كلما أحسست بالخوف من شيء ما، أو فقدت شعوراً بالأمن والأمان، عمدت إلى دق أقدامى على الأرض، لأؤكد لنفسى بأنى فى وطني مصر لا فى بلد آخر، قد أكون كشخص أضعف من أن أحمي ما أملكه وحدى، ولكن وطنى بلا شك ليس أضعف من أن يحمينى، سيدى الرئيس السيسى، فى أوقات الانفلات وتفشى البلطجة وقبل مجيئك ببشرى الأمن والاستقرار، كنت أخرج كغيرى من باب بيتي خائفة وأعود إليه كذلك، وكان ينتابنى غضب كبير على وطنى وليس منه، غضب ممن يحاولون سرقة ترابه، دفء أمنه، نوره.. بعض من رائحته، وكان قلبي الصغير العنيد، يتمتم.. يترنم بأن غداً الأمان قادم، وأنها مرحلة اهتزاز عابرة وستنتهى، فوران بركان وسيخمد، عصف ريح وسيهدأ.. هذا الأمل هو سر وجودنا الآن ومستقبل أجيالنا، ولو ضاع.. انتهى شعورنا بالوطن. ومرت الأيام سيدى الرئيس، والأيادى السوداء بين مد وجذر، تمدد حيناً فى خيلاء، لتقتل.. تسرق.. تخطف.. تغتصب.. تنشر فى قلب المدينة الرعب، ثم تختفى فجأة مع انتفاضة أمن هنا أو هناك، وكنت أعتقد أن كل هذا سينتهى تماماً أو إلا قليلاً بمجيئك، مع عودة قوة الدولة بكل مؤسساتها، مع نداءاتك المتكررة للداخلية بأن أمن المواطن والشارع هو الركيزة الأهم، ولكن سيدى لا يزال الرعب، الخوف، جرائم البلطجة والخطف تتزايد حتى فى القرى، التى لم نكن نعرف عنها سوى الهدوء والأمان، وبالأمس جاءنى صوته عبر الهاتف مختنقاً بالدموع، لا أعرفه، ولا أعرف كيف حصل على رقم هاتفى الخاص، ولم أساله، وهل نسأل الغرقان من أين جاء بقشة يتعلق بها أملاً فى النجاة؟.. وقد أعتقد في هذه القشة وقبلت اعتقاده، وأعقب هذا برسالة مطولة عبر الميل. قال لى «خطفوا أخى»، أمى تكاد تموت حسرة، أبى سقط مريضاً، إخوتى سيصابون بالجنون من كثرة ما نزفوا من دمع وأعصاب.. سألته: من هم ولماذا؟ وروى لى عبدالله، إن المخطوف هو أخوه عبدالعزيز سعيد محمد احمد أبوالوفا طالب بهندسة الزقازيق 22 سنة، قبل بدء الدراسة بأيام، انخرط عبدالعزيز فى مساعدة والده بمزرعتهم لاستكمال بعض الأعمال، وكما اعتاد، كان يعود بسيارته البيچو من المزرعة قبيل المغرب إلى منزل الأسرة بقرية بندف - مركز منيا القمح - محافظة الشرقية، وفى هذا اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر الماضى، انتظرته الأسرة كالعادة على العشاء، ولم يعد، عصف القلق بالجميع، فهو لم يعتد التأخر، وأسرع أبوه مع شقيقه عبدالله للمزرعة بمنطقة «الجريدة» للسؤال عنه، قال الخفير: إنه غادره منذ 4 ساعات، ازداد القلق، وأثناء عودتهما للبيت مرة أخرى، فوجئا بسيارة عبدالعزيز على جانب الطريق، وبها مفتاحها، وقد اختفى عبدالعزيز. استمر البحث طيلة الليل بالقرية وضواحيها، دون جدوى، واستعادت الأسرة ذكرى مؤلمة مماثلة، فقبل خمسة أشهر، تعرض حاتم «15 سنة» شقيق عبدالعزيز الأصغر للخطف، وكان حظ حاتم أوفر، إذ نجحت الشرطة فى القبض على الخاطفين بعد ساعة من خطفه فى أحد الأكمنة المتحركة، وكان من بين المجرمين شخص له صلة بعصابة معروفة بالقرية، وعقب القبض على المتهمين، تعرضت الأسرة لتهديدات من زعيم العصابة «محمد. ه. ا» وهو تاجر سلاح ومخدرات، لإجبارهم للتنازل عن القضية لتبرئة الخاطفين وبينهم قريبه، ولم يقف الأمر عند المطالبة بالتنازل عن القضية، بل امتد للتهديد بخطف باقى الأبناء، وبإطلاق الأعيرة النارية على بيت الأسرة لإرهابهم وإحراق أجزاء من مزرعتهم. وهكذا كانت كل القرائن تشير إلى أن «محمد» هذا وراء اختفاء عبدالعزيز، انتقاماً من الأسرة لعدم تنازلها عن محضر خطف الابن الأصغر، وأسرع الأب بالإبلاغ عن غياب عبدالعزيز، وحرر محضراً إدارياً رقم 7328 منيا القمح، الذى تحول إلى جنحة خطف، وفوجئت الأسرة برقم مجهول يتصل بهم، ويطلب فدية 10 ملايين مقابل إعادة عبدالعزيز، وانهارت الأسرة، من أين لها بهذا المبلغ المهول؟.. ثم عاود المجهول الاتصال وخفض المبلغ إلى 8 ملايين، ثم خمسة، وكان آخر مرة سمع فيها الأب صوت عبدالعزيز يوم 4 أكتوبر بعد صلاة العشاء، وكان عبدالعزيز يستنجد بأسرته ويطالبهم بدفع مبلغ الفدية للخاطفين لينجو بحياته. وأبلغت الأسرة مجدداً عن الرقم المجهول، وعن مضمون المكالمات، كما وجهت اتهاماً صريحاً لمن تعتقد أنه وراء عملية الخطف، وأبلغت عن مكان تواجده فى «القاطعة» بجوار قرية بندف، رغم ذلك لم تتحرك الشرطة للقبض على المتهم ولو على سبيل استجوابه واستنطاقه لمعرفة الحقيقة. سيدى الرئيس السيسى أبعث إليك برسالة عذاب هذه الأسرة لتنقذها من عذابها، لا اتهم أنا أو هم.. لا نتهم الشرطة بالكسل والتجاهل، إذا يبدو أن لديهم ما هو أهم من حياة شاب فى عمر الزهور، هو قرة أعين والديه وإخوته، شاب عرف بالأخلاق والطيبة بين الجميع، ولهذا، وجدتنى أستنجد بك معهم، عسى أن تأمر ليتحرك المسئولون لإنقاذ حياة بريء، وإعادة الأمن والأمان للأسرة ولربوع قرية باتت لا تنام، بسبب شبح الخطف والبلطجة الجاثم على صدرها. سيدى الرئيس انتهى الكلام.. سكت العصفور عن الغناء، ومازال محدقاً فى الغيب المجهول يبحث عمن ينقذه، عن أهله، عن رفاقه، عن يد الأمن الحامية لتعيده إلى بيته، فقد سكن الحزن القلوب، وعششت الكآبة، أما حزنه هو.. وهو لايزال فى جب مظلم غامض لا يمكن أن يعرف مقداره أحد، ولا مدى ما يقاسيه من خاطفيه. تلك رسالتى إليك سيدى الرئيس السيسى.. رسالة والديه.. إخوته.. كل من عرفوه وأحبوه، ولايزال الجميع ينتظر أن يعود سالماً.. أن يرفرف الأمن والأمان من جديد على البيت الحزين، فهل تستجيب؟