من الأقوال الشائعة فى مجال استصلاح الأراضى إن استصلاح الصحراء يحتاج إلى مال قارون وعمر نوح وصبر أيوب , ومصر لديها تجارب كثيرة فى هذا المجال , ومؤخراً أعلنت الحكومة عن خطة تستهدف استصلاح 4 ملايين فدان , وسوف تبدأ الحكومة فى استصلاح مليون فدان فى المرحلة الحالية, ويبدو أن عملية الاستصلاح لها جاذبية سياسية من أيام محمد على وعبد الناصر , ولكن على الأرض وفى الوضع الحالى هذا تفكير خاطئ يتجاهل الواقع والتجارب الحالية والسابقة وذلك للأسباب التالية: 1 – تعانى مصر من أزمة مائية كبيرة، بحيث أصبح نصيب الفرد أقل من حد الفقر المائى العالمى , وتحصل مصر حالياً على نفس نصيبها المائى من النيل عندما كان سكان مصر 3 ملايين نسمة, ونحتاج سنوياً 73 مليار متر مكعب وكل إيرادنا من النيل 55 مليارا , ونغطى الفارق من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والمياه الجوفية والتى هى أصلاً تسريبات من النيل , فمن أين نوفر المياه اللازمة لأربعة ملايين فدان , أو حتى مليون فدان جديد. 2 – قامت حكومة الجنزورى عام 1996 بمسح كل الأراضى التى يمكن استصلاحها وكانت 3٫7 مليون فدان , وتم استصلاح بعض هذه الأراضى خلال العشرين عاما الأخيرة, ومعظم الأراضى الصحراوية غير صالحة للزراعة والأرض الممكن استصلاحها مساحاتها محدودة وجودنها منخفضة وبالتالى تكلفة استصلاحها كبيرة وإنتاجياتها منخفضة. 3 – تتفاوض الحكومة حالياً مع إثيوبيا حول سد النهضة ونعلن أن مشكلة المياه هى أمن قومى وأن النيل هو المصدر المائى الوحيد لشعب مصر , ثم نتحدث فى نفس الوقت عن استصلاح أراض جديدة بملايين الأفدنة فأين هى مشكلة المياه التى نتحدث عنها؟ إن هذه التصريحات تفقدنا المصداقية فى مفاوضاتنا مع الجانب الإثيوبى وعلى المستوى الدولى , بل إن هذه المشكلة ثارت عند بدء مشروع توشكى لاستصلاح 540 ألف فدان فقط . 4 – إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى تتم عن طريق إعادة المياه للنيل لاستخدامها فى الرى والشرب، ما يؤدى لتلوث النيل وزيادة أمراض الكبد والفشل الكلوى , أى عائد يوازى صحة المصريين ثم الإنفاق على علاجهم . 5 – كل ما تزرعه مصر من أيام الفراعنة حتى اليوم حوالى 8 ملايين فدان وأغلب محافظاتنا الزراعية تزرع أرضاً فى حدود 400 ألف فدان , أى أن الحكومة تنوى استصلاح وزراعة ما يوازى المساحة التى تزرعها 10 محافظات , فهل هذا منطقى أو ممكن أو معقول؟ 6 – يعانى المزارعون من نقص المياه اللازمة لزراعاتهم خاصة فى نهايات الترع، ما يؤثر على إنتاجهم الزراعى , فهل الأولى إمدادهم بالمياه اللازمة للوصول إلى أعلى إنتاجية لمحاصيلهم أم استصلاح أراض جديدة سوف تسحب بالتأكيد من مقنناتهم المائية والتى بالكاد تكفى زراعاتهم الحالية. علينا أن نعترف وندرك أن إمكانياتنا الزراعية محدودة وليس هناك الكثير الذى يمكن إضافته , وكل دول العالم التى لديها فوائض فى الغذاء تزرع أراضيها على الأمطار التى حرمتنا الطبيعة منها, وعلينا أيضاً ان ندرك أن الزراعة لا تمثل أملاً كبير فى النهضة التى نتمناها ولكن التعليم والصناعة والسياحة والخدمات هى التى يعول عليها فى إحداث النهضة التى نسعى إليها , وكل ما يمكننا عمله هو استصلاح حوالى 50 ألف فدان سنوياً , كما يمكن تشغيل شركات استصلاح الأراضى فى أعمال تطهير الترع والمصارف واستكمال الأعمال الهندسية وشق الطرق والمدقات وصيانة محطات الرفع والقناطر والتى ترفع من كفاءة الإنتاج الزراعى. واستكمال المشروعات الحالية سواء فى توشكى أو سيناءومحافظات الصعيد للاستفادة مما تم إنفاقه عليها قبل التفكير فى مشروعات جديدة لاجدوى لها.