لم أري احد يمارس عمله حافيا وعاريا إلا زكريا رمضان .يبدأ يومه من السادسة صباحا .يفتح شمسيته التي تآكلت حوافها .ويزرع عودها المدبب بعناية في رمل الشط. ضاغطا بقدمه علي حواف الحفرة التي تحدثها فور دخولها في الرمل ويضغط أكثر عليها في أيام الريح القوية ويضع مكتبه الخشبي المتهالك وكرسيه الخشب العتيق .مرتدي مايوه اسود طويل الي الركبة .يجلس منهمك من الصباح في متابعه الأطفال والسيدات قلما يلتفت للرجال حتى وان ذهبوا بعيدا في بحر ستانلي العميق كان يطلق صافرته مدوية اذا تجاوز احدهم البراميل الحمراء .تسعفه ذاكرته أحيانا اذا القي عليه احدهم السلام .ويرد مرددا اسمه وكثيرا ما يرد: أهلا يا حمو.. لقب يطلقه علي كل من يمر به مبتسما .تجاوزه الزمن بمراحل يوم ان بدأوالعمل في كوبري ستانلي فجلس عابثا وسط أكوام الخشب والاسمنت والحديد يمني نفسه.ان تنشق الرمال والمياه وتبتلع الكوبري ويروق البحر كما كان. .. يجلس عابثا متجهم الوجه لا تفارقه امتعاضه وحسره علي ماكان وصوره الجسر الخشبي المتهالك تبرق أمامه وهو ينهر الشباب من المرور الي أخره قافزين في الماء المتموج . عندما بدأت ملامح الجسر تتشكل أمامه بدا وجهه فرحا وعلته ملامح أخري من بناء زخرفي وشكل مآذن وبيارق تشبه قصر المنتزه. راي البنات يتقافزن بخطواتهن فوق بدن الجسر يبدين أمامه من موقعه يري شعورهن وهي تتطاير طربا للرياح والهواء ويري الشباب خلفهن مطلقين صفا فير الأفواه عالية لجلبن نظرهن. مشاكسين لهن وأصبح الجسر ممر دولي ومنظر بديع ينير الشط ليلا فيبهج خاطره يري عربات الحنطور بفنونها الاسكندرانيه .وزفه العرسان علي الكوبري تبهج الخاطر . فانتهت الدموع المذرفه علي ما مضي ان الحاضر احلي .وعاد رواد الشط بشماسي ملونه جميله بيبسي وكولا وجلس علي منصة الراية عاليا مرتاح الخاطر وهو يقول بباله لو عرفتم الغيب لصبرتم واخترتم الواقع..