محمد صلاح: مدافعو الزمالك هم من جاملوا نهضة بركان وليس الحكم    برشلونة يعزز موقعه في وصافة الدوري الإسباني بثنائية أمام ألميريا    فاروق جعفر: واثق في قدرة لاعبي الزمالك على التتويج بالكونفدرالية.. والمباراة لن تكون سهلة    تحرك جديد.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    بعد ارتفاع عيار 21.. سعر الذهب اليوم الجمعة 17 مايو 2024 بالصاغة (تحديث الآن)    يوسف زيدان يهاجم داعية يروج لزواج القاصرات باسم الدين: «عايزنها ظلمة»    مدارس النصيرات بغزة في مرمى نيران الاحتلال ووقوع شهداء    فصائل عراقية تعلن استهدف موقع إسرائيلي حيوي في إيلات بواسطة الطيران المسير    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو في محافظات مصر    سيد عبد الحفيظ ل أحمد سليمان: عايزين زيزو وفتوح في الأهلي (فيديو)    جهاد جريشة: لا بد من محاسبة من تعاقد مع فيتور بيريرا.. ويجب تدخل وزرارة الرياضة والرابطة    لمدة خمس أيام احذر من هذه الموجة شديدة الحرارة    بعد اختفائه 12 يومًا.. العثور على جثة الطفل أدهم في بالوعة صرف بالإسكندرية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    محافظ جنوب سيناء ووزيرة البيئة يوقعان بروتوكول أعمال تطوير مدخل منطقة أبو جالوم بنويبع    محافظ الغربية: تقديم الخدمات الطبية اللائقة للمرضى في مستشفيات المحافظة    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    بعد الانخفاض الأخير لسعر كيلو اللحمة البلدي.. أسعار اللحوم اليوم الجمعة 17-5-2024 في الأسواق    ورشة عمل إقليمية تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإعادة هندسة منظومة التعليم»    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    حسين الشحات : نحترم تاريخ الترجي ولكننا نلعب على الفوز دائما    المظهر العصري والأناقة.. هل جرَّبت سيارة hyundai elantra 2024 1.6L Smart Plus؟    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 17 مايو 2024    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    بعد ساعات من انتشار الفيديو، ضبط بلطجي الإسماعيلية والأمن يكشف ملابسات الواقعة    ماذا قالت نهاد أبو القمصان عن واقعة فتاة التجمع وسائق أوبر ؟    قوات الإنقاذ تنتشل جثة مواطن سقط في مياه البحر بالإسكندرية    الدراسة بجامعة القاهرة والشهادة من هامبورج.. تفاصيل ماجستير القانون والاقتصاد بالمنطقة العربية    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    فتحي عبد الوهاب وهاني خليفة أبرز المكرمين.. صور    للرجال على طريقة «البيت بيتي».. أفضل طرق للتعامل مع الزوجة المادية    براميل متفجرة.. صحفية فلسطينية تكشف جرائم إسرائيل في غزة    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    كلمت طليقى من وراء زوجي.. هل علي ذنب؟ أمين الفتوى يجيب    انقسام إسرائيلي حول غزة يعقد سيناريوهات إنهاء الحرب    كمال الدين رضا يكتب: الكشرى والبط    مصر ترفض مقترح إسرائيلي بشأن معبر رفح    اسكواش - خماسي مصري في نصف نهائي بطولة العالم    بعد عرضه في «كان» السينمائي.. ردود فعل متباينة لفيلم «Megalopolis»    «السياحة» تلزم شركات النقل بالسداد الإلكتروني في المنافذ    تعرف على.. آخر تطورات الهدنة بين إسرائيل وحماس    كاميرا ممتازة وتصميم جذاب.. Oppo Find X7 Ultra    بنده السعودية.. أحدث عروض الهواتف المحمولة حتى 21 مايو 2024    الأمير تركي بن طلال يرعى حفل تخريج 11 ألف طالب وطالبة من جامعة الملك خالد    ميلاد الزعيم.. سعيد صالح وعادل إمام ثنائي فني بدأ من المدرسة السعيدية    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محكمة الغدر أفكارها ثورية مرتدية ثوب القانون
نشر في الواقع يوم 23 - 07 - 2011


بقلم د. عادل عامر
حينما قامت ثورة 23 يوليو 1952م – التي كان يطلق عليها حركة الجيش – كانت أحدي عينيها تنظرللخلف وأخري تتطلع للمستقبل ، وفيما يتعلق بالمستقبل لم يكن قد تبلور- في بدايةالثورة – بصورة كاملة في ذهن الثوار ؛ فأرادوا أن يتخلصوا أولاً من الماضي ؛وتحقيقاً لرغبتهم هذه تفتق ذهن القانونيين الذين ساروا في ركب الثورة عن إيجادمنظومات قضائية وقانونية جديدة ... منها محكمة الشعب ، ومحكمة الثورة ومحكمة الغدرلمحاكمة الماضي عن الأفعال والأحداث والوقائع التي حدثت قبل الثورة أو أثناءها. وهذهالمحاكم هي - في جوهرها - محاكم استثنائية لأنها تخرج عن كثير من القواعدالقانونية العادية بهدف تأمين الثورة ؛ أي ثورة يوليو 52 . وكان يغلب على تشكيل هذه المحاكم الجانب العسكري ؛ الذين كانوا – فيالغالب الأعم – يطبقون أفكارهم الثورية مرتدية ثوب القانون . لذا كثيرا ما كانت هذه المحاكم تتراجع عن الأحكام التي تصدرها ، أو بالأقل لاتنفذها هي هي كما هي . فعقوبة الإعدام تتحول بقدرة قادر إلي سجن .. ثم إفراج .. ولعل هذا كان واضحا في المحاكماتالتي تمت لقادة سلاح الفرسان .. الذين خرجوا علي الثورة .. أو بالأحرى كانوايمثلون ثورة مضادة .
ثورة 25 يناير واستدعاء محكمةالغدر :
والآن بعد ثورة 25 يناير 2011ميريد البعض استدعاء محكمة الغدر للحضور للمشهد السياسي والقضائي والقانوني المصري.. الحالي .. ولقد تمثل هذا الاستدعاءفي عدة صور منها رفع دعوي قضائية لإلزام وزير العدل بإحالة بعض رموز النظام لهذهالمحاكم ، ومنها مناداة البعض في رسائل الإعلام ببعث الحياة من جديد في هذهالمحاكم .. ومنها مناداة بعض المعتصمين في مياديين مصر المختلفة بهذا المطلب .
ومن وجهة نظري أن محكمة الغدر لا يجوزاستدعائها الآن وذلك لعدة اعتبارات :
1- لأن هذه المحكمة هي محكمة استثنائية ماتت بالسكتة القلبية معشقيقتيها محكمة الثورة ومحكمة الشعب ، فهذه المحاكم جميعها جاءت لمواجهة ظروف بعينها ؛ فالقوانينالمنظمة لها قوانين مؤقتة بطبيعتها أي تنقضي بمجرد انتهاء الغرض منها .. والغرضمنها كان تأمين ثورة يوليو .. ولم يكن المشرع - تحت أي تفسير واسع للنصوص - يحرصعلي تأمين ثورات أخري خلاف ثورة يوليو .
2- قد يقول قائل – ولم لا تمتد هذه المحاكملتأمين ثورة 25 يناير كما فعلت مع ثورة يوليو . والرد علي ذلك سهل يسير ، لأن قانون محكمة الغدر كان قانونا استثنائيا ،فهو يخرج عن مبدأ الشرعية الجنائية القائل : بأن لا جريمة ولا عقوبة بلا نص ؛ وأنالقواعد الجنائية الأسوأ للمتهم لا تسريبأثر رجعي .
ورغم ذلكنجد أن قانون الغدر هذا أستحدث جريمة لمتكن موجودة من قبل وطبقها بأثر رجعي . إذتنص المادة الأولى من قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952م - المعدل بالقانون رقم 173 لسنة 1953 والمنشور بالوقائع المصرية بتاريخ 9 إبريل 1953 م – على أنه : (( فى تطبيق أحكام هذاالقانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاما وزيرا او غيره وكل من كانعضوا فى احد مجلسي البرلمان أو احد المجالس البلدية او القروية او مجالس المديرياتوعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابية عامة وارتكب بعد أولسبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :........ )) .
3- فهذا القانون مشكوك في دستوريته لأنه وُلَّدميتاً ؛ بمخالفته لقاعدة عدم رجعية القوانين الأسوأ للمتهم ؛ ولايصح أن يُنسب لثورة 25 يناير البيضاء ما يشوه صورتهالدى العالم ؛ ولا يجوز أن يقال إن هذا القانون كان معيبا بالنسبة للمحاكمات التىتمت في ظل ثورة يوليو 1952م : ولكنه لن يكون معيبا إذا تم تفعيله بالنسبة لمنأفسدوا الحياة السياسية فيما قبل ثورة 25 يناير ؛ لأن العوار الذي لحق هذا القانونمنذ ميلاده ؛ لا تصححه الوقائع والأحداث التي أستجدت بعده ؛ علاوة على أن هذاالقانون هو مؤقت بطبيعته وانتهى مفعوله – رغم عيبه الجوري المتعلق بمخالفته لمبدأعدم رجعية القوانين الجنائية الأسوأللمتهم - بما تم من محاكمات في ظل ثورةيوليو 1952 م.
4- أضف إلى ذلك أن قانون الغدر من الناحيةالشكلية أو الإجرائية يثير صعوبات جمة فيتطبيقها ؛ ومن ذلك على سبيل المثال - لا الحصر – مايلي : -
(أ‌) أن هذاالقانون يسند مهمة تحقيق الدعاوى ورفعها إلى محكمة الغدر ... إلى : ((لجنة مكونةمن اثنين يختارهما المؤتمر المنصوص عليه في المادة 11 من الإعلان الدستوري المشارإليه – أي الاعلان الدستوري الصادر سنة 1953 في أعقاب ثورة يوليو - بقرار يصدر باتفاقهما مشتملا على بيان بالواقعةوالمواد المطلوب تطبيقها ، ويكون للجنة في أداء مهمتها أو لأحد عضويها أو لمنتندبه من رجال القضاء أو النيابة العامة جميع السلطات المخولة في قانون الإجراءاتالجنائية للنيابة العامة ولقاضي التحقيق بغير القيود الواردة في المواد 51 و52 و 53 و54 و 55 و 57 و91 و97 من القانونالمذكور ..)) ( المادة 4 من قانون الغدر ) .
(ب‌) ويلاحظ على هذا النص أنه جعل الاختصاصالمذكور للجنة مكونة من أثنين ؛ وحصرالعدد في أثنين لهو أمر يُصعّب مهمة أيلجنة في العالم ؛ إذ من الأفضل أن يكون تشكيل اللجنة من رقم فردي 3 أو 5 – علىسبيل المثال - حتى يمكن أن تصدر قراراتاللجنة بالأغلبية عند غياب الإجماع.
(ج) وجاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 173 لسنة 1953المعدل لقانون الغدر رقم 344 لسنة 1952تبريرا لإسناد مهمة التحقيق والإحالة للمحاكمة إلى لجنة سياسية ما نصه : (( ولوحظ أن المؤاخذة التي سيحاكم من أجلها المتهمون الذين سيقدمون إلى محكمةجرائم الغدر, هي جرائم ذات طابع سياسي لأنها متصلة بالحكم واستغلال أدواته ممايقتضي أن يترك تقدير ظروف الاتهام وملابساته إلى هيئة سياسية. وقد راعت بعضالدساتير ذلك الاعتبار فقصرت حق تحريك الدعوى العمومية ضد الوزراء, على مجلسالنواب, كما أسندت محاكمتهم إلى محكمة يتمثل فيها العنصر السياسي إلى حد كبير. ونزولاعلى هذا المقتضى أسند تحريك الدعوى العمومية إلى لجنة مكونة من اثنين من أعضاءالمؤتمر المنصوص عليهم في المادة 11 من الدستور المؤقت, وبطبيعة التكوين الثنائي للجنة, لن يقدم من اللجنة منالأحوال لا ما يتفق في شأنه رأى عضويها )) .
(د) كما أن هذا النص – أي نص المادة الثانية منقانون الغدر - يحيل إلى الإعلان الدستوريالصادر بتاريخ 10 فبراير 1953م من القائدالعام للقوات المسلحة وقائد ثورة الجيش ؛ وهذا الإعلان قد مات أيضا بالسكتةالقلبية بالدساتير التي صدرت بعد ذلك .
(د) أما المؤتمر المشار إليه فهو– حسب نص المادة 11 من الإعلان الدستوريالمذكور - (يتألف من مجلس قيادة الثورةومجلس الوزراء ) . فأين هذا المؤتمرالآن ؛ وما الجهة التي يمكن أن تحل محله؟!!!
هذا السؤال في ذاته يثير جدلاً كبيراً ؛ ويفتحالباب أمام أي محامٍ - يدافع عن شخص ما محال لمحكمة الغدر – ليصول ويجول ويدفعببطلان أي تشكيل للجنة التحقيق المشار إليها .
(ه) ومما يؤكد إستثنائية محكمة الغدر وقانون الغدر ماأشارت إليه المادة (4) المذكور من تحرر جهة التحقيق في جرائم الغدر من القيود الواردة في المواد(51) و(52) و(53) و (54) و( 57) و(91) و(97) من قانون الإجراءات الجنائية .وهذه القيود - في حقيقتها –ضمانات للمتهم أراد المشرع في قانون الغدر أن يحررالمحقق منها تحقيقا لفاعلية الإجراءات . فهو – أي المشرع - أنتصر لفاعلية الإجراءات ؛ أي لسرعة إنجازها ؛ على حسابضمانات المتهم . فالمادة (51) من قانون الإجراءات الجنائية تتحدث عن حضور المتهمأو مَنْ ينيبه أو شاهدين أثناء تفتيش منزله ؛ والمادة (52) تتحدث عن عدم جواز فضالأوراق المختومة أو المغلقة بأية طريقة أخرى أثناء التفتيش ؛ والمادة ( 53 ) تتطلب وضع الأختام على الأماكن التي بها آثار أوأشياء تفيد في كشف الحقيقة ؛ والمادة (54) تجيز لحائز العقار أن يتظلم من وضعالأختام على مكان في حيازته . والمادة (57 ) لا تجيز فض الأختام الموضوعة طبقالمادتين (53) ، (56) إلا بحضور المتهم أو وكيله ؛ و مَنْ ضبطت عنده الأشياء أو بعددعوتهم لذلك ؛ والمادة (91) تضع ضوابط تفتيش المنازل وتستلزم صدور أمر قضائي مسبب. أما المادة (97) فتحظر على المحقق أن يضبط لدى المدافع عن المتهم أو الخبيرالاستشاري الأوراقوالمستندات التي سلمها المتهم لهما لأداء المهمة التي عهد إليها بها ؛ ولاالمراسلات المتبادلة بينهما في القضية .
(و ) ولا شك في أن التحرر من هذهالضمانات المقررة للمتهم من شأنه أن يجعل محاكمته محاكمة استثنائية ؛ مما يساهم فيإغلاق الباب أمام استرداد أموال مصر المنهوبة بالخارج .
(ز) كما أن قانون الغدر يمنعالطعن في الحكم الصادر في الدعوى بأى طريقة من طرق الطعن العادية أو غير العادية (م 6 من قانون الغدر ) . وهذا إستثناء آخر يحرم المتهم من ضمانة جوهرية من ضماناتالدفاع أمام القضاء ؛ مما تتأذى منه العدالة ويتصادم تصادماً صارخاً مع جوهر ثورة25 يناير التي نادت بالحرية والكرامة والعدل . علاوة على أن ذلك يؤكد إسثنائيةقانون الغدر ؛ مما يترتب عليه عدم اعتراف الدول الأجنبية بما عساه أن يصدر من أحكام ضد المحالينلمحكمة الغدر ؛ ومن ثم يغلق الباب أمام إسترداد أموالنا المنهوبة في الخارج .
(ح ) وفيما يتعلق بتشكيل محكمة الغدر نجد أنالمادة ( 3) من قانون الغدر قد نصت على أنه :
(( يحكم على كل مَنْ ارتكب فعلامن أفعال الغدر من محكمة خاصة تؤلف برياسة مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارينمن محكمة استئناف القاهرة يعينهم وزير العدل وأربعة ضباط عظام لاتقل رتبة كل منهمعن الصاغ يعينهم القائد العام للقوات المسلحة. ويكون مقر هذه المحكمة بمدينةالقاهرة ويشمل اختصاصها كل انحاء المملكة المصرية( حالياً جمهورية مصر العربية ) .
وتتولى النيابة العامة مباشرةالدعوى امام المحكمة)) .
وجلي من هذا أن إشكالية تشكيل هذه المحكمةستثير الكثير من الجدل ؛ فهل نبقي على العنصر العسكري في التشكيل أم لا ؟
وإذا إبقينا عليه : ألا يتصادمذلك مع ما تنادي به الثورة من ضرورة حصر اختصاص القضاء العسكري في دائرة العسكريينفقط ؟! وإذا قيل أن التشكيل يكون مدنياً صرفاً أي يضم سبعة من قضاة القضاء العادي؛ والتساؤل الآن لماذا يستأثر القضاء العادي بذلك رغم أن المسئولية المسندةللمتهمين مسئولية سياسية في جوهرها ؛ فلماذا لا يدخل في التشكيل قضاة من مجلسالدولة ؟ .
وفي جميع الأحوال التشكيل الجديدلن يمثل قضاء طبيعي للمتهمين لأنه لم يكن معروفاً سلفاً لهم حال اقترافهم الأعمال التيشكلت الاتهامات التي ستُسند لهم .
(ط) والمثل يقال بالنسبة لإسنادمهمة تمثيل المجتمع أمام محكمة الغدر فالنص يخص النيابة العامة بمباشرة الدعوىأمام المحكمة ( م 3 من قانون الغدر ) .وهو نص يثير الجدل طالما أتفقنا – حسبالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 173 لسنة 1953 م – على جرائم الغدر هي جرائم ذات طابعسياسي ، فلماذا لا تشارك النيابة الإدارية شقيقتها النيابة العامة في تمثيلالمجتمع ؟!!
(خامساً) أما من الناحية الموضوعية فإن قانون الغدر يؤخذ عليه مايلي :
(1) رقة العقوبات التي يدخرها للمدانبالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون ؛ إذ جاء نص المادة (2) منه على النحوالتالي :
(( مع عدم الاخلال بالعقوباتالجنائية او التأديبية يجازى على الغدر بالجزاءات الاتية :
( أ ) العزل من الوظائف العامة.
(ب) سقوط العضوية فى مجلسى البرلمان اوالمجالس البلدية او القروية او مجالس المديريات .
(ج)الحرمان من حق الانتخاب او الترشيح لاى مجلس من المجالس سالفة الذكر لمدة اقلهاخمس سنوات من تاريخ الحكم
(د) الحرمان من تولى الوظائف العامة لمدةاقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ه) الحرمان من الانتماء الى اى حزب سياسىمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(و) الحرمان من عضوية مجالس ادارة الهيئاتاو الشركات او المؤسسات التى تخضع لاشراف السلطات العامة ومن اية وظيفة بهذهالهيئات لمدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم .
(ز) الحرمان من الاشتغال بالمهن الحرةالمنظمة بقوانين او المهن ذات التأثير فى تكوين الراى او تربية الناشئة او المهنذات التأثير فى الاقتصاد القومى مدة اقلها خمس سنوات من تاريخ الحكم.
(ح) الحرمان من المعاش كله او بعضه .
ويجوز الحكم أيضا باسقاط الجنسية المصريةعن الغادر كما يجوز الحكم برد ما أفاده من غدره وتقدر المحكمة مقدار ما يرد.
ويحكم بالجزاءات ذاتها عل كل من اشتركبطريق التحريض او الاتفاق او المساعدة فى ارتكاب الجريمة سالفة الذكر ولو لم يكنمن الاشخاص المذكورين فى المادة الاولى )) .
وهذه العقوبات لا تتسم بالشدة ؛ولاتتناسب مع الجرم التي أدخرت له .
(2) وهذه الجزاءات الجنائية تغني عنها جزاءات مماثلة في قانونالعقوبات العام الذي ينطبق على كل المصريين والكافة ؛ فلا حاجة إذن للجوء لقانونإستثنائي طالما أن قانون العقوبات العادي ينص على نفس الجزاءات الجنائية لذاتالأفعال تقريباً . فالمادة 25 من قانون العقوبات تنص على كثير من هذه الجزاءات التي توقع تبعاً للحكم بعقوبة جنائية. وأما مايفلت من الجزاءات المنصوص عليهافي المادة الثانية من قانون الغدر فتتكفل بها – أو بالأحرى بأغلبها - النصوصالمقابلة لجريمة الغدر في قانون العقوبات . إذ تنص المواد 118 و 118 مكررا و 118 (أ) مكررا من قانون العقوبات على جزاءاتتوقع على مرتكبي جرائمالباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ؛ المعنون (( اختلاس المال العاموالعدوان عليه والغدر )).
وهذه الجزاءات هي العزل من الوظيفة أو زوالالصفة والرد وغرامة مساوية ما اختلسه أو استولى عليه أو حصله أو طلبه من مال أومنفعة ( م118 عقوبات ) وطبقاً للمادة 118 مكررا هذه الجزاءات هى : (1) الحرمان منمزاولة المهنة مدة لا تزيد على ثلاث سنين. (2) حظر مزاولة النشاط الاقتصادي الذي وقعت الجريمة بمناسبته مدة لا تزيد علىثلاث سنين . (3) وقف الموظف عن عمله بغير مرتب أو بمرتب مخفض لمدة لا تزيد على ستة أشهر. (4 ) العزل مدة لا تقل عن سنة ولا تزيدعلى ثلاث سنين من نهاية تنفيذ العقوبة أو انقضائها لأي سبب آخر . ( 5 ) نشر منطوقالحكم الصادر بالإدانة بالوسيلة المناسبةوعلى نفقة المحوم عليه . أما المادة 118 (أ) مكرر من قانون العقوبات فتنص على جزاءالمصادرة والرد والغرامة المساوية لقيمة ماتم اختلاسه أو الاستيلاء عليه من مال أو ما تم تحقيقه من منفعة أو ربح .
(3) أما من ناحية الأفعال التي تشكل جريمة الغدرفقد نصت عليها المادة الأولى من قانون الغدر بقولها :
(( فى تطبيق احكام هذا القانون يعد مرتكبا لجريمة الغدر كل من كان موظفا عاماوزيرا او غيره وكل من كان عضوا فى احد مجلسى البرلمان أو احد المجالس البلدية اوالقروية او مجالس المديريات وعلى العموم كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة أو له صفة نيابيةعامة وارتكب بعد أول سبتمبر سنة 1939 فعلا من الأفعال الآتية :
ا ) عملمن شأنه افساد الحكم أو الحياة السياسية بطريق الاضرار بمصلحة البلاد او التعاونفيها أو مخالفة القوانين .
(ب) استغلال النفوذ و لو بطريقالايهام للحصول على فائدة او ميزة ذاتية لنفسه او لغيره من اية سلطة عامة او أيةهيئة او شركة او مؤسسة.
(ج) استغلال النفوذ للحصول لنفسهأو لغيره على وظيفة فى الدولة أو وظيفة او منصب فى الهيئات العامة او اية هيئة او شركة او مؤسسة خاصة اوللحصول على ميزة او فائدة بالاستثناء من القواعد السارية فى هذه الهيئات.
(د) استغلال النفوذ بإجراء تصرفاو فعل من شأنه التأثير بالزيادة او النقص بطريق مباشر او غير مباشر فى اثمانللعقارات والبضائع والمحاصيل وغيرها او اسعار اوراق الحكومة المالية او الاوراقالمالية المقيدة فى البورصة او القابلة للتداول فى الاسواق بقصد الحصول على فائدةذاتية لنفسه او للغير.
(ه) كل عمل او تصرف يقصد منه التأثير فى القضاهأو فى اعضاء اية هيئة خولها القانون اختصاصا فى القضاء او الافتاء.
(و) التدخل الضار بالمصلحةالعامة فى اعمال الوظيفة ممن لا اختصاص له فى ذلك او قبول ذلك التدخل.
ويعتبر التدخل من غير المذكورين فى هذه المادة فىحكم الغدر اذا كان المتدخل قد استغل صلته بأية سلطة عامة)) .
وجل – إن لم يكن كل - هذه الجرائم منصوص عليها في قانون العقوبات العادي ؛ ولاسيما المواد 112حتى 119 مكرر التي تجرم اختلاس المالالعام والعدوان عليه والغدر ؛ فليست هناك حاجة ماسة للجوء لقانون استثنائي هوقانون الغدر طالما أن النصوص العادية في قانون العقوبات تحقق ذات الهدف دون الدخولفي متاهة هل قانون الغدر حياً يرزق ؛ أما ميتاُ فينعى . ودون الولوج في دائرةالقوانين الإستثنائية التيحرصت ثورة 25 يناير عن الإبتعاد عن دائرتها حتى تحتفظ هذه الثورة بنقائهاوبريادتها لثورات العالم الحديث .
(4) صحيح أن القوانين الحالية لاتجرم ولا تجازي على إفساد الحياة السياسية ؛ غير أن ذلك يشكل مسئولية سياسية يمكنأن تتولاها جهات سياسية وليست قضائية ؛ غذ يمكن أن يشكل مجلس الشعب القادم – ومعهمجلس الشورى إن وجد – لجان سياسية لمجازاة كل من تورط في إفساد الحياة السياسيةمنذ 6 أكتوبر 1981 وحتى 11 فبراير 2011م ؛ وهذا حديث آخر بحاجة إلى المزيد منالبحث والدراسة ؛ مما نتركه لكل مَن يرغب بأن يدلو بدلوه في هذا الموضوع .
وتبقى كلمة :
1- نعم لمحاسبة كل من أساء لمصر قبل ثورة 25يناير ؛ شريطة أن تكون المحاسبة بقوانين عادية ؛ وليس بقوانين استثنائية ؛ حتىنحافظ على نقاء هذه الثورة الرائدة .
2- إذا كان قانون الغدر هو قانونإستثنائي ؛ أنقضى بحكم إنقضاء الهدف الذيكان يرميه إليه المشرع في أعقاب ثورةيوليو 1952م ؛ فلماذا نلجأ إلى قانون تمت إحالته للإستيداع ؛ ولدينا ترسانةقانونية تفي بالغرض الذي يمكن تحقيقه من قانون الغدر .
3- المساءلة السياسية مطلوبة لكل مَنْ أساءلمصر خلال الثلاثين سنة السابقة على ثورة 25 يناير ؛ شريطة أن تتم بآليات غيرمشكوك في عدالتها ؛ ولا في وجودها منالأساس .
الدكتور عادل عامر
خبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية
وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية
محمول 0124121902


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.