استكمالاً للحديث الذى بدأناه عن إجراءات المحاكمة فى الجنح والمخالفات سواء أمام المحكمة الجزئية أو أمام المحكمة الاستئنافية وما أوردناه من أن التطبيق العملى للنصوص الاجرائية الحاكمة لذلك أفرز واقعًا صادمًا للعدالة غير محقق لفلسفة العقوبة من زجر وردع يستحيل تحققه أمام إجراءات المحاكمة التي قد يستطيل امدها من واقع التطبيق العملى فى بعض القضايا يصل إلى خمس أو ست سنوات حتى يصدر حكم نهائى من محكمة الجنح المستأنفة. ثم نكون أمام مسيرة جديدة نبدأ معها بداية جديدة يطول معها أمد التقاضى إذ من حق المتهم (المحكوم عليه) وكذلك النيابة العامة أن تطعن بطريق النقض على الحكم النهائى الصادر من محكمة الجنح المستأنفة خلال ستين يومًا من تاريخ صدور الحكم. وأمام تزايد الطعون بالنقض فى الجنح حتى وصل عدد الطعون إلى اعداد على درجة من الكثرة بحيث أصبح من المتعذر من الزاوية الواقعية والفعلية لعدد مستشارى النقض أن يفصل فيها وبات على الطاعن أن يتربص لنظر طعنه كما هو الواقع فعلاً مددًا تتراوح ما بين أربع أو خمس سنوات..تنتفى معه العلة من الطعن فى غالب الحالات إذا كان المحكوم عليه ينفذ الحكم لما يستتبع هذا التأخير فى تحديد جلسة الطعن أن يكون قد نفذ العقوبة فعلاً. فإذا ما انتهت محكمة النقض إلى حكم بقبول الطعن موضوعًا فإنها تعيد القضية إلى محكمة الجنح المستأنفة ليصدر الحكم فيها مجددًا أمام دائرة أخرى غير الدائرة التي أصدرته. وبهذه الإحالة إلى دائرة جديدة نبدأ مسيرة جديدة أمام الدائرة المحالة إليها الدعوى بعد النقض وباجراءات جديدة ويتبع أمامها ذات الاجراءات التي يتعين اتباعها أمام المحاكمة السابقة فقد أفرز الواقع العملى أن هذه المحاكمة بدورها تستغرق وقتًا طويلاً يصل فى غالبه إلى حوالى سنتين وينال كل ذلك من جهد المحاكم فى قراءة القضايا وتحقيق الدفاع وكتابة الأسباب وتزايد وتراكم أعداد القضايا. ومما يصدم العدالة بعد كل هذا الجهد وطول الوقت وعنت الإجراءات التى تتبع فإن الحكم الصادر من محكمة الجنح المستأنفة على النحو السالف يكون من حق النيابة العامة أو المحكوم عليه إذا لم يرتض أى منهما الحكم أن يطعن عليه بالنقض للمرة الثانية. ومع تزايد وتراكم اعداد القضايا فإن النقض لثانى مرة يستغرق بدوره وقتًا يصل ما بين سنتين وثلاث سنوات لتحديد جلسة لنظر الطعن موضوعًا أمام محكمة النقض فإذا قبلته موضوعًا فعليها قانونًا أن تحدد جلسة أمامها لنظرها موضوعًا وفى هذه الحالة تنظرها بصفتها محكمة موضوع وحتى صدور حكم بات منها نكون أمام سنوات عديدة قد انقضت ما بين وقوع الجريمة وتعدد إجراءات ودرجات المحاكمة وصدور الحكم البات فى الدعوى الذى فى غالبية أحواله يكون قد فقد جدواه وغايته المنشودة وهى العدالة الناجزة. وللحديث بقية إن شاء الله. سكرتير عام حزب الوفد