تتجه مصر في الفترة القادمة نحو الخطوة الثالثة والأخيرة من خارطة المستقبل السياسي التي ارتضاها الشعب المصري لنفسه وهي الانتخابات التشريعية لتشكيل مجلس النواب القادم واستكمال الفراغ السياسي الذي عانت منه البلاد والمتمثل في غياب المجلس التشريعي الذي يعتبر أحد أضلاع مثلث السلطات في أي نظام، ويمكن القول إن للبرلمان القادم العديد من مظاهر الخصوصية التي تجعله مختلفا ومتميزا عن غيره من المجالس التشريعية التي شهدتها البلاد من قبل في عصور سياسية متعددة ،وتتمثل أهم جوانب الخصوصية لهذا المجلس في الجوانب التالية:- أولا: إن هذا المجلس التشريعي يأتي في إطار ظروف وتحديات متعددة تعاني منها مصر سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، وعلى مستويات متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، حيث يأتي هذا المجلس في فترة تعاني فيها البلاد من خطر الإرهاب الأسود الذي يهدف إلى ترويع الشعب وإعاقة مسيرته في مختلف الجوانب، ولذلك قد يكون من المهام المحورية لهذا البرلمان استكمال ما قد يكون هناك من نقص تشريعي لضمان مواجهة الإرهاب على أكمل وجه والقضاء على آثاره في أقل فترة زمنية ممكنة، كما يقع على عاتق هذا المجلس مهمة أخرى من الناحية التشريعية وهي تنقية ما قد يتواجد من تضارب بين القوانين من جانب والدستور الجديد الذي ارتضاه الشعب المصري، فضلا عن إصدار ما يلزم من تشريعات لتنفيذ مبادئ الدستور وما تحققه من إيجابيات للمواطن وبحيث تصل مبادئ وأهداف الدستور إلى كل مواطن في حياته اليومية ويشعر بالتحسن في مختلف الجوانب التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية، كما يأتي هذا المجلس أيضا في فترة تتجه فيها البلاد إلى إقامة العديد من المشروعات القومية العملاقة التي تهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن وأحواله الاجتماعية والاقتصادية، والتي كانت البداية الفعلية لهذه المشروعات العملاقة في مشروع تنمية محور قناة السويس والذي سيعقبه مشروعات أخرى متعددة تتطلب اصدار ما يلزم من تشريعات تتطلبها هذه المشروعات سواء من حيث التمويل أو التوظيف أو مشاركة أجهزة الدولة في التنفيذ وغيرها مما يتطلبه تنفيذ هذه المشروعات ،كذلك سيكون من مهام المجلس اصدار التشريعات اللازمة للحفاظ على أملاك الدولة وأراضيها وازالة ما حدث من اعتداءات عليها، ومكافحة الفساد في مختلف مستوياته وعودة هيبة الدولة وتحقيق الأمن بمختلف مستوياته السياسية والجنائية . ثانيا: إجراء الانتخابات التشريعية في ظل غياب الحزب الحاكم ،حيث عرفت مصر في العهود السياسية المتعددة التي أعقبت ثورة 23 يوليو 1952 أي في العهد الناصري والعهد الساداتي وعهد مبارك تواجد الحزب الحاكم في جميع الانتخابات التشريعية سواء كان هذا الحزب متمثلا في نظام الحزب الوحيد والذي يصبح بالضرورة حزبا حاكما، أو في ظل التعددية الحزبية والتي يسيطر عليها حزب واحد (الحزب الوطني السابق) والذي يمكن أن يطلق عليه بالمصطلحات السياسية الحزب المسيطر أو الحزب المهيمن، ويقصد بذلك وجود تعددية حزبية من حيث الشكل بينما تكون الهيمنة والسيطرة لحزب بذاته، ولعل خصوصية المجلس التشريعي القادم من الناحية الانتخابية أن الانتخابات البرلمانية ستدور في ظل غياب الحزب الحاكم، بمعنى أنه رغم تواجد أكثر من ثمانين حزبا في مصر إلا أنه لا يمكن أن نطلق على أي حزب منها حزب حاكم، إضافة إلى غياب البرلمان عن الساحة السياسية قرابة عامين، فضلا عن غياب المجالس المحلية ولعل أهمية ذلك تتمثل في تراجع احتمالات التزوير التي كانت تتم في العهود السابقة لمصلحة الحزب الحاكم لضمان استمراريته في السلطة، ولعل ذلك يوضح مدى المسئولية الملقاة على الشعب واختياراته وبحيث يمكن القول إن الشعب في الانتخابات القادمة سيكون سيد قراره. ثالثا: اختلاف دور ومهام عضو مجلس النواب عن مهام أعضاء المجالس التشريعية السابقة،حيث عرفت المجالس التشريعية المصرية خلال ما يقرب من ستة عقود سابقة ما يطلق عليه النائب الخدمي أو نائب الخدمات والذي يوجه اهتمامه إلى القضايا الضيقة والخاصة بأفراد من دائرته الانتخابية مثل التوسط لنقل موظف من مكان إلى آخر أو التوسط لإخراج شخص من مركز أو قسم الشرطة (وقد يكون متهما في قضايا) أو التدخل لحل بعض الخلافات الأسرية والمشاركة في الجلسات العرفية وغير ذلك من القضايا التي لا تعتبر في الأصل من صميم أعمال عضو المجلس التشريعي بل هي من اختصاص المجالس المحلية، فعضو المجلس التشريعي لا يمثل دائرته الانتخابية وحدها بل يمثل في المقام الأول وطنه ككل ولذلك تكون مهامه الأساسية متمثلة في الرقابة على الحكومة والتشريع وهي المهام المتوقعة من أعضاء البرلمان القادم التي تراجعت إلى أدنى حد ممكن في فترات سابقة. رابعا: المسئولية الكبيرة للمواطنين في اختيار أعضاء المجلس التشريعي القادم فقد أسقط الشعب خلال السنوات القليلة السابقة نظامين هما نظام الإخوان ونظام الحزب الوطني ،ولذلك ليس من المرغوب فيه في الانتخابات القادمة إعادة انتاج نظام سبق أن أسقطه الشعب ،وهذا يستوجب أن يقوم المواطن المصري بعملية انتقاء ومفاضلة وفرز بين أشخاص المرشحين وأن يختار الأكفأ والأفضل للوطن الذي يستطيع القيام بالمهام الجسام التي سيكون البرلمان مسئولا عنها و بما يحقق مصلحة الوطن ،ونحن نثق ونراهن في قدرة المواطن والناخب المصري على الاختيار الصحيح لأعضاء البرلمان حتى يمكن للوطن التغلب على ما يواجهه من تحديات. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة