منذ أيام يسيطر على هاجس فى غاية الغرابة، يمكن أن تقول إنه ليس بهاجس بل رؤية، حلم، خيالات يقظة، ويمكن أن تسميها أضغاثاً سياسية، لن أقف كثيرا عند المسمى، وسأحاول أن أصف لكم ما أراه وأحس به وأفعله، ولكم أن تفسروا أنتم وتحللوا وتوصفوا، قبل فترة ليست قصيرة أرانى فيما يرى المتيقظ أقود مسيرة كبيرة تضم آلافاً من الشباب والنساء والشيوخ والفتيات، من الفلاحين والموظفين والعمال والأرامل والمتقاعدين والطلبة والتجار، تشق المسيرة الشوارع والميادين الرئيسية فى القاهرةوالمحافظات، يحملوني على الأعناق، أهتف بأعلى صوتى: «تسقط الذرة العويجة، بالطول بالعرض هنجيب العويجة الأرض، لا عويجة بعد اليوم». الملايين تكرر خلفي بصوت مرتفع الهتافات، وأظن على ما أذكر أنني أرى هذه الملايين تردد خلفي فى جميع المحافظات، أسمعهم وأراهم وهم يهتفون ضد الذرة العويجة، وبعد فترة من الهتاف نحتل الميادين، ونرفع الخيام ونكتب اللافتات: تسقط الذرة العويجة، ويقوم الشباب بتصميم لوحات جرافيتي على الجدران، رسومات مختلفة للذرة العويجة، بعضها عليها علامة اكس، وأرى منصات كبيرة فى الميادين، يؤكد المتحدثون فوقها أنهم لن يرحلوا قبل أن يقضوا على الذرة العويجة، وعلى هامش التجمعات تنشب خلافات بين محبى الذرة العويجة والمعارضين لها، غالبا ما تتطور إلى مشاجرات، ويسيطر البعض على المشاجرات ويتخذون قرارا بإخلاء الميدان من محبى الذرة العويجة. وأذكر أيضا أننى رأيت فى هذا الهاجس أو الضغث بعض النخب تصرح للفضائيات، وتؤكد أنها أو أنه من أوائل المصريين الذين طالبوا(أو طالب) بسقوط الذرة العويجة، وقال: إن الذرة العويجة ليست حالة عابرة بل نظام معيشة، وأكد أننا لن نقبل بعد اليوم بالذرة العويجة، مطالبا الحكومة ورئيس الجمهورية بتنظيف مؤسسات الدولة من الذرة العويجة. هذا كل ما أتذكره من الضغث، وربما بسبب ظروفي الصحية، وربما لكبر سنى، لا أتذكر جميع تفاصيل الضغث، قد تكون هناك تفاصيل أخرى هامة أو مؤثرة، لكنى فى تلك اللحظة لا أذكر سوى ما ذكرت، لكن الغريب فى هذا الضغث أنه يتكرر، وأراه كثيرا بنفس التفاصيل التى ذكرتها لكم. بعد كل ضغث أحاول أن أحلل ما أراه، وأسبابه، وبفضل الله توقفت عند ملاحظة على قدر من الأهمية، وهى أنني أرى هذا الضغث كلما قرأت أو تابعت شكاوى بعض المواطنين من الفقر والعوز، عندما اسمع بكاء أب عاجز عن تلبية احتياجات أولاده، أو أرملة تشكو قلة الحيلة، أو متقاعد أضاع عمره فى خدمة الوطن ومعاشه لا يساعده على ان يعيش حياة آدمية، ومريض لا يجد الشاش والقطن والعلاج والطبيب فى المستشفى، وتلميذ يتسرب من المدرسة لان والده لا يملك نفقات الكراسات والكشاكيل والدروس الخصوصية، وشاب يشكو البطالة، وفتاة تشكو العنوسة، وأم تستغيث من سقف البيت الذي تشقق. ملت على بعض الأصدقاء الذين أثق فى ثقافتهم وحكمتهم ووطنيتهم، وحكيت لهم الضغث بجميع تفاصيله، للأسف قالوا لى: اتغطى كويس المدهش فى هذا الضغث أن معظم الذين يشاركون فى المسيرة، ويبحون أصواتهم بالهتاف، يميلون على ويسألونني: هي إيه الذرة العويجة؟، ولماذا تجرنا لإسقاط الذرة العويجة؟، ولا أخفى عليكم الأسئلة فى غاية الوجاهة، لكنني للأسف الشديد اكتشفت أن كل ما أعرفه منذ كنا نسكن فى بيت جدى الحاج بسيونى عريبى بقرية قحافة مركز طنطا، أن الذرة العويجة: هى الذرة الرفيعة المعوجة من أعلى، وكانوا يضعونها كعلف للبهائم ، أما لماذا أراني فى الضغث أطالب بإسقاطها؟، للحق لم أتوصل لسبب بعينه، وربما كما قالوا لى: عليك أن تحكم الغطاء جيدا قبل النوم، وقبل أن أشد البطانية مال احدهم على وقال: يا لئيم فقر وأرامل ومتقاعدين إيه، أنت تقصد الإعلام، قلت له: الوسيلة أم الكليات؟، قال: العويجة.