من البديهى أن أمريكا تحرص ضمن أهدافها على توريط روسيا أعمق وأوسع فى المستنقع السورى، على غرار ما قامت به فى سبعينيات القرن الماضى عندما نجحت فى توريط الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، وكانت خسائره هناك بفعل دعم أمريكا للمعارضة الأفغانية، سبباً فى انسحاب القوات السوفيتية من هناك، وبدأ تفكك الاتحاد السوفيتى على وقع هزيمته فى أفغانستان، وهو ما تسعى إدارة أوباما إلى تكراره حالياً مع بوتين فى سوريا، وما تقوم به أجهزة المخابرات الأمريكية من إجراءات لم تعد خافية لدعم أنشطة داعش فى كل الدول العربية وليس فى سوريا فقط، تنفيذاً للمخطط الأمريكى فى تقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة وضعيفة على أسس عرقية وطائفية وسياسية، وإثارة الفوضى غير الخلاقة فى جنبات المجتمعات العربية، وهو ما نشهد واقعه اليوم فى كل ما يجرى من حروب أهلية وصراعات داخلية فى كل البلدان العربية والإسلامية، لذلك لم يكن غريباً أن تسارع أمريكا لدعم عناصر المعارضة فى سوريا بالأسلحة المتطورة، فضلاً عن تدريبها. وقد كشف الرئيس الأمريكى أوباما عن حقيقة أهداف واستراتيجية أمريكا تجاه الأزمة السورية، عندما صرح بأنه لا يستطيع حل الأزمة، ولكن إدارتها، وبالطبع فإن معنى إدارة الأزمة يعنى المناورة داخلها بين الأطراف بما يحافظ على أهداف واستراتيجية الولاياتالمتحدة ومصالحها، وأبرزها الإضرار بالمصالح والأهداف الروسية وزيادة توريطها فى الأزمة، وبما يلحق بها أكبر خسائر مادية وسياسية، يفسر ذلك تشبيه أوباما منذ عامين الحرب السورية بالحرب الأهلية فى الكونغو، لذلك يريد حفظ مسافة مما تراه إدارته حرب استنزاف تستمر طويلاً بين النظام السورى والمعارضة، والانقسام الإقليمى القائم حول هذه الأزمة وأحججه تدخل روسيا المباشر فى الحرب بنهاية سبتمبر الماضى. وتنحصر الأولوية العسكرية الأمريكية اليوم فى دعم الجيش السورى الحر والفصائل المتحالفة معه لضرب الجيش النظامى السورى الذى يحظى بدعم روسيا، وليس من المستبعد أن تدعم أمريكا الجيش الحر بصواريخ أرض - جو، فضلاً عن الصواريخ المضادة للدبابات Tow لإسقاط الطائرات الروسية، أما استهداف داعش فإنه يحظى بأولوية ثانية، وما الزعم الأمريكى بأنها وجهت أكثر من 8000 طلعة جوية ضد داعش منذ إعلان (خلافته) فى 2014، إلا ذراً للرماد فى العيون ولإرضاء الدول الأوروبية التى تتعرض لأعمال إرهابية من قبل داعش، فهذا العدد من الطلعات الجوية الأمريكية خلال أكثر من عام يعتبر متواضعاً جداً مقارنة بحوالى 250 طلعة يومياً من الطائرات الأمريكية أثناء الحرب على العراق، ناهيك عن أن معظم شحنات الأسلحة التى كانت تلقيها الطائرات الأمريكية لدعم المعارضة السورية، كانت تتعمد إسقاطها فى مناطق تواجد داعش. لذلك فإن التجاذب الروسى - التركى حول إسقاط الطائرة الروسية، لم يغير المعادلة الأمريكية، وإن جاءت حكاية إرسال قوة أمريكية خاصة إلى سوريا لدعم المعارضة فى معركة الرقة، كمؤشر أمريكى حول أولوياتها فى الحرب، كما أن تصريح أوباما عقب مؤتمر المناخ الأخير فى باريس بحق تركيا فى الدفاع عن أجوائها، أراضيها، وكذلك تصريح سكرتير حلف الناتو فى بروكسل الداعم للموقف التركى، إنما يصب فى إطار إرضاء تركيا دون التزامات أمريكية أو أوروبية بالتدخل عسكرياً لصالح تركيا، حتى لا يزيدوا من استفزاز روسيا، حيث تتركز جهود الناتو حالياً وكذلك الإدارة الأمريكية فى التعامل مع الوضع الجديد الذى يفرضه التواجد الروسى العسكرى المكثف فى شرق المتوسط، وما أدى إليه من تغيير حاد فى التوازن العسكرى فى هذه المنطقة، باعتبار ذلك تحدياً روسيا آخر يضاف للتحدى الروسى السابق فى أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، التى استعادتها روسيا بسرعة خاطفة فى غفلة وارتباك من حلف الناتو. أما فيما يتعلق بالمنطقة الأمنية التى يلح أردوغان فى إقامتها، فإنه لا يلاقى حتى الآن التزاماً كاملاً من الولاياتالمتحدة، حيث يقول المسئولون الأمريكيون إن واشنطن ليست ضد إقامة هذه المنطقة من حيث المبدأ، إنما دون تسميتها بالضرورة منطقة أمنية أو منطقة حظر جوى، لأن الأخير يعنى التزاماً أمريكياً بحمايتها جوياً، ويفتح إمكان التصادم مع طائرات النظام السورى وروسيا، وهو ما تتفاداه إدارة أوباما منذ بدء الأزمة كما طالبت واشنطنأنقرة بنشر مالا يقل عن 10٫000 جندى ودعمهم بالمدفعية والدبابات لضبط الحدود فى المنطقة بين تركيا سوريا، ذلك أن شروط اللعبة بعد حادث الطائرة الروسية قد تغيرت ولابد من إغلاق الحدود، حيث بات خطر داعش يحمل طابعاً عالمياً بعد نزوحهم عن سوريا قاصدين أوروبا، وذلك طبقاً للرؤية الأمريكية، وإذا كانت الصواريخ الأمريكية المضادة للدبابات التى أرسلتها أمريكا لفصائل المعارضة السورية المعتدلة، كان رداً على تدخل روسيا عسكرياً إلى جانب الأسد، وحقق نتائج فعالة فى تدمير دبابات النظام فى أرياف حماة وإدلب وحلب، وأيضاً تدمير مروحيتين روسيا فى ريف اللاذقية، فإن أمريكا بهذا الدعم العسكرى وبرغم عدم نيتها فى تصعيد جوى فى سوريا، إلا أنها تراهن كما ذكرنا آنفاً على إفشال التدخل الروسى لمصلحة النظام، وإن لم يكن ذلك فى المدى المنظور ففى المدى المتوسط، باعتبار الرؤية الأمريكية أن موسكو قد تنجح فى شراء الوقت للنظام، وإنما لن تفرضه سياسياً وعسكرياً على الأرض فى الشرق الأوسط، فليس من المتوقع أن تراهن موسكو طويلاً على حصان خاسر يدعى بشار الأسد. ومن حيث ظاهر الأمر فإن واشنطن تدعم جهود المسار الدبلوماسى بقيادة وزير الخارجية جون كيرى للدفع بمحادثات فيينا، وإمكان التوصل إلى وقف لإطلاق النار فى بداية العام المقبل، وأيضاً عن قناعة أمريكية بأن روسيا ستغير موقفها من الأسد فى المستقبل القريب، وتقبل بمرحلة انتقالية يخرج فيها الأسد من السلطة، وتعتمد واشنطن فى ذلك على الإنجاز الذى حققته فى الجولة الثانية من محادثات فيينا، حيث حصدت موافقة دولية من ضمنها إيران على بيان جنيف، الذى يدعو إلى انتقال السلطة، لذلك تعمل الإدارة الأمريكية على موضوع وقف إطلاق النار مع تحديد لائحة بالمنظمات الإرهابية، وعليه يتلخص رهان أوباما على إدارة النزاع عسكرياً بما يزيد من تورط روسيا وزيادة خسائرها البشرية والمادية لإحراج بوتين داخلياً وإضعاف موقفه محلياً وإقليمياً ودولياً، فى الوقت نفسه الذى تعطى فيه العملية السياسية فرصة جديدة ستكون الأخيرة فى ولاية أوباما قبل مغادرته البيت الأبيض فى 17 يناير 2017 فى حين يلوح المرشحون للرئاسة سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين بتصعيد عسكرى وإقامة مناطق آمنة على الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا فى حال وصولهم إلى البيت الأبيض. أما على الصعيد الأوروبى فقد اكتشف فرنسوا هولاند، رئيس فرنسا، وكذلك أردوغان بعد حادث سقوط السوخوى أن الرهان على إدارة أوباما يشبه الرهان على طواحين الهواء، فعندما ذهب هولاند إلى البيت الأبيض يبحث عن دعم أوباما فى مواجهة داعش بعد هجمات باريس، عاد بخفى حنين، أما أردوغان فقد وجد نفسه وحيداً فى مواجهة بوتين بعد إسقاط السوخوى، وفيما كان ينتظر دعماً أطلسياً وأمريكياً لموقف بلاده، اضطر للتراجع والبحث عن أعذار تخفيفية.. مثل القول بأن الأتراك لم يعرفوا أن الطائرة روسية، وإلا لكانوا تصرفوا بطريقة مختلفة، وهو الأمر الذى نفاه جنرالات الجيش التركى الذين أكدوا أنهم تلقوا أمراً واضحاً وصريحاً من أردوغان بإسقاط الطائرة الروسية، الأمر الذى كشف عن خلاف بين أردوغان وقيادة الأركان التركية، أما الرئيس الفرنسى هولاند، فإن كل ما حصل عليه من زيارته لواشنطن هو عبارات من الغزل بالعاصمة الفرنسية، وعرض مزيد من التعاون الأمريكى فى مجال الاستخبارات من دون التزام فعلى على الأرض أو حتى فى الجو، ورغم الشلل الواضح فى تعامل أمريكا مع الأزمة فى سوريا، وغياب أى خطة عملية للتعامل مع داعش، ولم يجد أوباما أى حرج فى أن يعلن أن لدى إدارته الاستراتيجية الصحيحة للمواجهة، وسنسير بها إلى النهاية، وهكذا فيما تعزز روسيا حضورها الجوى والبحرى فى أجواء وحياة وأراضى سوريا، وتقول إنه رد على إسقاط طائرتها الحربية، تبدو الولاياتالمتحدة الغائب الأكبر عن الساحة، بل إن طلعات الطائرات الأمريكية تراجعت منذ بدأت الطائرات الروسية تكثف طلعاتها فى أجواء سوريا، وذلك بحجة تجنب الصدام. ولأن الهم الأمنى هو الذى يطغى الآن على السياسة الأوروبية بشكل عام، والفرنسية والبريطانية بشكل خاص، للتشدد فى الحرب على داعش، إلا أن بوتين يجد ذلك فرصة للاستغلال، فيحاول مقايضة المساعدة الروسية ضد داعش باستمالة الأوروبيين إلى جانب موقفه من دعم نظام الأسد، من هنا باتت الأصوات الأوروبية أكثر ارتفاعاً فى الدعوة إلى جعل الحرب ضد داعش أولوية تسبق هدف إسقاط نظام الأسد، بل إن هولاند وغيره من قادة أوروبا أبدوا عدم معارضتهم لمشاركة الجيش السورى النظامى فى الحرب ضد داعش، ودعمه فى ذلك بعد إقرار الحل السياسى الانتقالى. توقعات مستقبلية يبدو أن إسقاط المقاتلة الروسية سيغير بوصلة الحرب فى سوريا، وبما يؤدى إلى إعادة تشكيل العملية السياسية التى يجرى التلويح بها، فقد أدى إسقاط هذه المقاتلة إلى تغيير أهداف المواجهة، حيث أصبح هدف الأطراف التى تقاتل فى سوريا تثبيت مواقعها ودعم حلفائها، حتى تنظيم داعش الذى يقال إن هذه الجيوش جاءت لقتاله، صار هدفاً ثانياً بعد ما كانت الحرب عليه سبباً لدخول هذه القوات التى تتنافس اليوم فى قتل السوريين، وتدمير ما تبقى من سوريا، فتجد روسيا تصعد ضرباتها من أجل تثبيت موقعها، وتتجه إلى إغلاق الحدود السورية - التركية وعزل البلدين أحدهما عن الآخر، حيث استبدلت تركيا بداعش، فقد أدى سقوط الطائرة إلى إعطاء موسكو فرصة لتغيير موازين القوة على الأرض، بدءاً بإضعاف النفوذ التركى وكل ما يمثله، وانتهاء بتقديم كل دعم ممكن للنظام السورى. وفى الوقت الذى يحسب الكرملين خطواته بدقة محتفظاً بالمبادرة والمفاجأة فى يده، نجد تركيا فى المقابل تخبط فى سياستها، حيث تخطط لمواجهة ردود الفعل الروسية غير المعروفة لديها بالاستعداد لخوض حرب واسعة النطاق بالوكالة فى سوريا، لذلك فإن أى عملية عسكرية من روسيا ضد تركيا ستترك الأخيرة فى وضع منعزل تماماً، لذلك فإن روسيا ستسعى بواسطة القوات السورية النظامية إلى الاستيلاء على ممر جرابلوس - أفرين وتحصينه ضد تدخل الناتو، مع عزل داعش وغيرها من المنظمات المشابهة لها داخل عدد من المدن السورية حتى يتم إبادتها، وسيكون للأكراد فى سوريا دور رئيسى فى هذه الحرب ضد تركيا وإسقاط هدف أردوغان فى اقتطاع جزء من شمال سوريا يصل للبحر المتوسط ويقام عليها إمارة من تركمان سوريا تحت النفوذ التركى، بعد أن دخلت روسيا إلى الحرب بعمق وثقل كبير. وخلال تحركات كل هذه الأطراف على الصعيدين الإقليمى والدولى لتغيير الخريطة العسكرية تنشط موسكو فى تضخيم إسقاط الطائرة السوخوى، وتصويره فخاً ومؤامرة تركية، لكنها فى الحقيقة تقتص من أنقرة وحلفائها على الأرض السورية، وإذا كانت موسكو حذرة من التورط فى رد فعل عسكرى انتقامى عنيف ضد تركيا قد يثير حلف الناتو، إلا أن السياسة الروسية تفرغت لخلط الأوراق على الساحة السورية، مستغلة غضب الفرنسيين، وتردد واشنطن وبقية حلفائها الغربيين من أجل إرباك الرؤية على الساحة السورية، وعدم إعطاء الفرصة لأمريكا والناتو للتأثير فى خطة روسيا المرحلية لتثبيت نفوذها فى سوريا، والاحتفاظ بالمبادأة فى يدها والتى انتزعتها بعد حادث الطائرة من الجميع، وهذا ما انعكس فى كسب موقف فرنسا لقبول التعامل مع جيش بشار الأسد فى مواجهة داعش ومنع تركيا من ممارسة أنشطتها العسكرية السابقة فى منطقة الحدود بين البلدين، ومن البديهى أن حلف الناتو لن يتدخل إلا إذا اقتربت روسيا من حدود دول أوروبا، أو بقرار من مجلس الأمن. أ - العقوبات الاقتصادية الروسية ضد تركيا ولأن روسيا تدرك تماماً مخاطر التورط بشكل مباشر فى رد عسكرى انتقامى ضد تركيا، تريد أمريكا استدراجها إليه وتستدعى تدخل قوات حلف الناتو مع تركيا، ومع عدم استبعاد العمل العسكرى وهو ما أشار له بوتين فى خطابه أمام البرلمان الروسى فى 3 ديسمبر الماضى حين صرح بأن رد الفعل الروسى لن يقتصر على البعد الاقتصادى والتجارى التى أقرها بوتين وأعلن عنها رئيس الوزراء الروسى ميدفيديف وتشمل حظر السياحة الروسية التى تشكل 12٪ من حجم السياحة فى تركيا، وإعادة العمال الأتراك الذين كانوا يعملون فى المصانع الروسية، وستبدل روسيا اتفاقاتها الاقتصادية مع تركيا بدول أخرى ومنع تصدير الغاز إليها وعبوره من خلالها إلى أوروبا، كذلك تجميد مشروعات استراتيجية ضخمة فى تركيا أبرزها بناء محطة نووية قيمتها 22 مليار دولار، وبناء خط أنابيب غاز «تورك ستريم» الذى يمتد عبر البحر الأسود إلى أوروبا من خلال تركيا إلى «إيسالا» على الحدود التركية مع اليونان وسعته النهائية 63 مليار متر مكعب سنوياً حيث تعد تركيا هى ثانى أكبر سوق للصادرات الروسية من الغاز الطبيعى بعد ألمانيا، وتلبى غاز بروم الروسية ما يقرب من 57٪ من احتياجات السوق التركية من الغاز الطبيعى سنوياً، إلى جانب إلغاء سوق الاستثمارات المشتركة وحركة البناء والعقارات فى روسيا يعمل بها الآلاف من الأتراك، فى الخلاصة فإن إمكان روسيا أن تخنق تركيا اقتصادياً وتحرمها من 7 مليارات دولار سنوياً. العقوبات العسكرية الروسية ضد تركيا لقد كان بوتين واضحاً تماماً فى خطابه الأخير أمام البرلمان الروسى عندما أكد أن رد الفعل الروسى لن يقتصر فقط على البعد الاقتصادى، وأن تركيا ستندم على فعلتها بإسقاط الطائرة الروسية، وهو ما يعنى أن العمل العسكرى بشكل ما صار مؤكداً، وإن كان طبيعياً أن مثل هذا العمل سيخضع لحسابات دقيقة فمن ناحية سيطفئ نار الانتقام المشتعلة فى نفوس الروس شعباً وجيشاً ضد تركيا، ويعيد لروسيا هيبتها داخلياً وإقليمياً ودولياً، إلا أنه من ناحية أخرى يجب ألا يعطى الفرصة لتدخل الناتو ضد روسيا، فقد تستغل روسيا اقتراب طائرة تركية من الحدود السورية وتسقطها إما بصواريخ S 400 أرض جو، أو بواسطة مقاتلة اعتراضية روسية، مع تكثيف الضربات الجوية ضد مناطق التركمان التى تأوى عناصر داعش وتعتبر مناطق نفوذ لتركيا، هذا إلى جانب دعم روسيا لحزب العمال الكردستانى الانفصالى فى الهجمات التى يشنها ضد القوات والمنشآت التركية فى العمق، مع الحرص على تأمين عنصر المفاجأة فى أى عمل عسكرى ستقرره روسيا ضد تركيا، وفى المقابل قد تقوم تركيا بالحد من مرور السفن الروسية فى مضيقى البوسفور والدردنيل، وهو ما سيؤثر سلباً على القاعدة الجوية الروسية فى «حميميم» باللاذقية وهو ما يتعارض مع اتفاقية مونترو عام 1936 التى تنظم حركة المرور عبر المضايق البحرية وبالتالى فإن تركيا لا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوة، إلا إذا أنها تتعرض للتهديد بالحرب وهو ما ستحرص روسيا على عدم إظهاره من جانبها، وإن كان مثل هذا الإجراء من جانب تركيا يعد تصعيداً فى الموقف لن تحمد عقباه من جانب روسيا التى قد تواجهه بفتح طريق الملاحة فى هذه المضايق بالقوة، لا سيما فى إطار تواجد قوة بحرية روسية ضخمة بقيادة الطراد «موسكوفا» فى مياه شرق المتوسط، وقد ترد روسيا بفرض حصار على أحد الموانئ التركية، وقطع خطوط الملاحة التركية فى البحر المتوسط، وفى جميع الحالات ستتجنب روسيا إعطاء أمريكا الفرصة لتحميلها مسئولية إشعال حرب عالمية ثالثة. أما الأكثر تهديداً لتركيا من جانب روسيا، بل والأكثر خطراً من الصواريخ البالستية والطائرات والطرادات الروسية، فهو قدرات الحرب الإلكترونية التى تملكها روسيا، وهى منظومة «كراسوخا 4» المعقدة، والتى تستطيع إجراء إعاقة على الرادارات التركية - سواء دفاع جوى أو سفن بحرية أو جوية داخل الطائرات - فبإمكان هذه المنظومة أن تجعل كل هذه المنظومات التسليحية التركية عمياء لا ترى أى هدف يصيبها، فضلاً عن الإعاقة أيضاً على أجهزة القيادة والسيطرة السلكية والخطية ومتعددة القنوات التركية بما يمنعها من الحصول على معلومات من المستويات الأعلى والأدنى وبالعكس، ويحرمها أيضاًمن إصدار تعليمات وأوامر القتال إلى المستويات الأدني؟ إلى جانب حرمان وسائل الاستطلاع الجوية والبرية والبحرية من الحصول على معلومات عن العدائيات فى الجو والبحر والجو، كما بإمكان هذه المنظومة أن تمنع تحليق الطائرات دون طيار وأداء مهامها وتفسد كذلك عملية توجيه الصواريخ البالستية ومتوسطة المدى وهناك قائمة من الأسلحة والموارد العسكرية الروسية يمكن استخدامها خلال اشتباك محدود للقوات الروسية فى سوريا وشرق المتوسط، حيث إن هذه الأسلحة ستجبر تركيا على التراجع دون حاجة لصواريخ بالستية. ج - عقوبات سياسية بدأت روسيا تلوح بانتزاع أراض من تركيا بموجب اتفاقية 1921، فقد نشرت وكالة سبتنيك الروسية تحليلاً ذكرت فيه أن تركيا حصلت على جزء كبير من أراضيها وفقاً لمعاهدة موسكو - قارص التى تصدق عليها روسيا كل 25 عاماً وبموجبها حصلت تركيا على مدينة قارص الأرمينية وأردهان وجبل أرارات وكذك معاهدة برست ليتوفسك وأسست الحدود الحالية بين تركيا ودول جنوب القوقاز، والتى ساعدت على إنهاء معركة سردار آباد والحملة القوقازية ككل وبموجب هذه الاتفاقية تجدد روسيا التوقيع كل 25 سنة، واليوم وبعد حادث الطائرة توجد شكوك كبيرة فى أن تجدد روسيا تصديقها على هذه الاتفاقية كما يتوقع أن تشمل العقوبات الروسية أيضاً دعم الأكراد لإعلان دولتهم المستقلة، كما هو الحال فى العراق.