نعم مصر الآن فى حالة حرب.. وأراها لا تقل خطورة عن حرب أكتوبر أو حروب تحرير القدس، أيام الصليبيين!!. ولابد أن ننتصر ، لابد أن نتحمل.. وكما تحمل الشعب شعار زمن عبدالناصر «يد تبنى.. ويد تحمل السلاح».. وكما وقف الشعب، كل الشعب وقفة رجل واحد، وتحملنا جميعا أعباء اعادة بناء الجيش بعد هزيمة 67 إلى أن عبرنا وانتصرنا عام 1973.. فإننا الآن فى حرب أخرى أراها أكثر شراسة من كل الحروب التى خاضتها مصر، ربما فى تاريخها كله.. أقصد حرب انقاذ الوطن من الانهيار بسبب عجز الموازنة، بسبب الدعم الذى تقدمه الحكومة للناس.. وإذا كانت الحرب العسكرية لا تطول، فإن معركتنا الحالية سوف تطول بعض الشىء. المهم أن يتحمل الشعب، وأن تكون التضحية من الجميع: من الحكومة أولاً بسياسة تقشف شديدة القسوة، لتعطى للناس القدوة.. ثم من الأغنياء، خصوصًا الذين كونوا ثروات هائلة تهون بجوارها ثروات «أثرياء الحرب» الذين عرفتهم البلاد أيام - وبعد - الحرب العالمية الثانية.. أما هؤلاء الذين يحملون أكثر الثروات الآن، فهم الذين اغتنوا وكونوا ثروات رهيبة، من مال الشعب.. هؤلاء يجب أن يتحملوا العبء الأكبر - بعد الحكومة - وأن يقدموا طواعية للشعب بعض ما كسبوه من أموال فى نصف القرن الماضى، وما أكثرهم، حتى يقال إن مصر فيها الآن مليون.. مليونير .. ولم يقل لنا واحد: طيب وفيها الآن: كام ملياردير؟! ووسط ردود الفعل التى صاحبت قرارات تقليل الدعم، وبالذات فى الوقود.. خرجت صرخة من مواطن بسيط، اسمه أسامة مصطفى ساخرًا معترضا على زيادة سعر البنزين قال: القصب متوافر.. وبدلاً من أن «تشحن» بنزين، فى خزان السيارة، اشحن «قصب» ولكن هل جاءت هذه الجملة عفوية.. أم جاءت عن ثقافة وعلم؟! أى البحث عن بديل متوفر لدينا لتشغيل السيارة.. هنا تذكرت ما رأيته بعينى فى ألمانيا فى أواخر عام 1999. كنت فى مدينة فرانكفورت أكبر مدينة صناعية فى ألمانيا.. أبحث عن بيت المفكر الألمانى الرهيب والشاعر المبدع يوهان وولفجانج فون جوته.. ويكفى أن تقول «جوته» فقط.. ولكننى وجدت نفسى وسط سوق اليوم الواحد فى واحد من أكبر ميادين المدينة.. ونسيت جوتة للحظات لأتجول فى هذا السوق. ووجدت العجب. وجدتهم يعصرون حبات الذرة ويقدمون شوب العصير منه بقيمة مارك واحد، قبل تطبيق سياسة توحيد العملة الأوروبية إلى «يورو» ثم وجدت من جاء بالتفاح - درجة ثالثة - الذى لا يصلح للأكل، فيعصرونه ويقدمون الشوب بماركين.. وشدتنى أكثر من تجربة فى هذا السوق. وجدتهم يعصرون بذور دوار الشمس. ثم يخلطون زيتها بكمية من الكحول.. ويستخدمون ذلك بدلاً من البنزين، أى وقودًا للسيارات.. بل وجدتهم يضعون تفاح الدرجة الثالثة هذا فى «خزان الوقود» فيتم هرسه وعصره.. ليتولى تشغيل موتور السيارة، وكانت مرسيدس.. أى هم يبحثون عن البدائل المتوفرة عندهم، ليس فقط بسبب غلاء البنزين، ولكن أيضا لمقاومة التلوث الناتج عن البنزين!! هنا تذكرت - وأنا أقف وسط سوق اليوم الواحد فى فرانكفورت تجربة رائعة تمت فى البرازيل أيامها.. كانت انتاج وقود السيارات باستخدام خلطة من الكحول الناتج عن.. قصب السكر. أى وقود من عصير القصب. يعنى بدلاً من أن نقف أمام محل عصير القصب لنشرب نحن.. يمكن أن نقف أمام نفس المحل لنشرب واحد شوب قصب.. ونمون خزان السيارة.. بكمية أخرى من القصب.. وتذكرت نكتة شاعت عندنا أوائل الخمسينيات بعد ظهور «عصير البرسيم» أن وقف عربجى أمام محل العصير وطلب لنفسه واحد عصير برسيم.. وللحمار: واحد عصير قصب!! المهم أن البرازيل لجأت للقصب لتنتج منه وقودًا للسيارات بسبب توفر زراعة القصب هناك، حيث إنها أكبر منتج للقصب فى العالم، هى وأندونيسيا وكوبا..ترى هل يعرف المواطن المصرى أسامة مصطفى هذه الحقيقة عندما صرخ قائلا: يا الله نشحن قصب.. بدلاً من أن نشحن بنزين. والحقيقة المؤكدة إذا كانت «الحاجة أم الاختراع» كما تعلمنا منذ 70 عامًا فإنهم فى ألمانيا أنتجوا وقودًا من تخمير وعصر الفواكه التالفة أو درجة ثالثة.. وأنهم فى البرازيل انتجوا وقودًا من عصير القصب مستغلين ارتفاع نسبة الكحول فى هذه المادة اللذيذة التى يعشقها الناس، حتى إنهم فى تايلاند وفى ماليزيا قدموا لى عبوات عصير قصب فى كارتون - مثل العصير عندنا - تمامًا كما قدموا لنا عبوات من مياه جوز الهند، معبأة فى نفس العلب. والبحث عن وقود رخيص.. قليل فى تلويثه للبيئة هو الذى شجع هولندا.. وأيضًا إيطاليا، على استخدام الغاز الطبيعى وغاز البيوتان والبروبان «البوتاجاز» فى تسيير السيارات. وهذا الكلام وغيره، كتبته هنا - تحت نفس العنوان - فى أواخر 1999 بعد عودتى من رحلتى هذه إلى ألمانيا.. وهو ما نشرته فى كتابى «من أقصى الغرب.. إلى أقصى الشرق» الصادر فى يوليو 2001 عن الدار المصرية اللبنانية. ولكن ماذا نقول.. أم نردد مقولة موشى ديان إننا شعب لا يقرأ.. وإذا قرأ.. فإنه لا يتعلم.. وعفوا عن جلد الذات!!