لا تتعجب من العنوان أعلاه، ففي قطار سكك حديد الدلتا ولدت القصة. يقولون: «إن خط السكك الحديد المتجه من القاهرة إلى الوجه البحري يجب أن يمر بمدينة «بنها»، وهي على بعد محطة أو محطتين على الأكثر من شبرا الخيمة، ما دفع ركاب «بنها» في بادئ الأمر إلى استئذان الآخرين في الجلوس نظراً لأنها دقائق معدودة يصل بعدها القطار إلى مدينة «بنها»!. بأخلاق وكرم أهل الدلتا، لم يكن يتردّد الجالس في أن يمنح كرسيه للراكب المؤقت، إلا أنه ومع مرور الوقت وشيوع القصة أصبح الراكب الطامح إلى كرسي «يعمل نفسه من بنها» على خلاف الحقيقة، مستفيداً من كون مدينة بنها نقطة التقاء رئيسية لخطوط السكك الحديد، ولن يلتفت أحد إلى هوية مئات من الركاب نزلوا وآخرين صعدوا.. وهكذا!». من هنا بدأت القصة على الأرض!. «عامل نفسه من بنها».. أسلوب حياة عشنا وتعايشنا به ومعه، حتى أنها صارت الفكرة الوحيدة القابلة للحياة في محيط الكثيرين منا.. فكرة غير مستقيمة ولدت من رحم أخلاق مستقيمة وكرم عظيم للمصريين، الذين لا يمانعون في توفير الراحة للآخرين، ولكنها صارت وسيلة للتحذلق والتزحلق على حبال الأخلاق والكرم!. لقد تحولت وتحوّرت مقولة «عامل من بنها» لتطال تفاصيل كثيرة في الحياة الاجتماعية من جهة، والعمل الحكومي على مدار السنوات الماضية من جهة أخرى، حتى صارت شعاراً مؤثراً في تحديد معايير حاضنات «الأشخاص» و«الأفكار» في مزاد سيئ السمعة يعلن فيه «مانح» المستقبل أن «من أرتمى في أحضانه فهو آمن!.. من هلّل.. ضلّل.. علّل.. فهو كذلك.. آمن!.. من رفع صوته ويده فهو آمن.. من حرّض وأفتّى في عشقه وعتقه فهو آمن!». يكمل: «بضاعتنا رائجة تستحق الاقتناء والاعتناء من دون عناء.. بذورها حية في النواقص والهوامش وفي قلوب صخور تنتظر قطرات ماء -أي ماء -.. تترعرع.. تتلون كالحرباء!. مزاجنا عين الحقيقة.. مزاحنا حكم خالدة.. وعودنا لا تعود.. الظن حقيقة.. الحقيقة تحتمل الظن.. هذا زماننا ونحن الأعلم!». همهمات طالبي الحظوة من فرط الانبهار دفعت الرجل الملهم بالنسبة إليهم لمواصلة توصيف معايير النجاح والأمل مستخدماً نصف عين وإصبع مرفوع في الوجوه: «من اشترى منا مستور ميسور.. مأجور بعشقنا.. موعود بجناننا.. محمول على أعناقنا!». لقد أثار حادث سيناء الإرهابي حتمية محو تلك الفكرة في إدارة شئون حياتنا، فقط نحتاج إلى تحصين الأفكار والعقول عبر منصات غير تقليدية تحقق المشاركة المجتمعية الفاعلة»، فهذا وطن لا يجب أن نعيش فيه – وقد عشنا - على طريقة «عاملين نفسنا من بنها». إن حادث سيناء الإرهابي، الذي جاء متزامناً مع احتفالاتنا بالعام الهجري الجديد، لم يكشف فقط عن حقيقة ندركها جميعاً بأن الإرهاب لا دين له.. لا وطن له، بقدر ما كشف في اللحظة ذاتها عن حتمية «العلاج من المنبع» من خلال تأسيس حاضنة «أفكار إيجابية للمستقبل» بديلاً عن «أفكار وشخوص لها محل من الإعراب في بث الطاقة السلبية»!. نريد إعلاماً بديلاً مبتكراً في طرح الحلول.. نخبة بديلة تتنافس في منتديات حقيقية من أجل البناء وتعديل الاتجاهات.. تعليم بديل مبتكر لتأسيس صناع المستقبل.. منظومة ثقافية مبتكرة نواجه بها حقيقية مفجعة مفادها أن نصيب المواطن المصري من الخدمات الثقافية الحكومية جنيهاً واحداً وثمانون قرشاً سنوياً.. نريد مبادرات حقيقية لمواجهة التحديات من المبنع! أثق في قدرة الشخصية المصرية على تحقيق الأهداف الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب الجسدي والفكري، فقط نأمل من التنفيذيين ومساعديهم في بر مصر الإيمان بأنه لا يجب أن نمضى إلى المستقبل تحت شعار «عامل نفسه من بنها»! المجد للشهداء.. وكل التحية لأهل بنها الكرام الذين لا علاقة لهم بأولئك الذين يدّعون أنهم منها!