لا أحب الرثاء ولم أفعله كثيراً ودائماً أقتضب فيه. لكن أشعر أن تلالا من الحزن رابضة على قلبى منذ عرفت وفاة الكاتب الكبير الرائع والصديق الذى ظلت بسمته تمشى معى رغم افتراقنا فى السبعينات فى بلاد الله. محمد ناجى. عرفته شاعراً فى أول الطريق كما كنت قاصا فى أول الطريق. كنا فى خلية شيوعية سرية واحدة. لم أصرح بذلك أبداً من قبل. ومع غيرنا لن أصرح أيضاً بأسمائهم. ربما يريدون أن ينسوا كما أردت أنا وناجى. كنا نتصور أننا سنغير العالم. المدهش أن «ناجى» لم يرتفع صوته أبداً فى أى اجتماع رغم أن اجتماعاتنا كانت آمنة وعند زميل نأمن له. هذا الزميل هو الوحيد الذى قبض عليه من بيننا وقتها. وكانت بسمته تسبقه فى كل حديث. وتلحق بكل حديث. ولا تفارق حديثه. تركنا ذلك الحزب كلنا معا فى صيف عام 1977. لا أنسى ذلك وتفرقنا فى الحياة والسفر. طال سفر «ناجى» ولم يغب عن روحى أبداً. عاد «ناجى» يفاجئنا بالرواية. كتابة من نوع ينم عن كاتب عظيم الموهبة. عجائبية. أجل. لغة مجنحة نعم. ولكنها موجزة وبنت الشخصيات أكثر مما هى بنت الكاتب. انقطع «ناجى» طويلاً عن مصر. وفى مصر من ينقطع عنها ينسى. لكنه عاد فأخذ مكانه من أول عمل. وتوالت أعماله. من لحن الصباح إلى خافية قمر إلى الأفندى. سبعة أو ثمانية أعمال فائقة الجمال. وظل بعيداً عن حياتنا فى وسط البلد. ترك كتاباته رسولا بيننا. نتقابل وأجد نفسى منتظراً ابتسامته الطفولية العذبة التى تنم عن إنسانية دافقة. أصابه المرض فلم أصدق. ناجى أصلاً منير مثل ضوء شاحب. هذا ليس مرضاً. وهو لا تفارقه الابتسامة. لم يعد للشعر. لكنه عاد إليه مع مرضه. لحن السماء الأقرب الى الأرض. أخذت أعماله مكانها فى النقد الأدبى وعند القراء. طبعاً. كانت ثقته بما يكتبه تجعله بعيداً. الرواية التالية تؤكد الأولى. كنت سعيداً حين نشرت له هيئة الكتاب أعماله. لا أريد أن اقول الكاملة. لكن شاء القدر أن تكون كذلك. مرت الأيام وكتبت روايتى «هنا القاهرة» وعرفت من أحد الأصدقاء - الأستاذ أحمد طه النقر - أنه أخبره أنى كتبت عنه فيها. لم أقابله بعد أن نشرت الرواية. وكنت أنتظر هل سيعرف وحده أم لا. وعرف. كان هو أصل الشاعر الجميل فى الرواية الذى تطارده الاجهزة الأمنية فى الرواية أيضاً ولا تنقطع ضحكته. انتظرت عودته لنضحك معاً مرة كما كنا نضحك قديماً ونحن نملك الأمل فى وطن أفضل وكل ما حولنا قهر وفقر. كنا مقاطعين للنشر فى الصحف المصرية وكل ما يأتى من النظام الحاكم. للأسف لم يعد ناجى لأراه. لكن هل ذهب؟ لا. كتاباته أيقونة فى سماء الرواية العربية. وروحه لن تفارقنى لأن بسمته ووداعته تمشى معى كل هذا الزمن وستستمر. رحمك الله ياناجى وألهمنا جميعا الصبر.