شهدت سيناء موجات متتالية من الإرهاب الذى لم يكن وليد اليوم، وخاضت القوات المسلحة حرباً شرسة لم تنته بعد، أدت لتراجع العمليات الإرهابية هناك، إلا أن ما تم بذله من جهود خارقة لم يكن كافياً لاقتلاع جذور الإرهاب التي ترسخت في أرض سيناء التي وصفها الخبراء الاستراتيجيون بأنها المنطقة الرخوة في جدار الأمن القومى، حيث أصبحت ملاذاً للتنظيمات الإرهابية، فبين الحين والآخر نفاجأ بعمل إرهابي جديد ليعود العنف للظهور من جديد، وتزهق أرواح الأبرياء من الجنود والضباط، حتي بات من الصعب التنبؤ بالقضاء نهائياً علي الإرهاب، الأمر الذي أصبح يتطلب ضرورة تنمية سيناء حتى نتمكن من تجفيف منابع الإرهاب هناك. تكررت عمليات استهداف الضباط والجنود في سيناء من جديد، وكان آخرها الحادث المأساوى الذي راح ضحيته 10 جنود وضابط شرطة، عندما تم تفجير مدرعة علي طريق رفح - الشيخ زويد، نتيجة انفجار لغم أرضى أثناء مرور قوة أمنية تستقل مدرعة كانت تتفقد الحالة الأمنية علي الطريق، وعلي الرغم من أن العمليات الإرهابية بسيناء كانت قد تراجعت منذ تنفيذ هجومين استهدفا نقطة عسكرية في الصحراء الغربية وراح ضحيته نحو 25 شرطياً، إلا أن جذور الإرهاب في سيناء لم تقتلع بعد، فى الوقت الذي تبذل فيه القوات المسلحة قصارى جهدها للقضاء علي البؤر الإرهابية، فقد شنت القوات المسلحة والشرطة في الشهر الماضى، حملات مكثفة علي مخابئ الأسلحة بسيناء، وأعلنت عن مقتل أكثر من 60 مسلحاً، كما تم ضبط وتدمير فتحتى نفق بمنطقة رفح باستخدام المعدات الهندسية والغمر بالمياه، فضلاً عن تنفيذ مداهمات بمحافظات شمال سيناء أسفرت عن مقتل 9 عناصر إرهابية، والقبض علي 15 فرداً من المطلوبين أمنياً بمناطق الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء، إلا أن الخبراء الاستراتيجيين يرون أن تنمية سيناء هي السلاح الوحيد للقضاء علي الخلايا الإرهابية هناك والتخلص من الإرهاب هناك. ويعلق علي ذلك اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجي، فيري أنه لا توجد جريمة تنتهي تماماً، فالقضاء علي الإرهاب في سيناء يحتاج لوقت طويل، وما يحدث الآن هو تتبع الإرهابيين، والقضاء عليهم، وبالفعل تم القضاء علي العديد منهم، فعلى مدار سنوات طويلة عانت مصر من الإرهاب باستثناء الفترة من عام 1965 إلي عام 1971، فنحن نواجه حرباً شرسة من الداخل والخارج، فهناك بعض الجماعات الإرهابية تمول من الخارج، فضلاً عن وجود إرهاب في الداخل أيضاً، فهناك مصريون ينتمون لجماعات إرهابية، ويقومون بتدبير العمليات التي تحدث ما بين الحين والآخر، ويقول: لن نتمكن من القضاء علي الإرهاب بل نستطيع أن نكسر شوكته، وذلك من خلال تكثيف الجهود الأمنية في الحصول علي المعلومات التي تفيد في تتبع هؤلاء المجرمين وتلك المعلومات تعد جزءاً مهماً في مواجهة الإرهاب، ومنعه قبل وقوعه فبدون المعلومة لن نقضى علي الإرهاب، لابد أن يتعاون الشعب مع رجال الأمن والإبلاغ عما يراه مثيراً للشك، حيث نحتاج لمزيد من التماسك والوقوف يداً واحدة، فقدرتنا أكبر من أي ضغوط خارجية، لذا نحتاج لقدرة تنظيمية عالية. منظومة متكاملة اللواء فؤاد علام، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة سابقاً، يؤكد أنه لا يوجد وجه مقارنة بين ما يحدث الآن، وما كان يحدث من قبل، حيث كان الإرهابيون يهاجمون أقسام الشرطة، ومراكز القوات المسلحة، ويقومون بقتل العشرات، ولا شك أن هذا يرجع نتيجة للجهود التي تم بذلها في القضاء علي التنظيمات الإرهابية الموجودة في سيناء لكن مع الأسف نجد أن الحكومة مازالت غائبة في مواجهة الإرهاب، ولا تعرف حتي الآن كيف تواجهه، بل والأسوأ من ذلك أنها تركت الأمر لوزارة الداخلية باعتبار أن القضية قضية أمنية، رغم أنها إذا اتخذت بعض الإجراءات والاحتياطات في سيناء، لساهم ذلك في تحسن الأوضاع، كما سيجعل هناك صعوبة أمام الجماعات الإرهابية في تنفيذ أية عمليات هناك حتي فقدنا القدرة علي تحديد المدة الزمنية التي نحتاجها للقضاء علي الإرهاب الذي أصبح بمثابة شجرة كبيرة ذات جذور راسخة في الأرض، وكل ما يفعله الأمن هو تقطيع الجذور، وإسقاط بعض الأوراق، وللأسف تعود للظهور مرة أخرى، ولإيقاف نموها، لابد من عمل منظومة متكاملة من جميع النواحى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والدينية والأمنية. فعلى رئيس الحكومة ألا يترك الأمر لرجال الأمن وحدهم، فالأمن وحده لن يتمكن من اقتلاع جذور الإرهاب، فتطبيق تلك المنظومة المتكاملة سيساهم بشكل كبير في مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية التي تقوم بين الحين والآخر بعملية إرهابية وتسقط خلالها أرواح الأبرياء. اللواء سيد الجابرى، الخبير الاستراتيجى، يؤكد أن القوات المسلحة استطاعت خلال ال24 شهراً الماضية تحقيق ضربات قوية للإرهابيين، فبعد أن كان هناك ما يقرب من 12 تنظيماً إرهابياً في سيناء، لم يعد يوجد سوي بقايا لتنظيم أنصار بيت المقدس، وهذه حقيقة مؤكدة، فمصر استطاعت أن تجهض الإرهاب، بعد قيام جهات دولية بتمويله، والقوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة استطاعوا القضاء علي تلك التنظيمات، والدليل علي ذلك انخفاض حجم تلك العمليات بعد الانتخابات الرئاسية، فلم تعد تشهد سيناء سوي عمليات قليلة، علي فترات متباعدة، لكنها عمليات تعتمد علي المفاجأة، كما أنها تحدث بشكل فردي، ولا شك أن القائمين علي تلك العمليات بعضهم ينتمي لبقايا المجموعة التي أفرج عنها الرئيس المعزول محمد مرسى وهم يتخذون الآن من الجبال مقرات لهم، والبعض الآخر جاء عن طريق الأنفاق التي قامت القوات المسلحة بغلق عدد كبير منها، مما ساهم في صعوبة دخول العناصر الإرهابية عن طريقها، فقوات الشرطة عندما هاجمت الإرهابى «أبو شيتة» وجدت بحوذته 9 أجهزة حواسب إلكترونية يقوم باستخدامها في الاتصال بالجهات الخارجية التي تتولى إدارة العمليات الإرهابية عن طريق الاتصال بهم، والعناصر الموجودة في مصر حالياً من يطلق عليهم اسم «الطابور الخامس» وهؤلاء يقومون بتجنيد الشباب للاشتراك في التنظيمات الإرهابية، وهذا ما حدث بالفعل مع الشاب «إسلام» الذي تم تجنيده مؤخراً للانضمام مع «داعش»، لذا لابد أن نكون علي قدر كبير من الحذر، لأن مصر تواجه حرباً اقتصادية شرسة، مع الاستعمار، والجيش هو الوحيد فى المنطقة العربية الذي وقف صامداً، فالقوات المسلحة استطاعت تحقيق منظومة أمنية رائعة، ومصر هي الدولة الوحيدة في المنطقة القادرة علي سحق «داعش» وأتباعها. ويستبعد اللواء سيد الجابرى أن يكون لتنظيم داعش وجود في مصر، كما يستبعد دخولهم إلي مصر، لأن التركيبة السكانية لدينا لا تسمح بوجود هذا التنظيم الذي يتكون نتيجة لوجود طوائف مثل السنة والشيعة، واشتعال الفتن بين تلك الطوائف، فمصر شعبها قوي ومتماسك، ولن يسمح بمنحهم فرصة الدخول إلي البلاد، وسيذكر التاريخ أن مصر هي الدولة الوحيدة التي لم تتعامل مع أي جماعة إرهابية، بل تعرضت للإرهاب علي مدار سنوات طويلة، واستطاعت الانتصار عليه، ويري أن الحل الوحيد للقضاء علي الإرهاب في سيناء هو التنمية فلا أمن بدون تنمية، فالأرض الفضاء تغرى الأعداء للاختباء فيها وتنفيذ مخططاتهم نظراً لصعوبة الوصول إليهم، فمصر تخوض حرباً اقتصادية شرسة، وقد أدرك ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسي، لذا بذل كل جهوده في تنفيذ مشروعات تنموية في العديد من المناطق التي تحتاج للتنمية، لأن التنمية هي السلاح الوحيد للقضاء علي الإرهاب في مصر. الأمن المطلق الدكتور نبيل فؤاد -أستاذ العلوم السياسية والاستراتيجية- يقول: الإرهاب في سيناء يحتاج لعدة سنوات للقضاء عليه، فتلك الجماعات تعتمد علي حرب العصابات لإرهاق الجيش، في الوقت الذي نفتقد فيه للأمن المطلق، فجميع دول العالم تتعرض للإرهاب، ولا تستطيع القضاء عليه بين يوم وليلة، فالوقت دائماً يضعف البنية التحتية للعناصر الإرهابية، والدليل علي ذلك هو انخفاض حجم العمليات الإرهابية، التي لن تنتهي بسهولة، لأن مصر معرضة للأعداء من الداخل والخارج، وهذا يفسر استمرار تلك العمليات، فالواقع يؤكد أن هناك رأسا مدرب في الخارج تساعد هؤلاء الإرهابيين في الدخول عن طريق الأنفاق، وإمدادهم بالسلاح اللازم لهم، فضلاً عن الرأس المدبر الموجود في الداخل أيضاً، والذي يوفر لهؤلاء المجرمين ما يلزمهم من أموال وسلاح أيضاً لإجراء عملياتهم الإرهابية، وقد لاحظنا ما تبذله القوات المسلحة والشرطة من جهود شاقة في مواجهة تلك الجماعات المدربة، لكن من الضروري أن تسعي للاعتماد علي الأجهزة التكنولوجية الأكثر تقدماً من أجل ابتكار أحدث الطرق لمقاومة الإرهاب هناك في ظل توافر أجهزة المعلومات التي من شأنها تحديد أماكنهم وطرق عملهم للقضاء عليهم بسهولة.