للذين لم يقتنعوا بعد بأن ثورة يوليو جاءت لترث إنجازات الوفد... أقول لهم: بعد انشاء دولة إسرائيل عام 1948 بعامين... بعد أن رفعت إسرائيل شعار (من المحيط إلي الخليج) قرر مصطفي النحاس انشاء جامعة الدول العربية عام 1950 وسكرتيرها المجاهد العربي العظيم عبدالرحمن عزام باشا... ثم جاءت ثورة يوليو (المباركة)! لا تنس كلمة مباركة! فقررت هدم جامعة الدول العربية... من أجل انشاء وحدة (لا يغلبها غلاب) تحت اسم (الجمهورية العربية المتحدة)!... وأذكر بهذه المناسبة أن أول معول هدم لجامعة الدول العربية حينما قررت الثورة إقالة عبدالرحمن عزام من منصب أمين عام الجامعة... قيل هذا خلال اجتماعات جمال عبدالناصر في حديقة جريدة (المصري) فهرول شقيقي أحمد فهمي مدير تحرير (المصري) في عز الليل إلي منزل عزام باشا في حلوان ليوقظه من النوم... وفي الصباح كانت استقالة عزام باشا من الجامعة العربية قبل توقيع قرار إعفائه من منصبه! علي مكتب «عبدالناصر». ثم حاول «عبدالناصر» تحقيق حلمه الكبير برئاسة الدول العربية في اتحاد واحد... وكانت سوريا في البداية لكي ينقذها من الإفلاس وتأخذ معظم ما في خزانة مصر ثم تنفصل! وجاءت مؤامرة العراق لقتل نوري السعيد السياسي المحنك وكذا كل الأسرة المالكة واعلان جمهورية العراق بأحد رجال «عبدالناصر» فقام اللواء «قاسم» بسرعة بعمل انقلاب وتولي السلطة فقطع «عبدالناصر» الإذاعة من أجل خطاب يهاجم فيه (قاسم العراق) بأبشع الألفاظ... وضاعت أموال وذهب مصر من أجل العراق. ثم فرصه في اليمن! هناك تذمر وحرب غير تقليدية بين جبال وعشائر وقبائل فخسرت مصر ليس أموالها فقط... بل خسرت جيشها ورجالها أيضاً... وحاول «السلال» ضم اليمن لمصر فعزلوه وضاعت فكرة وحدة لا يغلبها غلاب! وهنا... لما فقدت مصر كل شيء أموالها وذهبها وجيشها واقتصادها... وروحها المعنوية... وانتشر الفساد... وتزوج قادة الثورة من الفنانات... وأصبحت الكورة هي شغل البلاد الشاغل... وجد الاستعمار الفرصة للقضاء علي كل شيء بالمرة... فكانت مؤامرة 1967 العالمية! ألم تكن تقوية جامعة الدول العربية ومعاهدة الدفاع المشترك دون تطلعات شخصية أهم وأجدي... ولكن تقول لمين؟ (...) ألغي مصطفي النحاس معاهدة 1936 وأعلن الكفاح المسلح ضد الانجليز وتم قتل العديد من الضباط والجنود... وصودرت أموالهم في بنك باركيز... ثم جاء حادث نسف قطار أبوحماد الذي كان يقل إمدادات ضخمة من انجلترا فمات كثيرون مع تدمير أسلحة بلا عدد فجن جنون انجلترا ووقعت معركة الإسماعيلية 25 يناير 1952 وبدأت انجلترا بالفعل تفكر في الانسحاب المشرف ولكن تمت إقالة وزارة «النحاس» وهدأت الأمور... ولما جاء «عبدالناصر» وجد الأرض ممهدة لإجلاء الاحتلال... ما إن تم التهديد بالكفاح المسلح في أول اجتماع حتي وافقت انجلترا علي الجلاء... إذن... من صاحب الفضل في جلاء المستعمر؟... أجيبوا أنتم عن هذا السؤال (الساذج)! (...) أرادت روسيا اجتياح كوريا عام 1950... فأعلنت أمريكا الحرب عليها وطلبت من دول العالم خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن أن تنضم إليها... فوافقت كل الدول عدا دولة واحدة هي مصر... أعلن مندوبها محمود فوزي الامتناع عن التصويت لأن مصر موقفها هو (الحياد الإيجابي) بين الكتلتين... أقامت أمريكا الدنيا... أيقظ السفير الأمريكي الملك «فاروق» من نومه قرب الفجر وكان رد الملك انه لا يتدخل في السياسة... في الصباح الباكر كان السفير الأمريكي في حجرة صلاح الشاهد في مبني رئاسة الوزارة ورفض «النحاس» مجرد مقابلته... ومن يومها... منذ عام 1950 ظهرت فكرة (الحياد الإيجابي)... وناقشتها بعض الدول... وكان أول المستجيبين للفكرة جواهر لال نهرو في الهند وسوكارنو في أندونيسيا دون تجمعات ومظاهر لا داعي لها... ثم في مؤتمر باندونج تقابل الزعماء الثلاثة «نهرو» و«سوكارنو» مع «عبدالناصر» وانضم لهم بروز تيتو... وقيل إن «عبدالناصر» هو صاحب مبدأ (الحياد الإيجابي وعدم الانحياز)! ظلماً وافتراء علي التاريخ هذا هو التاريخ الذي عاصرته بنفسي كصحفي محترف... قولوا أنتم رأيكم؟ (...) ولا أريد أن أطيل في موضوع السد العالي الذي كان السبب في كل ما حدث لنا منذ 23 يوليو 1952... يكفي أن أقول إن عثمان باشا محرم كان قد بني (خزان أسوان) عام 1950 خلال عام واحد دون ارهاق لميزانية الدولة... والخبراء الروس قالوا انه يكفي بعد بعض الإضافات... وهناك مشروع تفريعة الصحراء الغربية أهم... ولكن «عبدالناصر» أصر أن يكون (خوفو العصر الحديث) ببناء هذا الصرح الكبير! (...) الكل يتحدث عن التيار الاشتراكي الذي ركبه «عبدالناصر» نتيجة حياته الشخصية التي أعتبرها أنا شخصياً (وساماً علي صدره للأبد)... ولكن لم يكن «عبدالناصر» علي قدر ما فعله بدعوي الاشتراكية... زاد البلاد فقراً... ولم يفعل ما فعله الوفد... بل ولا نصف أو ربع ما فعله الوفد... مشروع القرش والقرض الحسن (الذي تحول إلي بنك ناصر ظلماً) ومعونة الشتاء ومشروع الحفاة الذي استغلوه ضد «النحاس» رغم انه يكفيه ألا يوجد في مصر كلها من يسير حافياً دون أن تدفع الدولة مليماً وهذه قصة أخري... كانت هناك وزارة عملوها مكافحة الفقر اسمها وزارة الشئون الاجتماعية لوزيرها عبدالحميد عبدالحق!... الكلام كثير... وإلي مقال آخر أيها الناصريون الذين احتللتم الصحف هذه الأيام! في أخطر فترة تمر بها مصر.