كتب الخائنون وثائق خزيهم وعارهم فى سبيل مجد زائل، ونعيم مؤقت. والخائن يبتذل كل ما تبقى من إنسانيته شيئاً فشيئاً في سبيل إرضاء سيده الجديد. ومن يطالع قصة هزيمة طومانباى على يد السلطان سليم الأول عام 1517 ودخول العثمانيين مصر، تزعجه قوائم العملاء والخونة والجواسيس بدءًا من جان بردى الغزالى، وخاير بك وحتى حسن بن مرعى. لكن فى الوقت نفسه كان هناك وطنيون مخلصون مثل شار بك، والامير علان وكرتباى الوالى. وكرتباى الوالى واحد من المماليك الشجعان الذين جاءوا الى مصر رقيقًا فأحبوها واتخذوها وطنًا وقاتلوا دفاعا عنها. ويحكى ابن زنبل الرمال وهو المؤرخ الوحيد المعاصر لدخول العثمانيين إلى مصر قصة كرتباى الوالى الذى كان واحدًا من الأمراء المحيطين بالسلطان قنصوه الغورى. ومما يذكره المؤرخ أنَّ قتل الغورى فى مرج دابق أصاب المصريين بالخوف والفزع واجتمع أمراء المماليك فى مصر واختاروا طومانباى سلطانًا على مصر. وكان ممن رجح اختيار «طومانباى» الأمير كرتباى الوالى الذى رأى فيه فارسا ورعا متدينا قادرا على مواجهة الخطر. وشاء الله أن ينهزم جيش طومانباى البسيط أمام العثمانيين، وأن يدخل السلطان سليم الاول القاهرة على جثث الناس ومعه الامير الخائن خاير بك. وقتها اختفى كثير من أمراء المماليك الشجعان بين المصريين وذاب كرتباى الوالى بين الناس، فلجأ خاير بك إلى حيلة هى إعلان الامان له باسم السلطان سليم. وبالفعل يقبل كرتباى الأمان ويدخل الى السلطان سليم مرفوع الرأس فيعاتبه على مقاومته ومساندته لطومانباى فيقول له «كرتباى»: كيف بك اذا وقفت بين يدى الله تعالى ؟ فقال السلطان سليم: لقد جئتنا أسيرًا. فرد كرتباى: هذا باطل. لقد جاءنى رسولك بكتاب مختوم بختمك فيه الامان. فكيف تخون عهدك ؟ فوالله ما أخافك ولا أخاف جندك. ففكر السلطان سليم فى تكريمه والاحتفاء به لكن خاير بك همس فى « يا مولاي، إن أبقيت عليه وجعلته وزيراً لا يبقي عليك هذا المعاند الباطل والكلب الجاهل ويفسد جميع عساكرك».. فأي نموذج إيجابي يصبح مصدر إزعاج شديدا للخائن ويسعى بكل قوة للقضاء عليه، ففهم كرتباى وقال له: والله إن هذا «خاير بك» يقودك الى جهنم. اصنع ما شئت، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره. وقطع السياف رأسه ليبقى فى سجل المصريين الشجعان. وقبل أن يغادر السلطان سليم مصر يقرر تعيين خاير بك نائباً له بمصر، ولقبه المصريون بخاين بك تهكمًا، كما لُقِب بملك الأمراء، ولكن أي أمراء..