لأن كتب مذكرات الحكام والساسة وكل من يتصل بهم هي أكثر الكتب توزيعًا.. بدأ كل من شغل منصبًا ما يكتب ما سماه مذكرات أو ذكريات وبدأ الخيال يلعب دوره رغم أن هذه الكتب يجب أن تكون كلها حقائق.. ووقائع وأفعال قد لا يعرفها الرأي العام. لذا أصحاب دور النشر بخبرتهم وتجاربهم أدركوا أن مذكرات وزراء الخارجية بالذات هي أكثر الكتب التي تحوى أسرار الدول والرؤساء والشعوب.. فهم يحضرون كل الاجتماعات مع الرؤساء وتحت أيديهم كل البرقيات والاتصالات والرسائل والشفرة.. لذا لديهم من الأسرار ما لا يعلمه أحد.. آخر هذه الكتب هو ما سجله أحمد أبو الغيط وترجع قيمته إلي أنه آخر وزير خارجية في عهد مبارك.. لذا حرص الكاتب الكبير صلاح منتصر صاحب (العمود الصحفى) المقروء.. حرص على أن يلخص سريعاً أهم ما جاء في شهادة (أبو الغيط) التي تقع في خمسمائة صفحة. لفت نظري ما قيل عن علاقة حسني مبارك بأمريكا.. وكيف طلبت أمريكا بإلحاح وضغط وتهذيب.. طلبت من مبارك مشاركة القوات المسلحة في حرب أفغانستان ورفض مبارك.. ولكنه قبل في النهاية المشاركة بإرسال مستشفى ميدانى مصرى.. ولما بدأ غزو العراق عادت الضغوط الأمريكية لإرسال مصر (بعض) قواتها إلي العراق وتكرر رفض مصر.. ولكن للحرص علي استمرار العلاقة (الودية) مع أمريكا وافقت مصر علي تدريب وتعليم كوادر الجيش والشرطة الأفغانية في مصر وبيعها الأسلحة الخفيفة التي تنتجها مصر.. تلبية لطلب قديم من أمريكا. ويقول الوزير أبو الغيط عموماً عن الفترة التي عاشها كوزير في عهد مبارك بداية من يوم 14 يوليو 2004 لمدة سبع سنوات.. إن مبارك كان لا يمانع فيما تطلبه أمريكا قط مادام الطلب لا يتضمن قوات محاربة.. وكان الواضح أن أمريكا هدفها الرئيسى هو الزج بمصر في شبكة الأحداث الأمريكية بأية طريقة!! هذا ما فعله حسني مبارك مع أمريكا.. تعالوا نقارن بما فعله مصطفى النحاس مع أمريكا.. رغم أن مقارنة مصطفى النحاس الزعيم الخرافى بحسني مبارك فيه ظلم كبير لزعيم الأمة. عام 1950.. اندلعت حرب كوريا وأرادت أمريكا أن تقف دول العالم معها ضد الاتحاد السوفيتى.. وأثارت الموضوع في مجلس الأمن.. فأعلن الدكتور محمود فوزي مندوب مصر الدائم في المجلس بوقوف مصر علي الحياد.. كانت مفاجأة مذهلة لأمريكا.. فاتصل سفير أمريكا بالملك فاروق تليفونياً وكان الوقت حوالى الثالثة صباحاً!! وطلب منه الاتصال بمحمود فوزي ليغير خطابه وينضم لأمريكا.. وكان رد الملك اتصل بمصطفى النحاس رئيس الوزراء فهو المختص.. ذهب السفير إلي مبني رئاسة الوزراء في الحادية عشرة صباحاً فرفض مصطفي النحاس أن يقابله لأنه لم يأخذ موعداً مسبقاً.. فطلب السفير موعداً عاجلاً فتقرر أن يكون الموعد في صباح اليوم التالى.. وأصر مصطفى النحاس عن موقف (الحياد الإيجابى) الذي أعلنه في البرلمان.. فطلب السفير إرسال سفينة قمح إلي كوريا من أجل الجيوش المحاربة فرفض مصطفي النحاس.. فعاد السفير يطلب القمح بضعف ثمنه.. فأصر النحاس علي الرفض. وكان الاتحاد السوفيتي هو الذي بدأ بالعدوان لذا كانت أمريكا تريد أن تقف دول العالم معها.. فطلب السفير من النحاس باشا مجرد إدانة العدوان السوفيتى فرفض النحاس. الحياد الإيجابى يجب احترامه.. ثم يقولون إن جمال عبدالناصر هو الذي أعلن الحياد الإيجابى في مؤتمر باندونج عام 1954.. مطلوب شيء من الحياء والحرص علي التاريخ.. ولكن الصدق والضمير في إجازة منذ عام 1952.