لا شيء يوحي بأنها قرية تعيش في القرن الحادي والعشرين، أو أنها تتبع مركزاً من أقرب المراكز المحلية بل وأكبرها مساحة وكثافة سكانية بمحافظة الجيزة، وليست قرية من العصور الوسطي أو في مجاهل أفريقيا. قرية «شمباري» التابعة لمركز أوسيم بالجيزة، تعيش حياة بائسة غابت عنها كافة مظاهر الحياة الخدمية والحضرية والإنسانية، لا تصدق ما تراه وأنت تترجل علي قدماك، ستشعر بمجرد أن تطأ قدماك القرية أنك بمعزل عن الحياة المدنية وأنك تعود إلي زمن العصور الوسطي، مواطنون داخل منازل متهالكة بالطوب اللبن بلا أسقف تحميهم من برودة الشتاء أو الشمس الحارقة في الصيف.. بلا مراحيض.. الدواب وروث الحيوانات معاً يتوسطها سرير خشبي متهالك داخل أحد المنازل لا توجد أية ملامح لحياة آدمية. البناء داخل القرية محدد وغير مسموح بالارتفاع لأكثر من طابقين للمنزل الواحد.. أبراج الضغط العالي الكهربائي تظلل منازل القرية وتحول حياة سكانها إلي جحيم من الذبذبات الكهربائية التي تحلل خلاياهم وتؤهلها للأمراض السرطانية. من أجل لقمة العيش، الكثير من فقراء «شمباري» يعلمون «عمال تراحيل» لا يملكون سوي سواعدهم والفأس للعمل بالزراعة أو لهدم بناء قائم بالفعل حسب رغبة رب العمل، وإذا كان هذا العمل يوفر لهذه الفئة الضعيفة مورد رزق تقتات به فإنه محفوف بالمخاطر ولا يتمتع بدوام كامل للعمل المستقر. هناك.. وإذا ما حكم عليك بهذه المعيشة المتردية لا توجد بيارات أو شبكة للصرف الصحي ما يدفع الأهالي إلي حمل فضلاتهم في براميل لتفريغها في مصارف بدائية قاموا بحفرها للتخلص من نفاياتهم كبديل لغياب شبكة الصرف. هذه الفئة من المعدمين اختاروا أن يعيشوا ب «عرق جبينهم» معرضين إلي الإصابة بالأمراض المزمنة دون أي حقوق تكفل لهم العلاج. فقر دم وضغط وسكر وأمراض أخري يصاب بها أغلب سكان القرية، والأمر ليس بغريب فهم علي اتصال دائم بضغوط وأعباء معيشية تفوق طاقتهم وقدرتهم في التغلب عليها ولا يوجد خيار آخر لهم، فهذا هو الثمن الذي اختاروه لأن يكون فاتورة لإعالة أسرهم، الذي بات يطاردهم شبح الجوع والفقر والبطالة ومستقبل مظلم في قلب محافظة الجيزة. ريف مُشمس وبطون خاوية وهنا صاح، سيد جودي، واستغاث بالدولة قائلاً: «أنا بشتغل باليومية عامل تراحيل يوم شغال و10 عاطل»، ابني يحتاج للعلاج وإجراء جراحة مهمة وعاجلة ولا أقدر علي تكلفتها. وطالب عمر محمد، صاحب إحدي الجمعيات الخيرية، من أهالي قرية شمباري، بإنشاء شبكة صرف صحي لرفع المعاناة عن الأهالي نظراً لظروفهم المعيشية والمادية الصعبة، لافتاً لتعرض حياتهم باستمرار للخطر نتيجة مرور أبراج الضغط العالي الكهربائي فوق المنازل. وقال عبدالغني أبوالعينين: أمتلك منزلاً من الطوب اللبن وسقف خشبي لا يحمينا من صقيع الشتاء ولا حر شمس الصيف الحارقة. وطالب «أبوالعينين» الأجهزة المعنية بالدولة بتقنين أوضاعهم، قائلاً: «بلغت من العمر أرذله ولا أطلب غير المساعدة لبقائنا أحياء». بينما نمر من أمام مسجد القرية ترصد عدسة «الوفد» مشهداً درامياً آخر لرجل بلغ من العمر أرذله رث الثياب مغبر الوجه، يدعي «فوزي» 71 عاماً ينظر إلينا والدموع ملء عينيه ويتلعثم في الكلام، لا يعي ولا يعرف سوي اسمه فقط، يتمتم بكلام غير مفهوم، راضياً بما قسم الله له، جالساً أمام بيت من بيوته متلمساً الرحمة من قسوة الحياة التي عاشها.