُفنَ في مكانٍ مجهولٍ كي لا يكونَ مزارًا للثّوّار. لكن؛
ظهرتْ مذكّراتُهُ ويوميّاتُهُ للنّور، لتُحدثَ بلبلةً عنيفةً، سمّيتْ "أزمةُ كلمات جيفارا"، وعام 1997 كُشِفَ النّقابُ عن جثمانِهِ وأعيدَ إلى كوبا، ليَدفنَهُ الرّئيسُ الكوبيُّ السّابق كاسترو بصفةٍ رسميّة!
تركَ جيفارا في رصيدِهِ الأدبيّ الّذي خلّدَهُ: حرب العصابات، ذكريات الحرب الثّوريّة الكوبيّة 1968، الإنسان والاشتراكيّة في كوبا 1967، الأسفارُ تُكوّنُ الشّباب والوعي، مانسيت!
شهيدُ الإنسانيّةِ وقضايا الظّلمِ جيفارا لم تخبُ ذكراهُ التّمرّديّة، لأنّهُ أسطورةُ بطولةِ أحلامِ الملايين مِن المظلومين، وقد استشرفَ بتحذيراتِهِ مخاوفَهُ المتوقّعةَ مِن مشكلةِ انهيارِ كوبا لاحقًا، وعجزِها عن إطعامِ شعبِها، إن لم تسْعَ إلى تنويعِ الزّراعةِ، والتّوسّعِ في محصولِ قصبِ السّكّر الّذي تتبادلُهُ مقابلَ البترول السّوفييتيّ، وإن هرولتْ وراءَ النّموذجِ الصّناعيّ والإنتاجِ والتّنافسِ في السّوق العالميّ!
لقد آمنَ جيفارا بالإنتاجِ الكوبيّ المَحلّيّ الّذي يحتاجُهُ شعبُها، مع مراعاةِ المحاولاتِ المجتمعيّةِ الّتي تخلقُ مجتمعًا أكثرَ إنسانيّة، ورفضَ معيارَ الكفاءةِ والإنتاجِ مِن أجل السّوقِ العالميّ، الّذي يسعى إلى خلْقِ مجتمعٍ مادّيّ!
وأخيرًا ..
أين بلادنا من هذا الإيمان الجيفاري والرّؤية الجيفارية؟ وهل هناك مَن يتّعِظ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.