جدل كبير أعقب مناشدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الرئيس عبد الفتاح السيسي قبول المصالحة الخليجية مع قطر، مناشدا مصر شعباً وقيادة السعي لإنجاح هذه الخطوة فى مسيرة التضامن العربى، مؤكدا .. نقف جميعاً إلى جانب القاهرة .. وبغض النظر عن جدية قطر في التخلي عن لعب دور الدولة المصدرة للمشاكل والقلاقل والمموله لأنشطة عدائية ضد دول شقيقه فإننا في مصر بحاجة لتصالح داخلي بين مختلف فئات المجتمع .. بل وأحيانا بين الإنسان ونفسه. المتأمل للحالة العامة للمصريين يدرك إننا ومن قبل عواصف ما سمي «بالربيع العربي»، فإن المجتمع المصري تعرض لخريف مبكر اسقط كثيرا من أوراق المودة والتراحم والأدب والاحترام .. خريف أتي على منظومة القيم التي تحمس لها وقدرها المصريون لفترة من الزمن انتهت فعليا - أو بدأت في التراجع الحاد - في أعقاب نكسة 1967، عندما بدأت الثقافة المصرية المعاصرة والتقدمية تتراجع أمام أفكار قذفت بها صحاري مجاورة وقد أتت منها محملة بكل أتربة التاريخ وغبار الفكر العقيم والبليد واقل ما توصف به أنها عواصف هبت من قبور لتحول الأحياء إلى عبيد للأموات. المهم أن المجتمع الذي تصالح مع نفسه في لحظات تاريخية فارقة بدأت مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مع حقبة التنوير والاستنارة واستعادة الشخصية المصرية لروحها الأصيلة - هذا المجتمع دخل في خصومة مع نفسه وفيما بين أفراده وبين الفرد ونفسه وتحول كل واحد فينا إلى أكثر من شخص وأكثر من مواطن وأكثر من شخصية لأنه بدلاً من وفائه الأول لثقافة معاصرة وجديدة سلم نفسه بوعى أو بدون وعي إلى أزمنة مختلفة وثقافة أزمان غابرة نقلته إلى عالم افتراضي تتسع بداخلة دوائر السراب كنوع من التعويض الوهمي عن الفشل وسقوط المشروع الليبرالي والمشروع القومي وتكسر كل الأحلام صبيحة يوم 5 يونيو 1967. ومن لحظتها تحول الكفاح الى جهاد والدولة العربية للدولة الاسلامية وانتقلت موازين القوة من عواصم الثورة الى عواصم الثروة، وتغيرت منظومة القيم من احترام وتقدير الفنون الرفيعة والانسان المتعلم الخلوق الى تقدير - بل وتقديس - نهم الكسب المادي والاستهلاك المتوحش ووجود تبرير لكل فعل غير مشروع وغير أخلاقي.. والخطير في الأمر أن حالة التوحش المادي اتخذت منحي خطيراً في العقود الثلاثة الأخيرة بمعاداة الناس للقانون واختراقهم له واستقوائهم على الدولة ومؤسساتها مستغلين استشراء الفساد في تلك المؤسسات لأن الستة ملايين الذين يعملون بالقطاع الحكومي هم جزء من هذا المجتمع الذي سقط ضحية نفسه وضحية اختلال موازين العدالة والرحمة. من هنا لا أجد مبررا حقيقيا لهذا الجدل حول مناشدة السعودية مصر السعي لمساندة اي جهد لرأب الصدع لأن مصر كقيادة سياسية لن تقف أمام أي محاولة جادة للتقارب والتفاهم بين الجميع بمن فيها قطر.. ولكن ما يعنيني هنا أنه من المنطقي قبل أن ننشغل بمصالحات مع الغير فالأولي بالمعروف أن نتصالح مع أنفسنا.. أن نرمم البيت من الداخل.. أن نفهم أننا أكثر من شعب وأكثر من ثقافة وأكثر من اتجاه.. أن نفهم أن أكبر تحدٍ يواجهنا ليس التحدي الأمني ولا التحدي الاقتصادى ولكن التحدي الأكبر هو أن ننتصر على ضعفنا وتشتتنا وانعدام الثقة فيما بيننا. نحن بحاجة لأن نثق بأنفسنا وبتاريخنا وبثقافة نتفق عليها ونقدرها ونتحمس لها ونفخر بها.. نحن بحاجة أن نتعلم أصول الاختلاف الجميل والحميد الذي يفرض علينا كشعب وأفراد أن نحترم ونقدر فناناً مثل خالد أبو النجا لأنه وسط ركام تجييش المواقف اختار أن يكون نفسه وبسلام وحب.. فلماذا اندفع البعض لإطلاق الرصاص على فنان نبيل لم يشهر في وجوهنا يوماً إلا أغصان الزيتون ..