لم تستطع الأيام والشهور والسنون، أن تُنسي الحاجة هناء زوجها الشهيد المهندس الخديوي عبد العليم، خبير البترول ورئيس قسم الإنشاءات، بشركة جابكو، أحد ضحايا طائرة مصر للطيران المنكوبة، التي سقطت قبالة السواحل الأمركية عام 1999. 15 عامًا مرت، ولا تزالت الحاجة هناء على أمل أن يعود زوجها بعد هذه الغيبة الطويلة، قلبها وعقلها كل جوارحها، يرفضون فكرة أن زوجها رحل ولن يعود مرة أخرى، صوته الحنون يرن فى آذانها، وفى أركان الشقة، التي تعيش فيها بالهرم، وكلما دق جرس الباب يرفرف قلبها، اعتقادًا أن زوجها هو الذي يقف بالباب، عندها تجري مسرعة نحو الباب، ولكنها تفجأ أن زوجها ليس من يطرق الباب. هي على هذه الحالة طوال ال15 المضية، الحياة في نظرها أصبحت بلا طعم، بعد فقدانها زوجها الحبيب. أفراد عائلتها الصغيرة، هم فقط من تعيش من أجلهم، بعد أن تركها زوجها ورحل، دون أن يقول لها "إلى اللقاء"، ترك لها أولادها الصغار "طارق" و"مروى" و"منى" و"عمرو"، كان "عمرو" أصغرهم وقت وقوع الحادث. كافحت الحاجة هناء، الموظفة بوزارة الثقافة، وناضلت من أجل أن يعبر أولادها وهم زهور بريئة إلى بر الأمان.. طارق الآن مهندس بترول مثل والده الشهيد، ومروى موظفة بإحدى الشركات، لكن للأسف لم تكتمل فرحتها بأبنائها، فمنى رغم أنها حاصلة على بكالوريوس الفنون الجميلة، وعمرو الحاصل على بكالوريوس تجارة إنجليزى منذ 7 سنوات، لم يحصلا على عمل حتى الآن، وتبخرت وعود المسئولين الذين أطلقوها بعد الحادث، بتعيين أبنائها بالشركة التي عمل فيها زوجها، حتى وزير البترول الذي وعدها بتشغيل الأبناء، لم يف بوعده، ورفضت الشركة منحها معاشًا استثنائيًا، بعد تربية أولادها، ولم تعطها سوى "علبة حلوى"، بعد سنة من الحادث، وأعطت الحكومة لها ظهرها ولكل أسر ضحايا الحادث. ولم تحصل الحاجة هناء بعد الحادث، على أي تعويضات، سوى 100 ألف دولار فقط، وقت أن كان الدولار ب3 جنيهات، تم توزيعها على الورثة، ولم ينالها هي وأولادها سوى القليل. كانت الوعود كثيرة وقت الحادث، لكنها تبخرت، بعد أن هدأت نيران الفجيعة، وتركت الدولة الحاجة هناء وأولادها يصارعون الحياة من أجل البقاء. إلى نص الحوار: كيف كان الشهيد الخديوي على المستوى الإنساني؟ لم أغضب مرة طيلة مدة زواجي، واتفقنا في بداية حياتنا على الإحترام المتبادل، وألا أغادر البيت مهما بلغ غضبي، وكان بيحب بيته والأولاد لأقصى درجة، بس هو كان بيحب البنات أكتر.. وكل كلامه كان جد، ولم يكن يعطي موعدًا إلا ويوفي به، وكان إنسان راقيًا ومتحضرًا في تعامللاته، سواء فى البيت أو في العمل، وعلى مستوى العائلة والأصدقاء. ماذا كان يحلم الشهيد لأبنائه؟ الحمد لله ربنا أكرمني وربيت ولادي ونفذت اللي كان بيتمناه، وكان بيتمنى إن طارق ابننا يدخل هندسة، والحمد لله تحققت أمنيته، ومنى ورثت موهبة الرسم من الشهيد، وكان دايمًا يقولها أنا عايزك تدخلي فنون جميلة، وفعلًا حققت منى أمنية أبيها، أما عمرو الصغير، كان بيقول عليه إنه هيبقى أحسن واحد فيهم، بس للأسف ما لحقش يشوفه. إلى أي مدى كان يحب الشهيد الخديوي مصر؟ الشهيد كان وطنيًا ودائمًا كان يتحدث عن مصر بكل حب وإجلال، ويتمنى لها أن تكون من الدول المتقدمة في كل مجالات الحياة، وكان يقول إن مصر بلد عريق تستحق أن يكون لها مكانة تليق بها وسط الأمم، وكان يفضل دائمًا البقاء في مصر، ويرفض أي إغراءات للسفر للعمل بالخارج، لدرجة أنه رفض 4 عقود عمل، خلال المدة التي عمل بها في قطاع البترول، مبررًا ذلك بحبه لمصر، حتى في شغله كان مخلصًا، عندما كان شابًا في الجامعة، سافر إلى سويسرا لكي يدبر مصاريف الدراسة، ولم يفكر يومًا كما كان يفكر شابًا في وقت سنه، بعدم العودة والبقاء في سويسرا، كما فعل الكثير من أبناء جيله. وماذا كانت انطباعاته إزاء زيارته الأخيرة لأمريكا؟ هل كان يبدو عليه علامات القلق؟ أبدًا.. لكن يكن قلقًا أو متوترًا، ولكن لفت انتباهي وحديثه لشقيقي الأصغر السيد بضرورة الاعتناء بى وبالأبناء، إذا ما احتاجوا لشيء، عندها خفق قلبي وشعرت بالخوف كأنه يوصيه علينا، ولكني كتمت هذه المشاعر بداخلي، حتى لا أنقل قلقى إليه، وآخر مكالمة دارت بيني وبينه، بلغته بضرورة إحضار المال الكافي، من أجل قيام والده برحلة حج. وكيف كان ينظر إليه زملاؤه في العمل؟ طارق ابني لما اتوظف في الشركة، قاللى يا ماما إحنا ما كناش نعرف بابا، الناس هنا بيقولوا إنه كان جيد جدًا، ومكانش بيحب الوسايط، حتى لما اشتغل في جابكو كان عن طريق نجاحه في اختبارات الشركة، بدون واسطة، برغم إن عمي كان بيشتغل مدير في جابكو، وهو كان من أوائل الثانوية العامة على محافظة القليوبية، وكان بينجح بتقدير جيد جدًا طوال الخمس سنوات دراسة بكلية الهندسة، حتى كان بيقبض 8 جنيهات مكافئة تفوق، ولما الوزير حمدي البمبي قابل طارق ابني، قال له: "يا طارق والدك كان من أعز الناس ليّ". وكيف كانت تطلعاته وأحلامه على المستوى الشخصي؟ هو كان بالنسبة للشركة، كان عارف هيوصل لإيه، لكنه كان يحلم بتصميم مشروع سكني ضخم للفقراء المحروين من السكن، بأسعار بسيطة، لكي يكون علامة في حياته. كيف مرت عليكِ 15 سنة منذ وقوع الحادث؟ فوجئت أنه خلال ال15 سنة دول، لا أحد من الدولة عبر الشهيد أو زملاءه من الشهداء، حتى إننى أتعمد مشاهدة برنامج حدث فى مثل هذا اليوم، حتى أرى ما يقولونه عن الحادث، إلا أننى لا أسمع شيئًا، برغم تضحيته بحياته من أجل الشركة، باستثناء السنة الأولى منذ الحادث، حيث زارني الوزير حمدي البمبي، ورئيس مجلس إدارة شركة جابكو، ومسئولين كتير، وكلهم وعدوني إن أبنائي بمثابة أبنائهم، وأنهم مسئولون عنهم لغاية ما يكبروا، لكن كل هذه الوعود تبخرت فيما بعد، وبعدما حصل ابني طارق على البكالويوس، لم أستطع مقابلة الوزير سامح فهمي، إلا بعد 6 أشهر، ولأن المعاش أيامها كان بسيط، ولا يكفي لمصايف دراسة الأبناء، طالبت وباقي أسر شهداء الحادث، بصرف معاش استثنائي، لكن الشركة رفضت، بحجة عدم وجود مادة في القانون تسمح بذلك، وبرغم ذلك رفضت مقاضاة الشركة لعدم صرف تعويض إصابة عمل، وأنا لا يهمني أي فلوس أو تعويض، لكن ما يجعلني حزينة، هو نسيان الدولة لنا، ويرضي مين بنتي تقعد في البيت 7 سنين بدون شغل، وعمرو ابني اللى شغال في شركة قطاع خاص وطالع عينه، برغم حصوله على مؤهل تجارة إنجليزي، ومش بنعرف نقابل أي مسئول، بالظبط زي شهداء 25 يناير اللى اتنسوا، ولم ينفذ أي شيء من وعود الدولة تجاههم، حتى الرئيس مبارك أيامها، لم يكلف نفسه بتكليف محامي لمقاضاة أمريكا وجلب حقوق الضحايا المصريين، البالغ عددهم 67 شهيدًا. وبم تفسرين عدم قيام الدولة بتكليف محامٍ لمقاضاة أمريكا؟ الموضوع كان فيه غموض، وسمعنا إن الطيارة انضربت وساعات إنها اتخطفت وساعات إنها ما طلعتش، وفضلت 10 أيام بعد وقوع الحادث، رافضة ارتداء الملابس السوداء، على أمل إن الشهيد لا يزال على قيد الحياة، وفي برنامج مذاع مؤخرًا على إحدى الفضائيات، تم الكشف عن حقائق جديدة تضمنت إثباتات تؤكد استهداف الطائرة بصاروخين، طيب الدولة فين من دا، وليه الدولة مش عاملة أي مكان يمكن من خلاله عرض شكاوى المواطنين على المسئولين.. أنا طول المدة دي محدش قاللى أنت عاملة إيه، وربنا عالم أنا تعبت مع أولادي قد إيه، وهو عالم أنا اتظلمت قد إيه أنا وولادي، من الكلا م اللى كانوا بيروجوه عن التعويضات الخيالية اللى صرفتها أمريكا للشهيد، حتى ساعة العزاء الناس كانت مشغولة بالحديث عن التعويض، لكن الحقيقة ربنا بس هو اللى يعلمها، وأنا لم أحصل على أي تعويض، إلا تأمين تذكرة شركة مصر للطيران، مثل أي راكب، في الوقت الذي قامت فيه أمريكا، بصرف تعويضات مجزية للضحايا الأمريكان، الذي كانوا على متن الطائرة.. طيب إحنا فين من دا كله، وأنا "استعيبت" إقامة دعوى، في حين كان يعرض علي محامين مصريين وأمريكان، إقامة دعوى ضد الجانب الأمريكي، لكن أنا كنت أرفضها، حتى لا يقال إنني أسعى للحصول على تعويض، لأن زوجي ملايين الدنيا لا تستطيع تعويضه.. وأنا عايزة الدولة تاخد حق الناس بس، وتشوف مطالبنا إيه، حرام ولادنا يبقوا شباب ويقعدوا في البيت من غير شغل، حتى ما قدرتش أشغل بنتي في وزارة الثقافة، برغم إن دا مجالها، ولما كلمت الوزير صابر عرب، قاللى لما يبقا فيه انفراجه، برغم إن كل زمايلي عاملين عقود لولادهم، والمفروض يكون فيه تعيين استثنائي لولادي، وكتبت شكوى للرئيس السيسي وذهبت بها لوزارة الدفاع، لكن دون جدوى. برأيك.. ما الذي يجب أن تقوم به الدولة لتعويض أسر الشهداء؟ المفروض الدولة تسعى إلى جلب حقوق الشهداء، والمطالبة بحقوقهم من الجانب الأمريكي، وتخصيص مكان لعرض مطالبنا وشكوانا على المسئولين، لأني لما رحت وزارة الدفاع، وجدت سياجات كتير معاهم شكاوى، لكن الشكاوى يتم تسليما، دون استجابة، والدولة مقصرة في حق الشهداء كلهم، مش بس بحق زوجي، ولما رحت لرئيس مجلس إدارة شركة جابكو، وحكيت له عن ظروفي أنا وولادي، وعدنى بتوظيف ابنتي منى، لكنه لم يف بوعده، وطلبت معاش استثنائيًا من الوزير سامح فهمي، رد عليّ وقاللى إنه مش قانوني. هل يزال لديك الأمل في عودة زوجك؟ أنا عندي يقين أن زوجي راجع، لأن أمريكا بعد وقوع الحادث، قالت إنها لم تستطع انتشال الجثث أو متعلقاتهم، وبعدها بفترة أعلنوا عن اكتشاف متعلقات للضحايا مثل "الدبل" وأربطة العنق، وبعد سنة من وقوع الحادث، فوجئت بتليفون من شركة مصر للطيران، أبلغوني خلاله بضرورة الذهاب إلى مقر الشركة، لاستلام طرد قادم من أمريكا، بعد التليفون أنا اتخضيت، ولما رحت مكتب المسئول اللى كلمنى جاتلي حالة انهيار، وحاول يهديني، بعد كدة نادى للساعي وأحضر الطرد، ولما فتحته عقب عودتي للمنزل، تبين احتواؤه على بطاقة رقم قومي، وكارت شخصي لصديق زوجي، وصورة من مجلة مرسوم عليها زجاجة برفان، كانت ابنتى أعطتها لوالدها الشهيد لشراء زجاجة مثلها، وتفسيري إن كل المتعلقات دي اتاخدت من محفظة الشهيد الخديوي، وهل من المعقول والمنطق، خروج أوراق من قاع المحيط بعد سنة بدون أن تتلف، والورق لا يبدو عليه أي مظاهر بلل أو ما شابه ذلك، لكن أنا بدأت أفقد الأمل في الفترة الأخيرة، وحسيت بإحباط لعدم السؤال عن حالنا. وما الذي يدعم إحساسك بعدم وفاة زوجك؟ إن مفيش أي إثبات على وفاته، باستثناء شهادة الوفاة، حتى لما أخوه سافر أمريكا بعد طلب الجانب الأمريكي، قال إنه لم ير أي شيء يثبت وفاة زوجي، والطيارة كانت مستهدفة عشان كان على متنها 33 ظابطًا، كانوا بيتدربوا على سلاح معين، بالإضافة لعلماء ذرة، وطلبة متفوقين، وزوجي كان مسافر عشان يحضر مؤتمر خاص بالبترول، إلى جانب 6 من زملائه، تم اختيارهم للسفر على متن هذه الطائرة خصيصى، مع العلم أن إجمالي علماء البترول المصريين المشاركين في المؤتمر، بلغ عددهم 26. هل تعتقدين بوجود لغز وراء الحادث؟ نعم، هناك لغز والمسئولون وحدهم من يعرفون ذلك، وكنت أفكر خلال الفترة الماضية، في الذهاب للرئيس الأسبق حسني مبارك، داخل مستشفى المعادي العسكري، للاستفسار منه عن تفاصيل الحادث، وسبب عدم سعيه لجلب حقوقنا، كما فعلت حكومات الدول الأخرى مع مواطنيها الضحايا، الذين كانوا على متن الطائرة. هل ضغطت أمريكا على الإدارة المصرية لغلق الملف؟ هذا بالطبع وارد، والدليل أننا لم نحصل على أي حق من حقوقنا، التي أضاعا النظام السابق عن عمد، بتورطه مع أمريكا. وبم تفسرين تكتم المسئولين عن تفاصيل الحادث؟ فيه مفاوضات سرية تمت والحكاية خلصت بين الطرفين بدون إعلان أي تفاصيل، ولا عزاء لأسر الشهداء، والدماء التي أريقت. لماذا لم تكلف أسر الشهداء أحد المحامين بالدفاع حن حقوق ذويهم؟ الكل كان خايف، والمحامون المصريون طلبوا توكيل وأتعاب بنسبة 50% من التعويض بعد الحصول عليه، وأنا بطبعي بأقلق من التوكيل، بحكم نشأتي الريفية، فضلًا عن إحراجي من الحديث عن التعويض، لكن بعد ما فقت من الصدمة، أدركت إني ضيعت حق ولادي. وما هي مصلحة أمريكا من استهداف أو اختطاف الطائرة، خاصة أن على متنها أمريكان؟ من الممكن تورط أمريكا في اختطاف أو استهداف الطائرة لصالح الموساد الإسرائيلى، وارد جدًا أن يقوم الموساد باستئجار أحد اللانشات واستهداف الطائرة بصاروخ مضاد للطائرات، وابن شقيق الطيار البطوطي المهندس خالد رفعت، ذكر كلامًا منطقيًا للغاية في أحد البرامج التليفزيونية، حيث قال: إن الشخص الذي أعطى أمر إقلاع الطائرة كان يهوديًا، وهو نفس الشخص الذي أعطى أمر إقلاع الطائرتين اللتين شاركتا في أحداث 11 سبتمبر 2001، مع العلم أن الطائرة المصرية أقلعت بعد موعدها الأصلي بساعتين، ما يؤكد ضلوع الموساد الإسرائيلي في الكارثة.