طوابير طويلة تمتد لعشرات الأمتار، وتغلق كبرى شوارع القاهرة، أمام عدد من محلات اللحوم الشهيرة فى مشهد يثير الدهشة والتساؤل حول سر هذا الزحام أمام تلك المحلات بعينها، لكن سرعان ما يتبدد لديك الشعور بالاستغراب حال قراءتك لإعلان كبير معلقا على تلك المحلات مكتوبا عليه «اشترى 3 كيلو لحمة كندوز واحصل على كيلو كبدة أو لحمة عليه مجانا ب120 جنيها فقط». الطابور الذى يضم شرائح المجتمع المختلفة من مدرسين ومهندسين وأطباء وموظفين حكوميين، يجمع بينهم صفة واحدة وهى محدودية الدخل يتكالبون على شراء تلك اللحوم، ويرفضون سماع صوت التساؤلات التى تدور فى أذهانهم حول سر انخفاض سعر تلك اللحوم الذى لا يتجاوز سعرها 30 جنيها فى حين ان اللحوم المدعمة فى المجمعات الاستهلاكية والقوات المسلحة ذاتها وكذلك اللحوم المجمدة أغلى من ذلك بكثير، كما أن هذا السعر الزهيد لا يساوى تكلفة تربيته مع ارتفاع أسعار الماشية وغيرها من مستلزمات التربية التى جعلت أسعار اللحوم البلدى تصل الى 40 جنيها فى الكيلو قائم حى فما السر إذن؟ بانفعال.. تدافع نادية حسن، مدرسة، تقف أمام أحد محلات الجزارة فى شارع التحرير، عن تلك اللحوم قائلة: «إحنا متعودين بنشترى من المحلات دى كل سنة، ومبيحصلناش حاجة، وبعدين الدولة ليه تاركين التجار يبيعوا تلك اللحوم فى الشوارع لو هى غير صالحة». تلتقط منها طرف الحديث سيدة أخرى «أكيد اللحمة فيها مشاكل صحية بس إحنا معندناش بدائل، والغش أصبح موجودا حتى فى اللحوم المرتفعة الأسعار، يبقى اللحوم الرخيصة أحسن لأنها مناسبة لمرتبتنا. فى أحد محلات الجزارة بميدان الدقى يشهد عليه طابور طويل للمواطنين الذين يتكالبون على شراء اللحمة من المحلات، يقف صاحب المحل يتحسر على حال محله الخاوى من الزبائن، والمعلق به ذبيحة واحدة مكتوب عليها سعر الكيلو 65 جنيها، وينظر بغضب الى المحل المجاور له المعلق عليه عشرات الذبائح يقول الجزار فى حسرة « للأسف المواطن لم يعد يميز بين الجيد والرديء، والفيصل لدية أصبح هو السعر، وليس الجودة. وقال بصوت منخفض: «دول مافيا للحوم، محدش بيقدر عليهم، ولا حتى الحكومة وإحنا شغالين جنبهم بالعافية وبنخسر كتير جراء انصراف الزبائن عنا بحجة غلاء أسعارنا». حول سر لغز انخفاض أسعار تلك اللحوم سألنا الأطباء والمختصين،الذين عبروا عن دهشتهم وتخوفهم من انتشار مثل هذه المحلات التى تروج لعروض خرافية تقتضى التحقيق والمساءلة. حذر الدكتور حسين قاعود رئيس قسم الصحة بكلية الطب البيطرى من خطورة الانسياق وراء تلك العروض المغرية وغير المنطقية على الإطلاق، مؤكدا أن أسعار تلك المجازر تقتضى المساءلة والتفتيش فى أوراق تجار اللحوم الذين يعلنون عن سعر 4 كيلو لحمة بسعر كيلو، ويدعون أنها لحوم بلدى وسليمة. وأكد «قاعود» أن أسعار اللحوم المنخفضة تؤكد وجود شىء ما خاطئ وعلى الجهات المسئولة سواء من وزارات الزراعة او هيئة الخدمات البيطرية التحرك الفورى لفتح ملفات تلك المجازر لأن صحة آلاف المواطنين الذين يستهلكون تلك اللحوم فى خطر، بسبب الأمراض الخطيرة التى من الممكن ان تنقلها تلك اللحوم مجهولة المصدر وتزيد عن 200 مرض، من الممكن ان تؤدى الى الوفاة او الإصابة بالسرطان مشيرا إلى أن طرق غش الحوم متعددة خلال أيام العيد منها ما يلجأ إليه بعض الجزارين من خلط اللحوم البلدية بالمستوردة لتحصيل فروق الأسعار مستغلين عدم معرفة المواطنين بطرق الغش إلا من خلال الأجهزة الرقابية التي تقوم بأخذ عينات وتحليلها لمعرفة نوع اللحوم المخلوطة. ويرجح رئيس قسم الصحة العامة أن تكون تلك اللحوم هى لعجول مستوردة من بلدان محظور الاستيراد منها كالهند التى تتسم بتربه بها مادة الديكوسين السامة فى التربة، ويتغذى عليها الحيوانات لتسبب السرطان للإنسان فيما بعد، أو ربما تكون لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمى، كالذبائح المريضة والميتة مدللا على صدق كلامه بعدم منافسة اسعار وزارة التموين والزراعة وكذلك شوادر القوات المسلحة التى تقدم تلك اللحوم مدعمة مع تلك الأسعار الزهيدة. ويوضح الدكتور قاعود وجود طرق غش أخرى للحوم منها عن طريق غش اللحوم كبيرة السن التي تأخذ وقتا طويلا للطهى مع اللحوم صغيرة السن أو بيع لحوم غير مختومة يكون مصابة بأحد الأمراض وذبحها بعيدًا عن المجازر الحكومية لتصريف لحومها للمواطنين أثناء العيد. حمل «قاعود» الجهات المسئولة انتشار غش اللحوم بهذا الشكل الفج، بسبب سرقة الأختام ومن ثم فعملية غش اللحوم من أسهل الأمور، خاصة فى ظل تنامى حالة التراخى من قبل المسئولين وتحول تجار اللحوم إلى مافيا تتورط فيها قيادات حكومية، مضيفا ليس من المعقول ان تكون محلات الجزارة تخسر الملايين كل يوم فسعر الكيلو اللحمة المعروض فى تلك الأماكن لا يكفى ثمن التكلفة الفعلية للحيوان، ناهيك عن سعر الأعلاف وغيرها من الأمور التى تحتاج إلى أمور كثيرة. وفى سياق متصل شددت الدكتور ة سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك،على التفرقة بين أنواع العروض على اللحوم فى كبرى المحلات ويكون التخفيض فيها بضعة جنيهات وبين محلات الجزارة المشبوهة التى تبيع اللحوم بسعر زهيد، مستغلة حاجة الناس، وصعوبة الظروف المعيشية، غير مبالية بالخطر الداهم الذى يهدد حياة المصريين، لافتة إلى أهمية الاختيار من مكان معروف وموثوق فيه، وليس هناك أى غبار على سمعتهم ويتوفر فيها الاشتراطات الصحية من وجود ثلاجات صحية ونظافة المكان وخلوه من الحيوان وقبل كل ذلك مدى تقييم وزارة الصحة والجهات المعنية له. وأوضحت الديب أن شروط اللحوم الجيدة لابد أن تكون لونها «وردى» فاتحًا مائلًا إلى اللون الغامق تبعًا لعمر الحيوان المذبوح وأن يكون الدهن أبيض ناصعًا كما هو الحال بالنسبة للحوم البقرية والجاموس وأن تكون اللحوم معروضة بداخل الثلاجات أو بمحال الجزارة وأن تكون مغطاة بالشاش الأبيض النظيف مع رائحة مقبولة ومميزة لنوع اللحوم وأن تكون قوام اللحوم متماسكة لا يسهل قطعها بأصابع اليد ولا يوجد بها مواد مخاطية أو هلامية وأن تكون الأختام واضحة ومقروءة على الذبيحة، محذرة من وجود سبل غش كثيرة للأضحية واللحوم سواء كانت محلية أو مستوردة أخطرها فى الكفتة واللحوم المفرومة الجاهزة. وتنصح الدكتورة المواطنين بعدم الإكثار من شراء اللحوم وتخزينها بطرق غير صحيحة لأن ذلك من شأنه أن يضر بصحة المواطنين من جانبه عبر الدكتور فتحى النواوى، أستاذ الرقابة الصحية على اللحوم بكلية الطب البيطرى،عن دهشته من مستوى الأسعار والعروض التى تعرضها بعض المجازر بدعوى التخفيضات لحلول عيد الأضحى. وأكد «النواوى» أن هذا أمر مثير للشك والريبة، ويستدعى من المواطنين أن يحتاطوا، ويجنبوا أنفسهم الوقوع فى شرك تلك المجازر التى لديها حيل كثيرة لغش المواطنين منها غش الحوم البلدى بالمستورد أو المجمد أو عرض ذبائح مريضة ومذبوحة خارج المذابح الحكومية التى تخضع للإشراف هيئة الخدمات البيطرية، وتم فحص اللحوم ظاهريا، وأخذ عينه من اللحوم وتحليلها لضمان خلوها من أى أمراض من شأنها التأثير على صحة الإنسان. ووجه النواوى رسالة تحذيرية للمواطنين من خطورة تناول اللحوم المجهولة المصدر قائلا: «الأفضل ان يشترى المواطن كيلو لحمة من مكان موثوق أحسن من شراء أربعة بنفس السعر تعرض حياته وحياة ابنائه للخطر.