ما أحوجنا اليوم إلي تجديد خطابنا الديني، تجديداً يركز علي فهمنا الصحيح للدين وقراءتنا له، وليس علي الدين نفسه، لأن الدين فوق أن يجدد، وما دام التجديد في القراءة، فلا ضير ولا حرج من استخدام مصطلح التجديد، ولا داعي أن يتوجس البعض منه خيفة، فالتجديد هنا لن يخل بالثوابت الدينية، ولن يمس جوهر العقيدة المتمثل في القرآن، والسنة النبوية الشريفة التي أخُذت عن سيدنا محمد – عليه الصلاة والسلام – الذي لا ينطق عن الهوى، أما عدا ذلك من فتاوى وفقه موضوع علي يد أشخاص وأئمة مهما كان درجة مصداقيتهم، وإبحارهم في العلوم الدينية، لابد أن يتم مراجعتها وأن تُخضع اجتهاداتهم للفحص، وأرائهم للتنقيح، لأنهم ليسوا بملائكة منزهين عن الخطأ والسهو، ولا يجوز التعامل مع ما قدموه لنا ك مسلمات بديهية دون استعمال العقل لمعرفة ماهيتها، وإلا لماذا خلق الله لنا العقل؟ أليس لنفكر به ونتدبر. ما نواجهه اليوم في عالمنا العربي من خطر الإرهاب، وعنف الجماعات الإسلامية علي اختلاف مسمياتهم، يعود بالدرجة الأولي إلي حالة الجمود التي أصابت الفكر الديني، الذي وقف عند حدود القرون الأولي، ولم يواكب تطورات العصر، واحتياجات المسلم المعاصر الذي لم يعد يعتمد علي الجمل في تحركاته، والسيف في حروبه، والحمام الزاجل في مراسلاته، أضف إلي ذلك إصرار العاملين والدارسين في مجالات العلوم الإسلامية، علي التعامل مع النصوص الدينية دون الأخذ بعين الاعتبار ظرف المكان والزمان وديمومة حركتيهما، ف نوعية التفسيرات والاجتهادات التي تصلح لفترة زمنية معينة لا تصلح لغيرها. فقد ورد عن رسولنا الحبيب -علية أفضل الصلاة والسلام - أن الله يبعث علي رأس كل 100 عام من يجدد لهذه الأمة دينها، وهذا يعني أن التجديد أمراً اقره الدين، وليس بدعه كما تروج الجماعات المتشددة، فإن كنا نريد خيراً لهذا الدين فعلينا مراجعة وجرد الأفكار المنبثقة عنه فما وافق الكتاب والسنة علينا تثبيته، وما خالف ذلك يجب أن يتم التخلص منه، لأن العقيدة أهم وأخطر شئ لدي الإنسان، فإن صلحت، صلُُحت حياته وظفر بالسعادة دنيا وآخرة، وإن فسدت، فسد كل شئ ،وما من انحراف في العقيدة إلا ويقابله انحراف في السلوك، وهذا أن دل علي شئ فإنه يدل علي أن العقيدة الدينية هي الأصل، التي يتمحور حولها حياة الفرد. أصبحت الحاجة إلي تجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة في عصرنا هذا، لكثرة التحديات التي تواجهنا ،في ظل الهجمات الشرسة التي تشهدها المنطقة،والتي تستوجب التخلص من الأفكار المغلوطة كي نحافظ علي هويتنا، وإسلامنا الصحيح الذي يمتلك من المرونة ما يجعله مسايراً لكل الأزمان،ومنسجماً مع كل المستجدات، وقادراً علي استيعاب كل الاحتياجات البشرية والإنسانية في كل مكان، إسلامنا دين تجديد لكن للأسف هؤلاء المدعون الذين نصبوا أنفسهم أوصياء عليه، هم من يقفون حائلاً بينه وبين المعاصرة والتجديد والإصلاح.