بنوع من التحدى لكل الآثمين والأشرار الذين تلطخت أياديهم بدماء الأبرياء، وتلوثت ضمائرهم وقلوبهم المريضة فى وحل الظلم والبغى، أقول لهم، فلتدعوا إلى مليون جمعة وجمعة، فمصر آمنة، وأهل مصر فى رباط إلى يوم القيامة، هذا ما نؤكده باطمئنان وارتياح لا حد لهما، تطمئن فيهما قلوبنا إلى وعد ربنا وَقَال: َادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ، وترتاح فيه نفوسنا إلى عمق قراءة فلسفة التاريخ، وليس أى تاريخ، ولكنه التاريخ الذى يشرف بتسجيل رب العزة سبحانه له، فى نزاهة، وأمانة لا يمكن لبشر أو غير بشر أن يشكك فيها، لأن الشاهد على هذا التاريخ هو ملك الملك سبحانه، وهو عالم الغيب والشهادة، هو الذى يعلم ما توسوس بهذا الإنسان نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد. ويقص علينا ربنا شهادة هى الأعلى فخراً، والأعظم قدراً، شهادة أمن وأمان، وسلم وإسلام، لهذا الشعب العظيم، وذلك عبر روائع القرآن الكريم فى سورة القصص، إذ يستغيث أحد المؤمنين بموسى عليه السلام ضد أحد المصريين الذين لم يؤمنوا به، ويذهب موسى، بقوته التى لا خلاف عليها، وببطشه المعهود عنه، يذهب إلى ذلك المصرى ليخلص الذى هو من شيعته من يديه، فيقول له المصرى: يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (القصص 19)، يقول صاحب الكشاف فى تفسير هذه الآية، «وهذا دليل قطعى على أن المصريين يجنحون بفطرتهم إلى السلم، ويبغضون التجبر فى الأرض والإفساد فيها «كما أن هذه الآية دليل قطعى أيضاً على امتلاك المصريين القدماء لرؤية الإفساد فى الأرض والإصلاح فيها، وتفريقهم بين الاثنين وميلهم الطبيعى والفطرى نحو السلام. وباستقراء وقائع التاريخ أيضاً تجد شهادات القرآن المتتالية للمصريين بحسن استقبالهم للوفود الأجنبية وحسن ضيافتهم ومقابلتهم والعطاء والجود لهم، من ذلك استقبالهم لبنى إسرائيل عندما قال لهم موسى: اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ، واستقبالهم للأسباط، والجود والعطاء لهم من واسع خيرات الله التى أفائها على أرض مصر، والقرآن يحكى الموقفين ببلاغة شديدة، وروعة أشد، وما كان للقرآن أن يجامل أحداً، وما كان له أن يداهن أحدا، كائناً من كان. ثم يحكى لنا التاريخ أيضاً كيف استقبل المصريون آل بيت رسول الله (ص)، وكيف احتفوا بهم، ولا تزال أضرحتهم فى مصر مزاراً للمصريين الذين يعتنقون حب آل البيت ويعتبرونهم ضماناً لأمان تلك الأرض الطيبة. ولعل تلك الشهادات العظيمة من القرآن بالتسامح والميل إلى السلام وبالرجولة، وشهادة كتب السيرة بحسن استقبال المصريين لآل البيت وفرحتهم بقدومهم الميمون إلى مصر وإقامة الأفراح فى ربوع الوطن ابتهاجاً بآل بيت الرسول الكريم، كل ذلك له دلالاتان قويتان، الأولى أن المصريين بطبيعتهم يجنحون إلى السلام لا إلى العنف، إلى الأمن لا إلى الفوضى، إلى التعاون لا إلى التنافر والتشاحن والتنابذ، وتلك صفات متأصلة فى الشخصية المصرية، وإلا فليرجع كل شاك إلى زيجريد هونكه وفجر الضمير، وموسوعة مصر والبداية والنهاية وغيرها من أمهات الكتب التى سطرت تاريخ هذا الشعب المتدين بالفطرة ،الذى يألف التدين الوسطى ويحب العفه والحياء ويبحث عن سبل الكرامة، ليس الفُجر من صفات المصريين، ولم تكن مصر قط على مدار تاريخها الذى يمتد إلى ما قبل التاريخ ذاته، بداعية إلى الفواحش أو الفجور، بل كانت داعية إلى التدين والحشمة ومكارم الأخلاق ومبادئ الإنسانية، فمن مصر خرج أول نداء سمعه البشر فى أدنى الأرض إلى الوحدة والإخاء بين الجميع، على لسان الملك المصرى المؤمن «إختانون»، الذى دعا إلى إقامة سلام عالمى يُسبح فيه الجميع بحمد الإله، ويسير فيه الراكب من أقصى الأرض إلى أدناها لا يخاف إلا الله. تلكم هى مصر وتاريخها مع السلام، وتلكم هى شهادات القرآن المتتالية لها، وهذا كله يعطينا الأمل ويمنحنا اليقين فى أن أى دعوات للعنف والإفساد فى الأرض لن تجد لها أذنا صاغية، ولن تجد من المصريين سوى النبذ والرفض القاطع لها ولدعاتها، وبذات الأمل، وبنفس اليقين، أطمئن عقلاء بنى البشر فى ربوع الأرض: نحن نعبد الله، ونثق فى حكمه وشهادته، وهو سبحانه الذى قال وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ فثقوا فى وعد الله، واطمئنوا إلى عهده، فالله لا يخلف وعده أبداً، وإياكم وأن تصدقوا تلك الدعاوى التخريبية فمآلها إلى ذل الدنيا والآخرة، ولن تنال من مصر إلا ما ناله منها الصليبون، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، إنه سبحانه نعم المولى، ونعم النصير.