استمعت مؤخرا لكلام أغضبني بشدة.. والمؤسف أنه جاء على لسان أحد كبار رجال القضاء وسدنة العدالة.. فى مصر.. فقد قال سيادته تصريحاً غير موفق على الإطلاق.. قال فيه بكل قسوة: لامكان فى القضاء لأولاد عمال النظافة..ورغم أن الجميع يعلم أن ذلك واقع فعلاً.. ويحدث على أرض الواقع.. وهو موقف مرفوض ومستهجن، فإن ذكره - بهذا الشكل - يتنافى مع الدستور الذى يسوى بين المواطنين جميعاً دون تفرقة بين ابن الوزير وابن الخفير. كما أن كلام سيادته يتنافى مع منطق العدالة.. والمنوط بتطبيقها سيادة المستشار..الذى ينبغى عليه أن «يحكِّم» ضميره قبل مشاعره فى كل صغيرة وكبيرة.. فكلام سيادته «أحكام» حتى لو كان فى حديث صحفى.. أو لقاء اعلامى.. وهو تصريح «شاذ» وغريب أن يصدر عن قاض بعد ثورتين عظيمتين ضحينا فيهما بالغالى والنفيس من دماء الشعب المصرى!! والسؤال هنا هل «أجرم» ابن عامل النظافة لأنه خرج للحياة فوجد والده يعمل فى مهنة بسيطة.. وهل مهنة عامل النظافة هى عمل غير شريف.. تتساوى مع مهنة اللص والحرامى وقاطع الطريق؟! هل هذا عدل ياسيادة المستشار؟! هل نحرم ابن عامل النظافة من العمل بالقضاء حتى لو كان متفوقا؟! وما رأى سيادتكم لو تقدم لكم فى القضاء خريجان.. الأول ابن عامل نظافة متفوق وحسن السير والسلوك.. والثانى ابن باشا من باشاوات الزمن الحالى..والذين كونوا ثرواتهم من الاستيلاء على المال العام.. ونهب ممتلكات الشعب.. فمن ستقبل يا سيادة المستشار؟! بالتأكيد ستقبلون ابن «الحرامى» طالما أن صحيفة سوابق والده بيضاء كاللبن الحليب.. فهل بهذا تحققون العدل يا سعادة المستشار.. وهل ابن الحرامى سيكون صالحاً للجلوس على منصة القضاء ليحكم بين الناس بالعدل والقسطاس.. وهو الذى نشأ وتربى وترعرع فى المال الحرام.. وشرب منه حتى الثمالة.. هل هذا هو عدلكم يا سيادة المستشار؟! وهل تطلبون من ابن عامل النظافة أو ابن الفلاح أو ابن الحلاق أو الميكانيكى أو ابن السباك أن «يتبرأ» من ابيه حتى يكون صالحا لأعمال القضاء؟! أم تريدون ان يشعر «المسكين» بالكره نحو والده الذى تسبب بمهنته الشريفة البسيطة فى ضياع مستقبل الابن.. بدلا من ان يشعر بالجميل والعرفان نحو والده الذى شقى وطفح الكوتة.. حتى يعلم ابنه ويقدمه للمجتمع مواطناً صالحا.. هل هذا هو عدلكم يا سعادة المستشار؟! الأهم من كل ذلك هل تعلم يا أخى أن ابن الساعى.. وابن صول الجيش وابن المحضر وابن الفلاح واخيرا ابن التاجر البسيط كلهم قد وصلوا لمنصب رئيس الجمهورية نفسه.. وهو أعلى وأسمى منصب فى البلاد.. فهل مناصبكم فى القضاء أعلى وأكثر سمواً من منصب رئيس الجمهورية الذى هو - بحكم منصبه - رئيس للمجلس الاعلى للقضاء.. ويصدر قرارات تعيينكم فى القضاء والنيابة؟! يا سادة حرام عليكم.. إذا منعتم ابناء البسطاء من دخول القضاء أو الشرطة أو الحربية أو الخارجية ففى هذا ظلم ومفسدة كبيرة وهنا لن يكون أمامهم إلا الانتحار.. ففى الآخرة يتساوى ابن الباشا وابن عامل النظافة.. بل قد يكون الثانى أفضل وأرفع منزلة! ارجوك راجع كلامك ياسيادة المستشار لتكتشف انه يجافى العدل.. ويخاصم المنطق.. ويهين مبدأ المواطنة والمساواة بين البشر.. ويضرب الدستور على قفاه.. وهو ما يدعونا لوقفة معك بسبب دعوتك ل «التمييز» بين المواطنين على أساس وظائف آبائهم.. وهو ما يجرمه الدستور ويرفضه!! أخيراً.. أرجو من سيادتكم أن تكشف لنا عدد القضاة الذين التحقوا بالعمل القضائى لأنهم أولاد أو أشقاء قضاة.. ومع ذلك ارتكبوا أعمالاً «اجرامية» مخلة بالشرف.. مما استدعى فصلهم من القضاء.. وسجنهم أو تحويلهم لوظائف غير قضائية.. لتدرك سيادتكم أن الانحراف «المحتمل» عند ابن الكناس.. بات محققا عند بعض الذين تربوا وترعرعوا فى بيئة قضائية خالصة!! يا سادة.. العدالة في خطر حقيقي طالما كان هذا تفكير أحد شيوخه!!