نحن كيان ولسنا فريقا نتكلم بلسان 15 مليونا من ذوي الإعاقة ولا نمثل 3 ملايين كفيف فقط يطلقون علينا «فرسان الإبداع» هذه هي الفلسفة، التي تقوم عليها أول فرقة للمكفوفين بمصر أعضاؤها من الشباب والشابات الذين حولوا الاحتياجات الي قدرات فنية خاصة عن طريق «مسرحة قضايا ذوي الإعاقات وتقديمها علي خشبة المسرح من خلال تحويل النصوص الناطقة بمعاناتهم الي فنون تمثيلية فائقة الروعة أب يعرض ابنته للبيع في الشارع.. أب يقتل أولاده الخمسة بعد أن توبخه صحفية وتلومه لأن أولاده عبء علي الحكومة موتي يشتكون من تشغيل الأحياء للتليفزيون فوق قبورهم مما يزعجهم فيخرج الزوج الميت معترضا فتنصحه زوجته بالهدوء قائلة له «انت راجل صاحب كفن» في النهاية رجل يصيح: فيه مولوتوف.. فيه نار.. فيه قنابل. بس تعيشي يا مصر الأبطال يرفعون أصواتهم في حماس «يلا ننور مصر» كلها حواديت مصرية تعرض في مسرحية تحمل نفس الاسم الذي أصبح مؤخرا «حكايات مصرية» تقوم بعمل بروفاتها أول فرقة مسرحية من المكفوفين في مصر والشرق الأوسط الآن تمهيدا لعرضها خلال الشهر الحالي علي مسرح مدرسة الزراعة بالمحلة. «الوفد» التقت سيد مجاهد مدير الفرقة الذي أكد لنا في البداية أنهم كيان أكبر من مجرد فرقة سألته: ماذا تقصد؟ - أولا هذا الكيان عدده حوالي 15 من الشباب والفتيات. بواقع 10 رجال و5 سيدات، تتراوح أعمارهم ما بين 20 و54 سنة هل جميع أعضاء الفرقة من فاقدي البصر؟ - أعضاء الفرقة ثلاث درجات من الإعاقة البصرية لكي تكون متكاملة فمنهم فاقد البصر تماما ومنهم من يستطيع النظر بالنهار بينما يحتاج لمرافق ليلا. وعامة هذه هي أول فرقة مصرية للمكفوفين ليس في مصر فقط وإنما في الوطن العربي والشرق الأوسط. كنت مبصراً كان لابد أن أسأل مدير الفرقة عن أهم القضايا التي يريدون توصيلها من خلال أعمالهم قال: شباب الفرقة كأي شباب مصري يعانون من نفس المشكلات: البطالة, السكن, تأخر الزواج الذي تفاقم مع عدم وجود وظيفة وكل هذه المشكلات نقوم بمسرحتها وتقديمها علي خشية المسرح فدورنا اجتماعي وطني ولنا مواقف سياسية نحن مطالبنا عادلة وإن آجلا أم عاجلا سيتم تحقيقها كما يحدث في الدول الأخري وعن تجربته في تحدي الإعاقة قال «مجاهد»: كنت مبصرا والتحقت بالخدمة العسكرية لكنني أصبت بمياه زرقاء علي العين وتطور الامر الي ضمور افقدني البصر لكن جدي كان كفيفا وكنت أعيش معه وأساعده وكان لهذا حكمة علمتها مؤخرا لأنني رأيت من قبل كيف يتعامل الكفيف مع الأشياء من حوله كيف يمشي. كيف يربط بين الصوت والحركة وكأنني كنت مؤهلا لمصير ينتظرني فلم أجد صعوبة في التعامل مع الواقع الجديد لكن السؤال الذي نحاول الإجابة عليه من خلال الأعمال الفنية هل يتعامل المجتمع مع المعاقين كما يجب وأسأله أخري مثل هل الكفيف مجرد عصا بيضاء؟ صعوبات التمويل رغم سمو رسالة الفكرة وتفردها إلا أن الفرقة تعاني مشكلات عديدة أولاها مشكلة المقر وفي لقاء بجابر عصفو وزير الثقافة السابق كان قد وعد بحل مشكلة المقر بالقاهرة وقال مدير فرقة المفتحين: المجلس القومي لشئون الإعاقة لا يقدم لنا شيئا واتحاد الرياضة للمعاقين نفس الشيء والفرقة تحتاج لدعم وتمويل فقد سبق وتوقف مشروع مسرحية «الناس اللي تحت» لنعمان عاشور بسبب التمويل وعدم وجود ميزانية والفرقة تعمل الان بالجهود الذاتية ووزارة الثقافة تتولي بعض التكاليف ونحن نرفض الخضوع للجمعيات خوفا من محاولات المتاجرة بالفرقة وما يمكن ان تتكسبه من ورائنا. مش لاقينا من ضمن كل الأعمال الفنية السينمائية والتليفزيونية التي تحدثت عن ذوي الاحتياجات «مش لاقينا» هكذا بدأ الفنان الشاب أحمد نادر الممثل بفرقة المفتحين حديثه معنا وقال: عمري 23 سنة فقدت البصر منذ طفولتي وأنا الآن طالب بكلية الآداب قسم تاريخ وجدت في انضمامي الي فرقة المفتحين المسرحية حلم عمري الذي طالما راودني في طفولتي وصباي منذ أن كنت تلميذا في معهد النور والأمل للمكفوفين بطنطا كنت أشارك في الأنشطة التمثيلية بالمعهد وحققت مراكز أولي في مسابقات علي مستوي الجمهورية كما كنا نقدم عرضا مسرحيا كل عام واكتشفت انني احب الفن للفن ولكن في نفس الوقت أود أن أساهم في حل مشكلاتنا نحن ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال العروض المسرحية ولو تحقق ذلك حتي ولو بنسبة معينة اعتبره نجاحا. وما أهم المشكلات التي تسعي لحلها من خلال الفن؟ - بالتأكيد مشكلة العمل نحن ندرس ونتخرج في الجامعات ثم نجد أنفسنا بلا عمل ولا أحد يلتزم بقوانين تشغيل ال5% لا الحكومة ولا القطاع الخاص. هل فكرت في دراسة المسرح؟ - بالطبع فكرت فالدراسة مهمة لثقل الموهبة لكنني أنتظر رد الفعل علي اول عروضنا الشهر الحالي لأقرر لكنني أستطيع أن أؤكد المردود الايجابي لعملي ب«المفتحين» حيث أشعر بالاحتراف وأعجبني موضوح حكايات مصرية جدا. إلي أي مدي استطاعت الأعمال الدرامية خدمة قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة؟ - بصراحة ومع كل احترامي للفنانين «مش لاقينا» في أى عمل معظم الأعمال تستهزئ بنا أو تقدمنا علي أننا «عاجزون» ولا نستطيع الدفاع عن أنفسنا فالمعاق في الدراما إما شيخ يغني علي عود أو ممسك بعصا يجلس علي «قهوة» بصراحة لم نعد نتحمل هذه الصور المغلوطة عن ذوي الاحتياجات الخاصة. من هو الفنان الذي يعجبك تمثيله؟ - عادل إمام والراحل سعيد صالح. تفتيح قلب لماذا كان اسم الفرقة «المفتحين»؟ - هذا السؤال بدأت به حديثي مع أسماء السيد الممثلة بالفرقة فضحكت وقالت من باب الدعابة إن «التفتيح» صفة من صفات القلب والروح والعقل وليس قاصرا علي العين وأنا عمري ثلاثون عاما درست اللغة العربية في كلية الآداب وربما كان لذلك أثره في إتقاني لأدواري ورغم أنني التحقت بالفرقة بعد تشجيع من أعضائها وهم زملاء المدرسة والجامعة إلا أنني أشعر بتوافر إمكانيات الاحتراف بشهادة الزملاء وقالت أسماء ولدت فاقدة للبصر وليس في عائلتي سابقة في هذا الأمر لكنني لا أشغل بالي كثيرا بإعاقتي لانني أؤمن أننا اصحاب إرادة خاصة. وما هدفك من خلال ما تقدمين بالفرقة؟ - التمثيل المسرحي يمكن أن يوصل الهدف ببساطة وبشكل ممتع غير ممل لكنه «ظريف» ويدخل القلب بسرعة لبساطة القالب الذي تقدم من خلاله. ما دورك في «حكايات مصرية» وما الرسالة من ورائه؟ - في الحكاية الأولي ثورة الموتي أقوم بدور فردوس وأريد أن أقول إن الميت قد يصحو علي صدمة مشاركة الأحياء له في قبره وهنا طبعا نتحدث عن مشكلة السكن التي جعلت المصريين يعيشون في المقابر بعد أن عجزوا عن العثور علي سكن آدمي فوق الأرض أما في الحكاية الثانية فأنا الابنة التي يبيعها الأب في الشارع بسبب الفقر. وهل ترفضين الفقر ام بيع الرجل لابنته بسببه؟ - أرفض كليهما لكن فكرة أن يبيع الإنسان فلذة كبده مرفوضة تحت أي ظرف ولأي سبب. من تشاهدين من الفنانات وتعتبرينها سيدة المسرح؟ - بحكم دراستي للغة العربية أعشق المسرح القومي وشاهدت من قبل مسرحية «الملك لير» ومسرحية «لن تسقط القدس» وأعتبر سميحة ايوب سيدة المسرح بلا منافس. هل تعتقدين أنكم ستنجحون في تحقيق رسالتكم؟ - إلي حد ما. ولم أنت غير متأكدة؟ - بالنسبة لظروف البلد وعندنا في مصر كل شيء يمر ببطيء وأتمني أن تنجح قضية دمج ذوي الاحتياجات في المجتمع بمعني أن يساعد الناس المعاق في الشارع لأنهم يحبون أن يفعلوا ذلك وليس لأي سبب آخر. توصيل قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة والمساهمة الفكرية الفعالة في المجتمع من خلال عروض مسرحية على خشبة المسرح وتشجيع الموهوبين من ذوي الإرادة على الإبداع وإظهار إبداعاتهم. تشجيع ودعم محمد السباخي المنسق العام لغرقة المفتحين أكد لنا أن أعضاء الفرقة وإدارتها الكل متحمس لعمل شيء إيجابي ومثمر والشباب من ممثلين وكذلك المؤلف حمدي عبدالعظيم والمخرج أسامة شفيق جميعهم أصحاب رسالة سامية ولكن المسألة تحتاج لتشجيع ودعم والشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة الي أن يشعر الناس بقضاياهم ومشكلاتهم ويتحمسون لمثل هذه الافكار المبدعة خاصة أنهم موهوبون فعلا وقال: عندما شاهدتهم لم أصدق نفسي إنهم فنانون فعلا ويتقمصون الشخصيات في المسرحية ويتوحدون معهم إنهم رائعون وأدعو كبار الفنانين لمشاهدتهم ليروا فنهم فرغم أنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة إلا أنهم لهم رسالة متحمسون لها ويرسلونها بإتقان إنهم يريدون نظرة تقدير وليس شفقة هم «مفتحين» وليسوا معاقين يحتاجون مقر ودعم ويحتاجون لعرض أعمالهم علي مسارح الدولة ودعم وزارة الثقافة والبيت الفني للمسرح والمسرح القومي كما أنهم يحتاجون لدعم كبار المسرحيين في الدولة وقد سبق ورحب الفنان محمد صبحي والفنان صلاح عبد الله بالفكرة وأعجبت الكثير من العاملين في مجال الفن المسرحي ونحن في انتظار الدعم والتشجيع.