أهالى الصعيد يدينون بالشكر للدولة، ولهم رجاء، أما الشكر فهو واجب للنائب العام، ومباحث الأموال العامة علي تطويق أزمتهم مع «المستريح» لعلهم بالقبض عليه يعالجون آثار الآلام الاجتماعية والنفسية التي لحقت بهم بعد استيلائه علي مدخراتهم بحجة توظيفها مقابل عائد كبير ثم تنكر لهم، أما الرجاء فهم يطالبون بفك الاشتباك بينهم وبين «مستريح» آخر سلموه محصول قصب السكر هذا العام وهو مصانع السكر، وصرف لهم نصف القيمة وقال لهم الباقى حين ميسرة! أزمة مزارعى القصب مع مصانع السكر لا تقل عن أزمة أهالى الصعيد مع أحمد إبراهيم المستريح النصاب، الاختلاف الوحيد أن مصانع السكر «مستريح» لكن مش نصاب، ولو كان مزارعو القصب يحصلون على عائد يغطى تكلفة الانتاج ويوفر لهم مبلغًا يحل لهم مشاكلهم ما كان بعضهم باع أرضه وقدم قيمتها للمستريح، ليستريح ويقبض الأرباح، ويتخلى عن زراعة القصب الذى يعتبر محصولاً رئيسيًا فى الدولة، وبمناسبة هذا المحصول الرئيسى فإن الدستور ألزم الدولة بتوفير مستلزمات الانتاج الزراعى والحيوانى وشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب، هذا لم يحدث فالفلاح يشترى السماد بأسعار تعجيزية ويبيع محصوله بأسعار متدنية! لقد لخص الاعلامى الكبير فهمى عمر رئيس الاذاعة الأسبق وأحد كبار مزارعى قصب السكر حاليًا فى قنا أزمة الصعايدة عمومًا بأنهم أصبحوا على هامش اهتمامات الحكومة، وصمت آذانها عن سماع صرخاتهم، وقال إن صناعة السكر عندما كانت فى أيدى الخواجات فى القرن الماضى كانوا يقدرون جهد المزارع ويعطونه حقوقه، ولكن المزارع حاليًا يصرخ ولا أحد يشعر به، وأصبحت زراعة القصب من الخسارة بسبب ارتفاع مستلزمات الانتاج وتدنى أسعار بيع المحصول، ولا يحصل عليها المزارع كاملة بل بالتقسيط المريح. الحكومة ليست علي الحياد فى هذه الأزمة ولكنها طرف فيها، من خلال وزراء الزرعة والتموين والاستثمار، ومن هنا أنتقد الدكتور صلاح هلال وزير الزراعة الذى أثبت لنا أن الغربال الجديد له شدة لكنه بعد فترة يعود إلى حالته الطبيعية، خلع صلاح هلال الجلبية والشال وغادر مزارع المشمش فى «العمار» ولبس بدلة الوزير فى الدقى، وتخلى عن المزارعين رغم تحمسه فى البداية لهم. وأنا مع وضد مصانع السكر التي حصلت على محصول القصب وقررت صرف مستحقات المزارعين بالقطارة، معها لأن وزارة التموين توقفت عن سداد مديونياتها لها، وتعاقدت على شراء السكر المستورد من المستوردين وتخلت عن السكر المحلى، وفشلت شركات السكر الوطنية فى تصريف الانتاج الجديد بالإضافة إلى أن عندها حوالى 1.2 مليون طن وأكثر فى المخازن من الموسم الماضى فاضطرت إلى أخذ حقوق المزارعين رهينة للضغط على وزارة التموين لسداد مديونياتها والحصول علي انتاجها من السكر، وقالت للمزارعين حين ميسرة، فى هذه الحالة شركات السكر مقدرتش على «.......» فتشطرت على «....»، المزارعون ليس لهم ذنب فى اللعب بين الكبار، يكفى أنهم يخسرون فى زراعة القصب الذى لا يغطى تكاليف انتاجه، ولكنهم مضطرون إلى زراعته لأسباب كثيرة منها أنهم تعودوا عليه من أيام عقود الاذعان. الحكومة طرف فى هذه الأزمة لأنها فتحت باب استيراد السكر لحيتان الاستيراد علي حساب صناعة السكر الوطنية، مافيا السكر مازالت موجودة من العهد الماضى، هناك من يساعدها فى الحكومة علي الاستيراد لاغراق السوق المحلى علي حساب المنتج الوطنى من مصانع السكر المصرية، وعلي حساب 6 ملايين مزارع قصب، وحوالى 30 ألف عامل فى مصانع السكر مهددين بالتشرد. مزارعو القصب كانوا يطمعون هذا العام فى رفع سعر طن قصب السكر إلي 500 جنيه على الأقل لتغطية تكاليف الانتاج خاصة فى أسعار السماد الخيالية وباقى التكاليف التى لا تتوقف حتى توريد المحصول للشركات، ولكن الحكومة بالاتفاق مع مصانع السكر ثبتت سعر الطن هذا العام عند 400 جنيه، فقط مما يعرض المزارعين لخسائر بسبب ارتفاع تكلفة الانتاج عن العائد. الحكومة علي علم بهذه الأزمة وملفها على مكتب المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، الصعيد فى حالة غليان، ويقدر الظروف التى تمر بها الدولة، ولكنهم لا يتحملون «مستريح» آخر بعد سقوطهم مع الريان الجديد، من الحكمة أن تتدخل الحكومة لإنهاء أزمة مزارعى قصب السكر لتخفيف الآلام النفسية التى يمر بها أهالى الصعيد حتى اعتقدوا أن الدولة تخلت عنهم، تدخل المهندس محلب فى هذا الوقت ضرورة لانقاذ زراعة القصب الجديد بدلاً من خراب أهم صناعة استراتيجية لحساب حيتان الاستيراد الذين يهددون باحتكار هذه السلعة ويخربون مصانع بالمليارات ويشردون عمالة بالآلاف ومزارعين بالملايين.