يونية 1967 هزيمة، انكسار، ليل أسود عميق، البعض يقول إن كل شيء كان جاهزاً للهزيمة، والبعض الآخر يقول إنها كانت متوقعة ولكنها غير مقصودة، والكثير كان يعيش في أحلام الغارات البراقة والزفة الإعلامية وكاريزما الزعيم. كانت الحقيقة المرة واقعاً أليماً حيث انهزمنا، هزم الجيش والمشروع والزعيم وكان الشخص الوحيد الذي لم يبرر الهزيمة هو جمال عبدالناصر، زعيم الديكتاتورية العظيم. ظل يتحكم 15 عاماً يحكم بالحديد والنار ويبني سماء وقمراً وشمساً، كلها سقطت فوق رأسه ورؤوس الجميع. الشيء المؤكد هو أن الأسباب الموضوعية كانت مهيأة للهزيمة برغم أن الجيش المصري لم يكن ضعيفاً بدليل القدرة علي البناء والعمل في فترة الاستنزاف والفترة التي تلتها. كانت القيادة ليست علي مستوي العصر والموقف فإذا دخلنا إلي دهاليز غرفة عمليات الهزيمة نجد قائد الجيش عبدالحكيم عامر غارقاً في حب جديد وتزوج من برلنتي عبدالحميد فاتنة السينما. عرف ناصر في 20/2/1967 وقرر عزله بعد أن عرف أنها حامل نتيجة العلاقة الساخنة جداً التي طغت علي فكر وعقل قائد الجيش الهمام. أصدر ناصر قراراً جمهورياً بسفر عامر للعلاج خارج مصر ولكنه عاد بعد فترة وتولي مهام منصبه وكأنه لم يحدث شيء.. آه يا بلد! تصور أرسل الملك حسين تحذيراً مع الفريق عبدالمنعم رياض يوضح استعدادات إسرائيل ورصد رئيس المباحث العامة طلعت حسن وصول 4 قطع بحرية أمريكية إلي إسرائيل.. تجاهل الجميع كل هذا.. ولا تعليق سوي أن جيشنا حديد يا ريس وكله تمام يا أفندم. اهتزت سماء مصر صباح 5 يونية 1967 علي موجات ثلاث من الضربات الجوية الإسرائيلية وبعدها انتهي الأمر حيث ضربت جميع المطارات السرية وتعرت القوات المسلحة في كل مكان. المصيبة الأعظم قرار عصبي عشوائي من حكيم بانسحاب القوات من سيناء، تشرد الجنود في الصحراء ومُثل بهم فوق وتحت رمال سيناء بين عدو غادر لا يحترم المواثيق الدولية. وكانت خيبة قوية للقيادة والكاريزما المصرية، فضيحة مدوية دخل الشعب المصري بعدها في حالة اكتئاب بعد الصدمة. 6 أكتوبر 1973 يوم عودة الكرامة وعودة الأرض والعرض وكان السادات داهية أدار المعركة بحنكة وحكمة ينكرها الحاقد وربنا ستر وعبرنا. وقف السادات شامخاً مرفوع الرأس علي أرض مطار بن جوريون بإسرائيل فأذهل العالم بخطوة جريئة أسفرت عن كامب ديفيد واتفاقياتها التي اعتبرها هدنة عظيمة للحفاظ علي دماء المصريين. وكان القرار الثالث العظيم هو قرار الانفتاح علي العالم حتي نلحق بقطار التقدم، ولكن كانت هناك سلبيات في التطبيق. أعلن السادات عودة الحياة الحزبية وعودة الديمقراطية، حيث كان عبوراً جديداً، ولكن للأسف فشلت التجربة وتحولت إلي أحزاب كرتونية مخترقة من أمن الدولة وأطماع الرئيس الديكتاتورية وأخذ يزور ويزور الانتخابات كالعادة. أصيب السادات بداء العظمة ووضع كل رموز مصر في السجون وقعد علي تلها وخربها، وكان المسمار الأخير في نعشه عندما سمح للإخوان بالخروج من الشقوق لمحاربة الشيوعيين وقتله الإخوان الخونة، في يوم عرسه في احتفالات 6 أكتوبر. وكان السادات الديكتاتور الثاني ولكن بنيولوك يختلف في المظهر عن سابقه ولكن المضمون كان واحداً وهو غياب الديمقراطية وتعظيم ديكتاتوريته التي سيطرت علي كل مقدرات الوطن وتحول إلي وحش كاسر هو وحرمه وحاشيته حتي جاءت الرصاصة في عنقه وقضي الأمر. عاشت مصر بذلك عهدين وهي مكبلة بأغلال الديكتاتورية.. صحيح كل إنسان له إيجابياته وسلبياته ولكن سلبياتهما كانت أعظم من أي إيجابيات تمت. لأن الديمقراطية هي أساس نجاح الشعوب وتقدمها من خلال تبادل السلطة بين أحزاب قوية ومحترمة وتوافر الشفافية والقضاء علي الفساد وتوفير العدالة الاجتماعية والعدل الذي هو أساس الملك. وللحديث بقية عن مبارك والإخوان المنسق العام لحزب الوفد