من بين الكتب بالغة الأهمية التي صدرت في السنوات الأخيرة في مصر مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي الذي لعب دوراً كبيراً في الحرب، حيث كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة لمدة امتدت من مايو 71 وحتى ديسمبر 73 وقدم تقييماً مختلفاً للحرب وما جرى خلالها وبعدها، خاصة ثغرة الدفرسوار وهو الأمر الذي انتهى به إلى خصومة مع الرئيس السادات حيث تم إبعاده عن الأضواء إلى أن لقي وفاته مع ثورة يناير 2011. وفي المذكرات يوجه الشاذلي التحية إلى الجنود المصريين الذي كان لهم الفضل فيما تحقق من نصر في الحرب التي استعادت، حسبما يصف الشاذلي، للجندى المصري كرامته وتاريخه المجيد. المذكرات التي صدرت عن دار رؤية تقع في أكثر من 600 صفحة من القطع الكبير تضم مسيرة الشاذلي ويتحدث من خلاله عن المشاريع الاستراتيجية العسكرية وإمكانيات الهجوم على إسرائيل ثم تطور الخطة الهجومية ويعرض لنا تفاصيل الخطة بدر. وفي باب ثان يستعرض تجهيز وإعداد القوات المسلحة بما في ذلك من إنشاء خطوط جديدة للقيادة والسيطرة مع تشكيل وحدات جديدة، ويتطرق الشاذلي لمشكلات العبور وكيف تم التغلب عليها وتطور الدفاع الجوي وتطور خطة التعبئة العامة ورفع الروح المعنوية للقوات المسلحة. وفي تناوله لخطة الحرب يشير إلى أن القيادة العسكرية فرضت قيود مشددة لإخفاء نواياها لمفاجأة العدو وهو الأمر الذي كان أحد العوامل الحاسمة في الحرب ككل، وقد كانت الحلقة الأخيرة من سلسلة الإجراءات الخداعية - حسبما يذكر الشاذلي - الإعلان المسبق عن إجراء المشروع الاستراتيجي السنوي في المدة ما بين أول اكتوبر وحتى 7 أكتوبر وتحت هذا الستار كان يتم استدعاء الاحتياطي والانتقال من مراكز القيادة العادية إلى مراكز القيادة الميدانية. وبلغة القائد العسكري يقدم الفريق الشاذلي مذكراته وخلاصتها عن العمليات الحربية الأولى أنه بحلول الثامنة من صباح الأحد كانت قواتنا قد حققت نجاحاً حاسماً في معركة القناة، حيث عبرت أصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة وهو رقم قياسي لم تحققه أية عملية عبور في تاريخ البشرية، قد تم ذلك بأقل خسائر ممكنة حيث بلغت خسائرنا 5 طائرات و20 دبابة و280 شهيد، أما العدو ففقد 30 طائرة و300 دبابة وعدة آلاف من القتلى وخسر معهم خط بارليف بكامله، حيث تم سحق ثلاثة ألوية مدرعة لواء مشاة كانت تدافع عن القناة وأصبحت أسطورة خط بارليف التي كان يتغنى بها الإسرائيليون في خبر كان.. ويشير الشاذلي إلى أنه رغم توقع قيام العدو بهجوم مضاد رئيسي فقد فشلت هذه الهجمات التي تمت في يوم 8 أكتوبر. وينتقل الشاذلي إلى النقطة المهمة التي تمثل جوهر التحول في الحرب وهي ثغرة الدفرسوار وما يصفه بالقرار السياسي الخاطئ، حيث يشير إلى أن الوزير فاتحه يوم الخميس 11 أكتوبر في موضوع تطوير الهجوم نحو المضايق، وهو ما رفضه ثلاث مرات فكان مصارحته بأن هذا قرار سياسي وإزاء الرفض لهذه العملية من قبل قائد الجيش الثاني اللواء سعد مأمون وكذلك اللواء عبدالمنعم واصل كان تأجيل الهجوم فقط يوم واحد وليس إلغاؤه. يقول الشاذلي إن هذا القرار كان أول غلطة كبيرة ترتكبها القيادة المصرية خلال الحرب وقد جرت هذه الغلطة إلى سلسلة أخرى من الأخطاء التي كان لها أثر كبير على سير الحرب ونتائجها. ومما يذكره الشاذلي ويشير إلى الموقف الأمريكي خلال الحرب أنه في يوم 13 أكتوبر ظهرت طائرة استطلاع فوق منطقة القتال ولم تكتف بتغطية الجبهة بالكامل بل طارت فوق الدلتا قبل أن تخرج نهائياً من المجال الجوي المصري دون أن تصاب بأذى. وفي ظل هذا الموقف يشير الشاذلي إلى أنه اقترح سحب فرقتين إلى غرب القناة لتحقيق نوع من الاتزان الدفاعي، وهو الأمر الذي تم رفضه، وفي ضوء الدعم الأمريكي وما قدمته من معلومات بفضل رحلات طائراتها الاستطلاعية كان اختراق العدو الإسرائيلي بالعبور إلى الضفة الغربية فيما عرف بالثغرة. يشير الشاذلي إلى أنه قدم رؤيته لكيفية التعامل معها وهو ما انتهى إلى صدام بينه وبين الرئيس السادات حول تصفية الثغرة، حيث راح السادات يصرخ في وجه الشاذلي قائلاً: أنا لا أريد أن أسمع منك مرة ثانية هذه الاقتراحات الخاصة بسحب القوات من الشرق، إذا أثرت هذا الموضوع مرة ثانية فإني سوف أحاكمك»، لقد أصاب كلام السادات الشاذلي - كما يذكر - بجرح عميق وجال بخاطره أن يستقيل ولكنه سرعان ما استبعد هذا الخاطر.. أن يترك القوات المسلحة وقت الشدة.. والنتيجة أنه بحلول فجر يوم 18 أكتوبر كان للعدو غرب القناة فرقتان مدرعتان كانت إحداهما بقيادة الجنرال شارون، فما كان إلا استدعاء الفرقة الرابعة – وهو ما طالب به الشاذلي – ولكن في وقت متأخر، على هذا النحو يمكنك أن تتابع قصة تطور الحرب.