التصدي للكتابة الدرامية عن الصعيد وموروثاته وعاداته وتقاليده ربما يكون مهمة شاقة وصعبة، خاصة علي من هم ليسوا من تلك البيئة.. والصعيد بكل هذا التناقض مازال كنزاً مفقوداً لحواديت وقصص تصلح لعشرات المسلسلات.. وأخيراً نجح السيناريست مجدي صابر، وهو صعيدي من سوهاج في أن يتسلل لهذا العالم الغائب عن ذاكرة كثير من المصريين وقدم عملاً متميزاً وتناول من خلاله قضية مهمة رغم أنها ليست جديدة وهي قضية الثأر وتجارة السلاح والتسلط والسعي وراء السلطة وهي كلها قضايا شائكة مازالت موجودة في الصعيد وتتصارع من أجلها العائلات الكبيرة وتؤجهها العنجهية الصعيدية وتغذيها القبلية والعصبية والعزوة، ورغم أن مجدي صابر خرج عن السطر في بعض المشاهد التي لم يفهمها المشاهد لكن الحقيقة التي يعرف كل من تربي وعاش في الصعيد مثلنا يفهم جيداً أن ما كتبه صابر في «سلسال الدم» هو الأقرب للواقع والحقيقة وربما أكثر قسوة وعنفاً مما ساقه المؤلف في مسلسله، وبالطبع حرفية وموهبة صابر كمؤلف ناجح ترك بصمة قوية في عشرات الأعمال جعلته يغوص ويتحمل عبء التجربة الأولي في الدراما الصعيدية ونجح في إعطاء وفك شفرة بعض المفردات في الصعيد وإضافة النكهة الدرامية في المسلسل بالإثارة والتشويق في الأحداث وبعض المشاهدين قد لا يدرك أن العمل يتناول الفترة من بداية الثمانينات وحتي نهاية عهد الرئيس الأسبق مبارك وهي كما يطلق عليها بداية عصر الديناصورات وتشكيل حقبة أصحاب المصالح والنفوذ ورجال الأعمال وأصحاب السطوة والكلمة في الصعيد الذين التقوا مع رجال الأعمال في مصالح وتجارة السلاح وهو ما يشير له صابر في المسلسل ب «رياض الخولي» هارون صفوان، ومع كل هذا الجبروت والقوة في شخصية هارون لم يسلم من طغيانه وتصدت له «نصرة» عبلة كامل، والتي تجسد الرمز للإرادة الشعبية التي قد تتعرض للظلم وربما تقهر لكنها لا تستسلم ولم تنهر وتتحول لوحش وقتل ابن العمدة «دياب» عندما يتعرض لابنتها ويتم سجنها.. وقد يستضعف البعض الصراع الدائر بين العمدة «هارون» و«نصرة» ويرون أنه من الصعب أن تتحدي امرأة فقيرة كل هذا الجبروت لكن من لا يعرفون الصعيد جيداً أن المرأة أحياناً تكون هي المحرك والمدبر والعقل في كل الصراعات التي قد تحدث ثم إن قدرها هو الذي ساقها لأن تخوض هذا الصراع بعد قيام «هارون» بقتل زوجها، وهذا يؤكد أن الثأر لن يموت ويمكن أن ترثه امرأة، ثم إنني عايشت في الحقيقة جبروت وقوة أمي رحمها الله وهي تواجه مخاطر عديدة ولم تخف وكان عمدة القرية يكن لها كل تقدير لقوتها ليست فقط لأنها قريبته لكنه كان يعرف قوة قلبها وجرأتها في الحق، عموماً قدم صابر تجربة جيدة كشفت جوانب أخري في الصعيد وهو عالم شيق ومثير بأسراره وعاداته وصراعاته وركز خلال العمل علي فترة بداية الثمانينات حتي الآن وهي الفترة التي صاحبت ولاية مبارك والتي ترك فيها الصعيد فريسة للثأر والقتل وتجارة السلاح وتشكل فيها نفوذ بعض أصحاب المصالح والسلطة، وللحقيقة إن صابر نجح في تجسيد هذه المرحلة من خلال حدوتة بسيطة تبدأ بصراع امرأة «نصرة» عبلة كامل مع «هارون» رياض الخولي، وتتخللها الكثير من الأحداث التي هي أقرب للواقع سواء من حيث صراع الثأر أو من صراع الأشقاء حتي الصراع بين النساء في المسلسل واقعي ومنطقي إلا بعض «الهفوات» في الشكل من حيث المكياج الصارخ والديكور في منزل العمدة بالمسلسل، ونجح النجم رياض الخولي في إضفاء القوة والهيبة والمنطق علي دوره أكثر من عبلة كامل التي خانتها اللهجة في بعض الأوقات، ووفق مخرج العمل مصطفي الشال وهو مخرج كبير ومتميز في التسكين الجيد لبعض الأدوار، خاصة النجم الكبير رشوان توفيق وفادية عبدالغني وأحمد سعيد عبدالغني وعلا غانم، ونجح صابر في نقل واقع أكثر صعوبة وشراسة مما قدم عن الصعيد وهي تجربة متأخرة لديه وإن كنا نفهم لماذا أخرها.. ولأهمية العمل وقوته في هذه الظروف تصدت قناة mbc بما تعرفه من خلال خبرتها بأهمية مثل هذه الأعمال في أن تعرضه في وقت متميز بعيداً عن زحمة رمضان ونجحت في أن تخلق به موسم عرض جديداً فتح شهية كل القنوات.. وللحقيقة فإن المسلسل أحدث حالة من التواصل مع الجمهور وذكرنا بمسلسلات زمان عندما كانت توقيتاً رسمياً للمواعيد عندما كنا نتواعد كشباب في الصعيد، نتقابل بعد المسلسل، الذي كان يعرض في الساعة السابعة مساء.. شكراً مجدي صابر وكل فريق العمل، التجربة فعلاً تستحق جزءاً ثانياً لكن يحتاج لمراجعة دقيقة في الشكل والملابس والديكور لكي يراعي الفترة الجديدة في أحداث الجزء الثاني.