الإصلاح الاقتصادى يحتاج حسما وجرأة ولا سبيل لتعديل مسار الاقتصاد الوطنى صعودا إلا بقرارات شجاعة تصب فى صالح المجتمع. كان ذلك واضحا عندما اتخذت حكومة مصر فى يوليو من العام الماضى قرارا جريئا بتحريك أسعار المنتجات البترولية، وبتحرير أسعار الكهرباء تدريجيا على خمس سنوات، لذا فإن كافة المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولى ساندت التوجه واعتبرته دليل جرأة وقدرة على تصحيح أوضاع الاقتصاد المصرى. فى الاسابيع الأخيرة كان مجتمع المال والاستثمار على موعد مع حالة من الجدل حول الضريبة المُقررة على أرباح سوق المال والتى حددتها وزارة المالية ب10%. وكان من الغريب أن كثيرا من خبراء الاستثمار الدوليين اعتبروا أن الضريبة لا تؤثر سلبيا على قدوم الاستثمارات الأجنبية، ولا تُساهم فى تراجعه، بل كانت محل مساندة وتأييد من صندوق النقد الدولى الذى عرّض عدة مرات على الحكومة المصرية إقراضها خلال الأعوام الثلاث الماضية. وفى لقاء أخير جمعنى بالدكتور عبد الشكور شعلان الخبير العالمى فى صندوق النقد فى العاصمة الأمريكيةواشنطن سألته عن رأيه فى تلك الضريبة فقال لى إن الضرائب على أرباح البورصة موجودة فى معظم دول العالم وهى تمنح الحكومة فرصة أكبر لتخفيض العجز المالى وهو ما يعنى انه فى صالح الاقتصاد المصرى. ونفس التعليق تقريبا سمعته فى الأسبوع الماضى من الدكتور حازم الببلاوى ممثل المجموعة العربية فى صندوق النقد الدولى فى واشنطن الذى قال إن مصر تسير فى الطريق الصحيح وأن الاصلاحات الاقتصادية الأخيرة تُحقق نتائج جيدة. لكن المفاجأة أن الحكومة تراجعت عن تطبيق الضريبة تحت ضغط مستثمرى سوق المال، رغم أن مُبررات الضريبة التى أعلنها هانى قدرى وزير المالية من قبل تضمنت استهداف 10 مليارات جنيه من خلال الضريبة الجديدة. من هُنا اعتبر صندوق النقد الدولى التراجع عن الضريبة بمثابة «صدمة» لم يتوقعها لأنها تُمثل نكوصا عن اصلاحات مالية طبيعية ومعمول بها فى كثير من دول العالم. وقد علّق الصندوق على لسان كريس جارفس بأنه يشعر بخيبة الأمل تجاه التراجع عن الضريبة لأن ذلك يعنى أن تكتفى الحكومة بتحميل آثار الاصلاحات المالية للطبقات الدنيا والمتوسطة. ولا شك أن انتقاد الصندوق لمصر لا يحمل تبعات اجرائية تجاه الاقتصاد المصرى خاصة ان مصر لم تطلب الاقتراض من الصندوق حتى الآن رغم أن كريستين لاجارد رئيسة الصندوق عرضت خلال مشاركتها فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى استعداد الصندوق للتعاون مع مصر وهو ما لن يستلزم سوى «الاتصال بالهاتف» على حد تعبيرها، لكن تعليق الصندوق رُبما يُمثل إضاءات كاشفة تُفيد تراجع الدولة عن إصلاحات مهمة تحت ضغط أصحاب رؤوس الاموال او المستثمرين، وهو مؤشر خطير يجب الانتباه له.