تشهد رؤية صندوق النقد الدولي لأداء الاقتصاد المصري انفراجة كبيرة حالياً، انعكست على المشاورات التي تمت بين الجانبين على هامش مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وجاءت نظرة الصندوق لمعدلات نمو الاقتصاد المصري إيجابية للغاية، مما دفع الحكومة إلى استغلال ذلك بالتفكير للعودة مرة أخرى للتفاوض من أجل الحصول على قرض جديد. يأتي الفكر الحكومي باللجوء إلى الاقتراض نظراً للمأزق الذي يعاني منه هاني قدري وزير المالية من حدوث فجوة تمويلية تقدر بنحو 36 مليار دولار على مدار الخمس سنوات المقبلة، حيث أعلن وزير المالية أمام مؤتمر اليورومني منذ أيام عن عدة إجراءات لسد تلك الفجوة ومعاجلة العجز في الموازنة العامة من خلال اتجاه الحكومة لطرح سندات دولارية تصل إلى 10 مليارات دولار في الأسواق الدولية، إلى جانب تعديل آلية الصكوك لطرحها كأداة تمويل إضافية. ولكن في ضوء هذا التجاوب من مسئولي صندوق النقد بات خيار الاقتراض أفضل مقارنة بطرح السندات الدولارية، وذلك على الرغم من نجاح الإصدار السابق لتلك السندات بقيمة 1.5 مليار دولار على شريحة واحدة في بورصة لوكسمبورج خلال الأشهر الماضية وتغطيته 4 مرات، إلا أن سعر الفائدة على السندات بلغ 5.87% بآجال 10 سنوات. وبالنظر إلى الاقتراض الخارجي من صندوق النقد الدولي فإنه يعد أفضل البدائل التمويلية في الوقت الحالي، حيث تصل حصة مصر في صندوق النقد إلى نحو 1.5 مليار دولار، ومن حق مصر الحصول على نسبة تصل إلى نحو 600% من قيمة حصتها، وبحجم فائدة منخفض يصل إلى 1.5% فقط، مما يجعل الاقتراض من الصندوق يعد أفضل للغاية من الاقتراض المحلى أيضاً، حيث تمثل الفائدة من البنوك المحلية 10 أضعاف هذه النسبة، بالإضافة إلى أن الصندوق يمنح مصر فترة سماح لسداد القرض تصل إلى 39 شهراً من تاريخ الحصول على القرض، كما تمتد الاستفادة من قرض الصندوق إلى منح مصر شهادة مهمة في الوقت الحالي من أكبر مؤسسة اقتصادية في العالم تؤكد جدارة الاقتصاد المصري، مما يشجع المستثمرين الدوليين وصناديق الاستثمار العالمية على معاودة عملهم في السوق المصرية. وكشف مصدر مسئول بوزارة المالية أن قرار التفاوض مع صندوق النقد قرار سياسي لا يملكه وزير المالية، نافياً إجراء مشاورات مع بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت القاهرة منذ عدة أيام حول طلب الحصول على قرض جديد، وأشار إلى أن البعثة قامت بعقد لقاءات مع قيادات وزارة المالية بجانب اجتماعات مع كبار المسئولين التنفيذيين بالوزارات والجهات العامة بالدولة المعنية بملف علاقات مصر والصندوق والبنك الدوليين، للتعرف علي تطورات أداء الاقتصاد المصري وما يتم تنفيذه حالياً من سياسات وإصلاحات وبرامج مالية لحفز معدلات النمو الاقتصادي واستعادة الاستقرار المالي. وأكد أن هذه البعثة فنية فقط، وجاءت لمتابعة وتقييم تطور أداء الاقتصاد المصري، موضحاً أن مناقشات صندوق النقد مع المسئولين المصريين تأتي في إطار المشاورات الدورية التي يجريها الصندوق مع الدول الأعضاء للتعرف علي تطورات الأداء الاقتصادي للدولة العضو، والوقوف علي سياساتها المالية والنقدية المطبقة، وكشف مسئول المالية عن الاتفاق مع مسئولي صندوق النقد الدولي على حضور بعثة جديدة للقاهرة خلال شهري فبراير ومارس المقبلين، مشيراً إلى أنه سيتم خلال الفترة المقبلة دراسة قرار الاقتراض من الصندوق لطرحه على هذه البعثة في حال الموافقة عليه. وكان صندوق النقد الدولي قد أصدر تقريراً إيجابياً يدعم مصر أمام المؤتمر الاقتصادي، وذلك لأول مرة منذ ثورة يناير، حيث وافق التقرير على برنامج الحكومة للتنمية، وأكد التقرير قدرة السياسات التي تتبعها الحكومة على تحقيق معدلات متزايدة للنمو الاقتصادي الشامل Inclusive Growth لتصل إلى نحو 5% على المدى المتوسط، وهى معدلات نمو جيدة نسبياً طبقاً لما هو سائد حالياً على المستويات الدولية، وأشار تقرير الصندوق إلى قدرة معدلات النمو على خفض معدلات البطالة إلى نحو 10% خلال السنوات الخمس القادمة. وأشاد تقرير المؤسسة الدولية بالسياسات والإصلاحات المالية التي قامت بها الحكومة وخطتها لتحقيق الاستقرار المالي خلال السنوات الخمس القادمة، حيث أشار التقرير إلى قدرة السياسات المالية المتبعة على تحقيق خطة الحكومة لخفض عجز الموازنة العامة للدولة إلى مستوى 8- 8.5% وخفض معدلات الدين العام إلى نحو 80- 85% من الناتج المحلى بحلول عام 2018/2019، وجاء ذلك بعد توقف عن إصدار تقارير بشأن الاقتصاد المصري منذ عام 2010 نتيجة دخول مصر في مفاوضات حول اتفاق لبرنامج للتسهيل الائتماني خلال الفترة من 2011 إلى 2013، وهو ما تنتفي معه الحاجة لاستقبال بعثات التقييم تحت مظلة المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق. يذكر أن السنوات الماضية التي أعقبت ثورة 25 يناير قد شهدت جدلاً كبيراً من المفاوضات حول حصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولي بواقع 3.2 مليار دولار، بدأت مع حكومة الدكتور عصام شرف ومروراً بحقبة الإخوان الذين فشلوا في إقناع مسئولي الصندوق بتحسن الاقتصاد المصري من أجل الحصول على قرض الصندوق، حتى تم غلق هذا الملف بعد سقوط نظام الإخوان، ليبدأ عهد جديد من الإصلاح الاقتصادي نجح في تغيير نظرة صندوق النقد إيجابياً تجاه أداء الاقتصاد المصري.